هل من محور صيني تركي يلوح في الأفق؟

نشر في 13-12-2010
آخر تحديث 13-12-2010 | 00:01
في حال اختار أردوغان تعزيز تحالفه مع الأنظمة الاستبدادية، مثل الصين وسورية وإيران، عندها ستجد تركيا نفسها في عزلة تامة عن الغرب الليبرالي خلال وقتٍ قصير، كما سيتراجع نفوذها في العالم لأنها ستكون شريكة تلك الدول التي تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط وآسيا.
 وول ستريت جورنال خلال السنوات الأخيرة، بدأت إحدى أهم العلاقات القائمة في العالم وأكثرها فرادة تتداعى بشكل ملحوظ، فطوال عقود، بنت تركيا وإسرائيل روابط قوية في ما بينهما صبت في مصلحة البلدين وأثبتت أيضاً القدرة على إقامة تعاون بين بلد مسلم وآخر يهودي ضد أنظمة استبدادية بهدف تعزيز الأمن في الشرق الأوسط. ومع تصدع تلك الروابط، عمدت تركيا إلى التواصل مع الصين، وهي إشارة مقلقة إلى أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يعمل على تقوية روابطه مع أنظمة نافذة أخرى حول العالم. تشكل هذه العلاقة الناشئة إشارة أخرى إلى أن بكين تسعى إلى تأدية دور أكبر، لا في الأماكن النائية مثل إفريقيا فحسب، بل في بعض أهم دول العالم على المستوى الجيوسياسي.

كانت تركيا أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل، عام 1948، وسرعان ما عزز البلدان تعاونهما الدبلوماسي والأمني خلال الثمانينيات والتسعينيات، وكانت القوات المسلحة التركية على وجه التحديد تؤيد توثيق العلاقات بين أنقرة وإسرائيل، بما أن تركيا وإسرائيل كانتا تواجهان تهديدات من سورية وإيران خلال العقود الماضية. كذلك، كان البلدان يتبادلان المعلومات الاستخبارية، ويجريان عمليات تدريب مشتركة بين جيشهما، وقد جمعتهما علاقة تجارية قوية على مستوى بيع الأسلحة. فقد زودت إسرائيل القوات المسلحة التركية بمعدات متقدمة وساعدتها في تحديث عدد من أنظمة التسلح التركية. أما أنقرة، فقد سمحت من جهتها للقوات الجوية الإسرائيلية باستعمال المجال الجوي التركي، ما ساعد إسرائيل على جمع معلومات استخبارية أساسية عن سورية مثلاً. كذلك، تمكنت إسرائيل من استعمال القواعد الجوية التركية بشكل محدود، ما ساهم في توسيع نطاق القوة العسكرية الإسرائيلية.

لكن شهدت العلاقات بين أنقرة والقدس تدهوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة. استمر رئيس الوزراء أردوغان بالتعاون مع إسرائيل في السنوات الأولى من عهده، لكنه أدار ظهره لإسرائيل عندما عمد إلى احتضان سورية وإيران في سياسته الخارجية. قدّم أردوغان أسباباً مختلفة لتبرير قراره بتقليص روابط تركيا بالقدس، وقد شمل موقفه القضية الفلسطينية والحرب في غزة عام 2008، كما أنه اشتهر بموقفه حين غادر منصة المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، عام 2009، خلال نقاش مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز بشأن الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة، ما أكسبه شعبية هائلة في العالم العربي.

سرعان ما انهارت العلاقات التركية الإسرائيلية في وقتٍ سابق من هذا العام، حين حاول أسطول من السفن، برعاية تركيا، خرق الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة. فهبط أفراد من قوات الكوماندوز الإسرائيلية على الأسطول وهاجموه ثم أطلقوا النار على حشد المحتجين، ما أسفر عن مقتل ثمانية ناشطين أتراك. فاستدعت أنقرة سفيرها في إسرائيل وألغت معظم اللقاءات الثنائية والتدريبات العسكرية أيضاً. منذ ذلك الحين، يرفض أردوغان تحسين العلاقات التركية مع إسرائيل، وقد رفضت حكومته أخيراً دعوة إسرائيل إلى المشاركة في تدريب جوي سنوي كان يجري تقليدياً بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة.

تكفي جميع هذه المعطيات لإثارة جو من القلق في أوساط الغرب، إذ لطالما ساهمت الروابط التركية الإسرائيلية في متابعة الضغط على أنظمة عدة، بدءاً من سورية ووصولاً إلى إيران، خلال السنوات الماضية. غير أن التراجع الراهن في العلاقات زاد سوءاً بسبب قرار أردوغان التواصل مع قوة استبدادية أخرى، وهي الصين التي تشهد اليوم علاقة متوترة مع الولايات المتحدة وعدد من الدول المجاورة لها. وبعد رفض تركيا المشاركة في التدريبات الجوية التقليدية مع إسرائيل، عمدت أنقرة بدل ذلك إلى دعوة القوات الجوية الصينية إلى المشاركة في المناورات الجارية في قاعدة كونيا الجوية في وسط الأناضول.

يُفترض أن تثير تحركات الحكومة التركية الأخيرة قلق كلّ من يرى ضرورة أن تحافظ تركيا على علاقات وثيقة مع دول ليبرالية مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، ما السبب الذي يدفع رئيس الحكومة أردوغان إلى التواصل مع الصين ورئيسها هيو جينتاو؟ خلال هذه السنة، اتفق أردوغان وهيو على عقد "شراكة استراتيجية" تهدف بشكل أساسي إلى تعزيز التجارة الثنائية بين البلدين. اليوم، تساوي قيمة التجارة بين الصين وتركيا ما مجموعه 17 مليار دولار، لكن يريد القائدان زيادة تلك الأرقام لتصل إلى 50 مليار دولار بحلول عام 2015 و100 مليار دولار بحلول عام 2020. لكن من الواضح أن العلاقة التركية الصينية ستتعمّق على الأرجح في مجالات أخرى تتخطّى حدود التجارة. كذلك، يشكل إجراء تدريبات جوية مع القوات الصينية مؤشراً آخر على أن أردوغان يغير معالم السياسة الخارجية التركية والاستراتيجية الأمنية بشكل جذري، معززاً بذلك احتمال كسب الدعم الصيني الجوهري لمتابعة الضغط على الانفصاليين الأكراد.

أما بالنسبة إلى الرئيس هيو، فتُعتبر زيادة النفوذ الصيني في تركيا استراتيجية حذقة. ويمكن أن تشكل التدريبات العسكرية الصينية التركية مصدر قلق بالنسبة إلى واشنطن وحلفاء تركيا الآخرين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) تحديداً. إلى أي حدّ قد تتمادى تلك النشاطات؟ تُعتبر تركيا جزءاً من الاتحاد الذي يصنّع الجيل المقبل من المقاتلات الجوية المشتركة "إف-35"، التي ستضطر إلى تحمل عبء أن تكون الطائرة الجوية المقاتلة التي ستضعها الولايات المتحدة في الواجهة بأعدادٍ كبيرة. هل ستدعو أنقرة مسؤولين من القوات الجوية في جيش التحرير الشعبي (الصيني) لحضور اختبار طائرات "إف-35" والتدريبات الجوية ما إن تحصل القوات الجوية التركية على الطائرة؟ وهل سيحصل ضباط القوات الجوية في جيش التحرير الشعبي على الإذن بالتحليق بها؟ وأي نوع من المعدات العسكرية الأخرى قد تُقدم الصين على بيعها لتركيا في إطار علاقتهما المزدهرة: صواريخ باليستية أم غواصات ديزل متطورة؟

في المقابل، هل ستبدأ أنقرة بالتدخل في أزمة كوريا الشمالية، لتنضم إلى الأصوات الصينية والروسية التي تعارض أي محادثات جدية بشأن فرض عقوبات أو ضغوط اقتصادية مهمة على بيونغ يانغ؟ وهل يمكن أن يؤدي توثيق الروابط بين أردوغان وإيران إلى تسهيل تبادل الصواريخ بين كوريا الشمالية وإيران مستقبلاً، وبالتالي تعزيز التعاون النووي بينهما، حتى لو بدأت تركيا نفسها بإنشاء مصانع خاصة بها للطاقة النووية المدنية؟ يجب أن يبدأ المحللون السياسيون الغربيون بالتفكير في السيناريوهات المحتملة نتيجة توثيق الروابط الصينية التركية وتحديد التشعبات المترتبة على تعزيز شبكة دولٍ معادية للغرب.

في حال اختار أردوغان تعزيز تحالفه مع الأنظمة الاستبدادية، مثل الصين وسورية وإيران، عندها ستجد تركيا نفسها في عزلة تامة عن الغرب الليبرالي خلال وقتٍ قصير، كما سيتراجع نفوذها في العالم لأنها ستكون شريكة تلك الدول التي تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط وفي آسيا.

ستؤدي علاقات مماثلة أيضاً إلى التشكيك في ما إذا كانت تركيا ستبقى مجتمعاً متسامحاً ومنفتحاً كما كانت في الماضي، كونها تعقد شراكات مع حكومات تقمع الأقليات فيها وتفرض إيديولوجيا الدولة على مواطنيها. كذلك، سيؤدي التمادي في هذا الاتجاه إلى توجيه رسالة مفادها أن الدول المسلمة واليهودية لا تستطيع إيجاد نقاط مشتركة في ما بينها من أجل التعاون لتعزيز الأمن، بل إن بعض القوى الديمقراطية والاستبدادية لديها مصالح مشتركة تقضي بزعزعة استقرار النظام الدولي. سيكون هذا الوضع ضربة موجعة في وجه كل من يعتقد أن تركيا يجب أن تساعد في حفظ السلام وتحسين التعاون الليبرالي في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى من العالم.

لكن هذا الأسبوع، بعد حرائق الغابات المدمِّرة في إسرائيل أرسلت أنقرة مساعدات وطائرات إليها لمكافحة الحرائق. إنها خطوة في الاتجاه الصحيح، ويتعين على أردوغان الحفاظ على مساره الأخير وترميم علاقات تركيا مع شركائها القدماء والموثوقين.

مايكل آسلين - Michael Auslin

* مدير الدراسات اليابانية في معهد "أميركان أنتربرايز" وكاتب صحفي في موقع WSJ.com.

back to top