المافيا... دولة المال والدم توب تن المافيا العالميّة

نشر في 22-08-2010 | 00:00
آخر تحديث 22-08-2010 | 00:00
مع انتصاف القرن العشرين ونهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية، ارتخت قبضة مافيا «الكوزانوسترا» بجناحيها الإيطالي والأميركي، المتحكمة في شريان الجريمة المنظمة الواصل بين أوروبا (العالم القديم) وأميركا (العالم الجديد)، مع بزوغ نقاط أخرى للجريمة المنظمة تعاونت في البداية مع المافيا الإيطالية - الأميركية في عمليات تهريب المخدرات التي ازدهرت في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته نتيجة للطفرة في مجالي الاتصالات والمواصلات، وانهيار أنظمة الكتلة الشرقية وتحولها إلى اقتصاد السوق، ونشوء الاتحاد الأوروبي عام 1992 وسماحه بحرية مرور البضائع والأشخاص بين دوله، إضافة إلى ضعف السلطة ومشاكل التنمية في كثير من دول العالم الثالث.

أتاحت هذه العوامل كافة للجريمة المنظمة توسيع نشاطاتها، إلى درجة لم يعد بإمكان أية دولة منفردة، ومهما بلغت قوتها، مواجهة أخطبوط الشر، الذي توحش وامتدت أذرعه ليصبح مجموع دخل المافيات المتعددة الجنسيات السنوي أعلى من إجمالي مدخولات العالم من الحبوب واللحوم.

متعددة الجنسيات

بعد أن تخلت المافيا عن هويتها سواء الإيطالية أو الأميركية، والتي كانت بمثابة شارة فخر العائلة بين جماعات الجريمة، أصبحت المافيا شعاراً لمنظمات متعددة الجنسية تهدف إلى الكسب المادي السريع، تتصف بمجموعة من خصائص تجعلها تختلف عن جماعات الجرائم المحلية، وتتجسد تلك الخصائص في ملامح لخصها خبراء الجريمة في ما يلي:

- التخطيط: وهو العامل الأهم في جماعات الجريمة المنظمة، فهو الذي يكفل لها النجاح والاستمرار باعتماده على أفراد مؤهلين وذوي خبرة عالية.

- الاحتراف: وهو أحد شروط الجريمة المنظمة، التي هدفها الكسب المالي السريع في وقت قصير، الذي يتسم غالباً بعدم مشروعيته أو قانونيته.

- التعقيد: أحد شروط التنظيم، فالأمر البسيط لا يحتاج إلى تنظيم، وسرعان ما ينكشف لوضوح أسبابه.

- القدرة على التجنيد والابتزاز: فالإجرام المنظم ذكي في اختيار الأشخاص المتعاونين معه، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وله القدرة على شراء ضمائر الأشخاص، أو تخويفهم والضغط عليهم.

- الخطورة على المجتمع: إذ يفشل القضاء غالباً في إدانة أفراد الجريمة المنظمة لعدم توافر الأدلة، ولأن هؤلاء أذكياء وأصحاب خبرة قادرين على التخطيط والتنظيم، ما يسمح لهم بممارسة إجرامهم من دون رادع أو عقوبة. وهذا ما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على المجتمع، تكون نتيحتها تعطيل التنمية وانتشار الفساد بصوره كافة.

- التركيز على التحالفات الاستراتيجية: ذلك بعقد الاتفاقيات مع المنظمات الإجرامية المحلية والإقليمية والدولية لتفادي الصدام الدموي، ما يمنح المافيا الطابع الدولي عابر القارات.

ومع ذلك تظل تقاليد عصابات الجريمة المنظمة كلها نفسها قديماً وحديثاً، وأهمها: البناء الهرمي لتشكيل العصابة، أي أن القائد على القمة ويتبعه مساعدون وأفراد يدينون له بالفضل، ويعملون طبقاً لقواعد المافيا الصقلية من الطاعة العمياء والولاء المطلق للرؤساء، وتغليب مصلحة العصابة على مصلحة أفرادها. كذلك يجب على الأعضاء الجدد اجتياز اختبارات القبول القاسية التي تعكس صرامة النظام الداخلي والالتزام بقواعد السلوك، في الوقت الذي تتكفل فيه الجماعة بأعضائها احترام قواعد تقسيم مناطق النفوذ، والتي لا تمنعها ذلك أحياناً من الدخول في صدامات دموية للثأر من الخصوم.

ميادين الجريمة المنظمة

تتنوع أنشطة جماعات الجريمة المنظمة بحسب تطور أفكار قادتها، ويأتي على رأس قائمة أهم الأنشطة ما يلي:

1 - تجارة المخدرات: تشكل ظاهرة إنتاج المخدرات وتعاطيها مشكلة عالمية، إذ تمثل تجارة المخدرات نسبة 8 % من مجموع التجارة العالمية، والتي تستغل عوائدها في نشاطات أخرى مشروعة وغير مشروعة، ذلك حسب تقرير الأمم المتحدة لسنة 2000، في الوقت الذي يتم فيه سنوياً إنفاق نحو 120 مليار دولار على الإجراءات الدولية والمحلية لمكافحة انتشارها والتوعية بأضرارها وعلاج المدمنين.

وتحتل كولومبيا المرتبة الأولى على رأس الدول التي تنتشر فيها زراعة المخدرات، وقدرت مساحة الأراضي المستغلة فيها لهذا الغرض بـ150 ألف هكتار، ويقدر محصول الكوكايين بـ 650 ألف طن حسب إحصاءات 2001. وتعتبر المكسيك منطقة مثلى لتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة الأميركية وبكميات هائلة تقدر بمئات الأطنان التي تفوق في إيراداتها ما يجلبه الناتج الوطني للبترول الخام لدولة المكسيك. أما في العالم الإسلامي فقد ذكر تقرير الأمم المتحدة بأن من بين الدول التي تقوم بزراعة الأفيون وإنتاجه بكميات كبيرة أفغانستان وباكستان.

2 - الاتجار بالبشر: يحتل المركز الثالث في الأرباح بعد تجارة السلاح والمخدرات، فضلاً عن أنه أصبح أكثر نمواً واتساعاً ويمس جميع دول العالم سواء أكانت تلك الدول نقاط تجمع أو محطات عبور أو وجهة نهائية. ويشكل الاتجار بالبشر، خصوصاً الأطفال والنساء لأغراض تجارة الأعضاء والاستعباد الجنسي وتشغيل شبكات الدعارة أحد الأنشطة الرئيسة التي تضطلع بها المنظمات الإجرامية نظرا إلى ما تحققه من أرباح عالية، ومن بين أشهر المنظمات الإجرامية التي تضطلع بهذه التجارة مافيا المثلث الصيني والياكوزا اليابانية.

3 - تهريب المهاجرين غير الشرعيين: وتتجاوز أرباح تلك العمليات 3.5 مليارات دولار سنوياً، وقد تحولت الهجرة السرية إلى تجارة مربحة، لأنها أقل خطراً من المتاجرة بالأسلحة والمخدرات. وتتولى المنظمات تهريب أعداد كبيرة من أبناء العالم الثالث، ممن يغادرون بلدانهم لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو لاندلاع الحروب الأهلية، ذلك في مقابل مبالغ طائلة، كي يدخلوا بصورة غير مشروعة ولا إنسانية إلى البلدان المتقدمة دون أي ضمانات.

4 - غسيل الأموال: يشير بعض التقديرات إلى أن حجم الأموال المغسولة في العالم تتجاوز نصف تريليون دولار سنوياً، ويرتفع الرقم إلى 1.5 تريليون دولار سنوياً، أي نحو 10% من الناتج الإجمالي العالمي. وقد عرفت اللجنة الأوروبية لغسل الأموال في دليلها تلك العملية بأنها: «تحويل الأموال الناتجة من نشاطات إجرامية بهدف إخفاء مصدرها غير الشرعي، أو مساعدة أي شخص ارتكب جرماً ليتجنب المسؤولية القانونية عن الاحتفاظ بنواتج هذا الجرم». وتعد نواتج تجارة المخدرات المصدر الأول لغسل الأموال، تليها أنشطة أخرى منها: الاتجار غير المشروع بالأسلحة، والآثار، وتزييف العملة، ما يلقي بآثار سلبية على أسواق المال ومستويات أسعار الصرف. وقد استخدم مصطلح «غسيل الأموال» للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية عام 1920، عندما لجأت عصابات الشوارع إلى البحث عن وسيلة تضفي بها صفة المشروعية على عائداتها. ويؤرخ البعض لأول استخدام لهذا المصطلح في سياق قضائي أميركي في قضية ضبط اشتملت على مصادرة أموال مغسولة وناتجة عن الاتجّار بالكوكايين الكولومبي، ثم أصبح هذا المصطلح متداولاً في المحافل كافة، خصوصاً في تقارير الأمم المتحدة ومؤتمراتها، والتي دعت إلى عقد مؤتمر دولي في نوفمبر (تشرين ثاني) 1994 لوضع استراتيجيات لمكافحة الجريمة المنظمة.

قائمة الأشرس

على شبكة الإنترنت، قدم المتابعون قائمة تتضمن المافيات الأشرس في بداية الألفية الثالثة، مع ملاحظة ما يستجد من حراك قد يدفع بعض تلك الجماعات المذكورة في القائمة التالية إلى مراتب أعلى أو قد ينحيها جانباً لوصول جماعات أخرى أكثر شراسة وعنفاً:

10 - المافيا الجامايكية - البريطانية (يارديس) – Yardies:

مجموعة من المهاجرين الجمايكيين الذين هاجروا إلى بريطانيا بداية من 1950، وتورطوا في أنشطة الجريمة المنظمة من أعمال عنف وتهريب وترويج المخدرات واستخدام الأسلحة النارية، والتي كانت خاضعة لرقابة أمنية صارمة من السلطات البريطانية، التي لم تنجح تلك المافيا في اختراقها، لذلك لم تكن بقوة جماعات المافيات الأخرى.

9 - المافيا الألبانية ووسط آسيا:

تتكون المافيا الألبانية من عدد من جماعات إجرامية يمتد نشاطها إلى الولايات المتحدة وأوروبا في مجالات الدعارة وتجارة المخدرات بالاعتماد على قواعد الثأر والانتقام الدموي والعنف الجسدي لحل مشاكلها. وقد بدأت الجريمة المنظمة في ألبانيا في القرن الخامس عشر، وازدهرت خارج ألبانيا في بداية الثمانينيات، وساعدها على النمو والانتشار الوضع الجغرافي المتميز، لوقوع ألبانيا على الحدود مع اليونان ومقدونيا والجبل الأسود والبوسنة وإطلالتها على البحر الأدرياتيكي، ما يسهل تهريب السلع والمخدرات، ونقل المهاجرين السريين، والمتاجرة بالقاصرات.

وحول المنطقة نفسها تنشط المافيا التركية التي اقتصر نشاطها حتى بداية التسعينيات على المانيا، لما يوفره نحو ثلاثة ملايين تركي في داخل ألمانيا، وبقي نشاطها محصوراً في النطاقات التقليدية، ولم تتطور ويتسع ميدان عملها إلا بالتنافس مع مافيات أخرى مثل الألبانية والروسية والإفريقية. وهي في كل الأحوال مافيا داخلية تمارس مئات النشاطات، وتحصد نحو ستين مليار دولار سنوياً من الاقتصاد في السوق السوداء، أي قرابة ربع الدخل القومي. وتتعاون المافيا التركية منذ سنوات مع المافيا البلغارية، وقد رُصدت عمليات مشتركة مثل تزوير خمسة ملايين دولار في 2001.

8 - المافيا الصربية:

تعمل في أكثر من 10 دول، من بينها: ألمانيا، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا. وتتنوع أنشطتها بين التهريب عموماً، وتهريب المخدرات خصوصاً، القتل بالأجر، فرض إتاوات الحماية الأجبارية، القمار، وسرقة السلاح وإعادة بيعه. وتتألف المافيا الصربية من ثلاث عصابات رئيسة، هي: فودوفاك Vozdovac، سورسين Surcin، وزيمون Zemun، وتتحكم تلك العصابات بجموعات أصغر، وثمة 30 مجموعة نشطة في صربيا وحدها.

7 - المافيا الإسرائيلية:

تنشط المافيا الإسرائيلية في بلدان كثيرة، للقيام بأعمال تتعلق بترويج المخدرات وتهريبها، الدعارة، الإتجار بالبشر، القتل بالأجر، الاغتيال العلني، والخطف لطلب فدية. وقد ترددت أقاويل عن تغلغل أعوان المافيا الروسية- الإسرائيلية في النظام السياسي ودوائر أصحاب القرار في الولايات المتحدة الأميركية، التي لم تفلح في إحراز أي تقدم لوقف انتشارها.

6 - المافيا المكسيكية:

ارتفع نجم المافيا المكسيكية مع منتصف القرن الماضي، وتعتبر إحدى أقوى جماعات المافيا في السجون الأميركية حيث يتولى أعضاؤها حماية السجناء المستهدفين من ضباط السجون، كذلك يحمون السجناء الراغبين في الحصول على حماية فضلاً عن القيام بأعمال التصفية والإتجار في المخدرات وغيرها مما يحتاجه المسجونون. بعض المجموعات منها موزع في السجون الأميركية كافة؛ ذلك لقيادة مجموعات المساعدين ممن يتولون تنفيذ أوامرهم من أحكام التصفية وجباية الأتاوات المفروضة على السجناء من دون أدنى حد من المعارضة. ويتردد أن عدد أعضائها داخل الولايات المتحدة يبلغ 30 ألف عضو تجمع بينهم رسوم الوشم على أجسادهم للتعارف في ما بينهم، والتي قد تتضمن عبارات بالمكسيكية أو رموزاً متعارف عليها كأشكال لسكاكين متقاطعة.

5 - مافيا الياكوزا اليابانية:

تأسست في القرن السابع عشر عبر جماعات انصب اهتمامها على ممارسي الفنون القتالية العاطلين عن العمل، ممن يسهل تجنيدهم لممارسة أعمال لصوصية وقتال شوارع وحماية رجال عصابات. ويتردد أن معظم أفراد الياكوزا مبتور إصبع الخنصر، الذي كان يُقدَّم كهدية لرب الأسرة عند الانضمام اليها كاسترضاء له، واعتذار عما قد يبدر من خطأ، وتعبيراً عن الولاء. وطبقاً لإحصائية صادرة في 1996، يبلغ عدد الأسر المتحكمة 2500 أسرة تبسط سيطرتها على نحو مائة وخمسين ألف من الأعضاء، المتورطة غالبيتهم في أنشطة حماية العصابات وتجارة الأفلام الإباحية والبغاء والهجرة غير الشرعية والاحتيال وغسل الأموال في جنوب شرق آسيا والفلبين وخدمات الإقراض بفوائد، ويعتبر فيلم «سوناتين» للمخرج تاكيشي كيتانو أحد أهم الأعمال التي تناولت تفاصيل الياكوزا.

4 - المثلث الصيني

برزت المثلثات الصينية في منتصف القرن السابع عشر عن طريق عدد من الرهبان البوذيين، الذين نظّموا مجموعة سرية تحمل المثلث متساوي الاضلاع كشعار لها يرمز الى السماء والأرض والإنسان. وقد ازدادت هذه المثلثات لاحقاً لتنحرف عن مسارها المحدد الى طريق الجريمة، ذلك في القرن الثامن عشر تحت اسم «تيان دي هوي» Tian Di Hui. ويتردد راهناً أن عدد أعضائها يتجاوز مليون ناشط، ينتظمون في إطار مجموعات من المنظمات الإجرامية من الصين وماليزيا وهونغ كونغ وتايوان وسنغافورة. وتنشط المافيا الصينية أيضاً في نيويورك ولوس أنجليس وسياتل وفانكوفر وسان فرانسيسكو، حيث تسيطر على أعمال السرقة والقتل بالأجر وتجارة المخدرات والدعارة وفرض الإتاوات والقرصنة وتزييف العملة وتهريب المهاجرين.

3 - كارتلات المخدرات الكولومبية:

تخصصت تلك المافيا من بدايتها في صناعة المخدرات وتجارتها بأنواعها كافة وعلى رأسها الكوكايين، وتبلغ حصتها من إجمالي توزيع المخدرات في العالم نحو 80 %. ويمتد نشاط تلك الكارتلات إلى دول عدة في أميركا اللاتينية، وثمة جماعات نشطة كثيرة منها في كولومبيا وحدها، ومن بينها: كارتل كالي، وكارتل مادلين التي رأسها بابلو أسكوبار، والذي قتل في 1992 بعد اتحاد حكومتي كولومبيا والولايات المتحدة ضد أباطرة التجارة الذين فضلوا الاختفاء عن الأنظار وإدارة أعمالهم من خلف الستار باستخدام أساليب التعذيب والخطف والقتل والإرهاب.

2 – الكوزانوسترا:

تشكلت وبزغت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في إيطاليا، ومنها انتقلت الى الولايات المتحدة حيث تم الإبلاغ للمرة الأولى عن وجود المافيا في أميركا عام 1891. وقد امتلكت الكوزانوسترا قدرات تنظيمية خارقة وقواعد مقدسة مكنت أعضاءها من الإفلات دوماً من العقاب، ودعمت سيطرتها بفرض الحماية الإجبارية المدفوعة على الجميع وتجارة المخدرات والسلاح والقتل بالأجر، ذلك بعد تقسيم الولايات المتحدة الى مناطق لصالح رؤوس عائلات المافيا الإيطالية البالغ عددها 26 أسرة، والتي تقلصت الى خمس عائلات كنتيجة للصراعات القاتلة في ما بينهم على المناطق. ومن بين أهم العائلات المتبقية في نيويورك: بونانو، كولومبو، جامبينو، جينوفيز، لوتشيز، والتي نجح أفرادها في اختراق جهاز الشرطة والنظام القضائي الأميركي في منتصف القرن الماضي، وهذا ما تم تداركه بمحاكمة الكثيرين منهم، ليظهر جيل جديد مع بداية الألفية الثالثة يحمل اسم «الشيء الجديد» ( La Cosa Nuova ). ولا يهتم هذا الجيل بالأصل ولا بالجنسية، بل امتدت أنشطته غير القانونية لتشمل كل شيء من المقامرة، والدعارة، وبيع المخدرات, ودعارة الأطفال, والإتجار بالبشر والأعضاء البشرية. وتعتبر ثلاثية الأب الروحي السينمائية للمخرج فرانسيس فورد كوبولا أحد أفضل الأعمال عن ماهية المافيا في قصة مزجت بين وقائع حقيقية لعائلات من المافيا الأميركية.

1 - المركز الأول بلا منازع للمافيا الروسية:

نشأت المافيا الروسية في الاتحاد السوفياتي، وقد تطورت في رحلتها مرات عدة منذ وفاة ستالين، كذلك قطعت شوطاً كبيراً في أنشطتها في أثناء حكم بريجنيف، ليشتد عودها عقب حكم غورباتشوف، ومع قرب انهيار الاتحاد السوفياتي القديم. وقد انضم إليها كثير من ضباط المخابرات الروس والخبراء في غسل الأموال، فضلاً عن علماء نوويين وأعضاء سابقين في الحزب الشيوعي باعوا خبراتهم لتشتد شوكة المافيا الروسية. وهاجر معظم أعضائها الى إسرائيل وأميركا وألمانيا باستخدام هوياتهم اليهودية والألمانية، وتشمل أنشطتهم تهريب المخدرات والأسلحة النارية، والتفجيرات، وتجارة المواد الإباحية، القرصنة الإلكترونية، وتهريب الأعضاء البشرية.

وتحكمهم قوانين خاصة أهمها رفض أي تعاون ممكن مع الهيئات الحكومية، فضلاً عن التصفية لكل من يُعتقل من أبناء المنظمة، وحتى بعد الإفراج عنه لضمان عدم تجنيده ضد المنظمة. وقد ارتبطت المافيا الروسية باتفاقيات تعاون وشراكة مع أبناء الكوزانوسترا الأميركية، ما أهلها لتوسيع دائرة أعمالها من دون تعارض أو تضارب في المصالح.

هكذا تراجعت شيئاً فشيئاً شهرة عائلات المافيا الشهيرة أحفاد الكوزانوسترا الصقلية والأميركية، وأتباع كابوني شيكاغو ولوتسيانو نيويورك، لتبرز المافيا الحمراء القادمة من أراضي الاتحاد السوفياتي، وجماعات مافيا «الياكوزا» في اليابان، ومافيا «التونج» في الصين وهونج كونج وتايوان، ومافيا المثلث الذهبي في جنوب شرق آسيا، فضلاً عن المافيا اللاتينية التي طبقت شهرتها الأفاق وتخطت الحدود السياسية والجغرافية لتعلن عن وجودها في قارات العالم القديم والجديد.

back to top