فرصة السلام الضائعة

نشر في 25-10-2010 | 00:01
آخر تحديث 25-10-2010 | 00:01
على الولايات المتحدة توخي الحذر الشديد في سعيها إلى إعادة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات بعدم إيقاع نفسها في المشكلة المعاكسة عبر تخطي الخطوط الحمراء الفلسطينية، ومن شأن تعهد واشنطن بدعم وجود أمني إسرائيلي طويل الأمد في وادي الأردن الاستراتيجي، إيقاعها في هذا المأزق.
 Roger Cohen  بين الإخفاقات الصغيرة الناجمة عن سياسة إدارة أوباما الخارجية، يُعتبر مسار الدبلوماسية السريع في الشرق الأوسط والقائم على استنفاد البيت الأبيض موارده في الأسابيع الأخيرة الأفظع.

يجب ألا يستثمر أي رئيس أميركي رأسماله الشخصي عبر إطلاق محادثات مباشرة بين الرئيسين الإسرائيلي والفلسطيني في حين أن تلك المحادثات آيلة إلى الفشل بعد أسابيع بسبب مسألة بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي تشكل منذ زمن طويل عقبة كبيرة في طريق المفاوضات.

لكن هذا ما فعله باراك أوباما لتوّه، فقد سمح لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو برفض طلب شخصي بتمديد قرار وقف بناء المستوطنات لعشرة أشهر في الضفة الغربية لمواصلة المفاوضات، لأن فلسطين يستحيل أن تولَد إن كانت الأرض المخصصة لها تتآكل باستمرار.

واليوم، مهّد جو اليأس البسيط السائد في هذا الوضع غير اللائق لحالة من اليأس المطلق في المفاوضات الأميركية الإسرائيلية حول التنازلات، والضمانات، والإطراءات، والمعدات العسكرية... إلخ. وهي التي قد تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل في مقابل تمديد القرار المذكور لمدة 60 يوماً، لكن الأمر الوحيد الذي يدعو إلى التفاؤل أن أحداً لا يرغب على ما يبدو في إفشال المسار. أمهلت الدول العربية الولايات المتحدة حتى مطلع نوفمبر لإجراء المقايضة بينما دعا الفلسطينيون إلى تعليق المفاوضات وليس وقفها. أما إسرائيل فتترصّد المنافع التكتيكية... لكن إن استؤنفت المحادثات، وهذا ما أتوقعه، أقدّم النصائح العشر الرئيسة التالية:  

1- على الولايات المتحدة توخي الحذر الشديد في سعيها إلى إعادة إسرائيل إلى طاولة المفاوضات بعدم إيقاع نفسها في المشكلة المعاكسة عبر تخطي الخطوط الحمراء الفلسطينية. ومن شأن تعهد الولايات المتحدة بدعم وجود أمني إسرائيلي طويل الأمد في وادي الأردن الاستراتيجي - وهو من الأفكار التي رُوّج لها - إيقاعها في هذا المأزق. على حد قول أحد كبار المسؤولين الأوروبيين: "يمكن تطبيق إجراءات أمنية مبتكرة شرط ألا يستيقظ الفلسطينيون في اليوم الذي يلي قيام دولتهم ويكتشفوا بأنهم لايزالون تحت الاحتلال".

2- إن بالغ الفلسطينيون في موقفهم عبر اختيارهم التصرف بشكل أحادي الجانب، فإنهم سيضيفون بذلك خطأً فادحاً آخر إلى تاريخ طويل من الأخطاء الاستراتيجية. فالتخلي عن المحادثات لمصلحة الحصول على اعتراف من هيئات دولية مثل الأمم المتحدة باستقلال دولتهم الفلسطينية سيفضي بهذه الأخيرة إلى حائط مسدود، لأن مثل هذا الاعتراف، إن حصلوا عليه، فإنه لن يؤدي إلى فتح الطرقات، أو تسليم المياه، أو إنشاء المرافئ أو المطارات، أو تعزيز الوضع الأمني، أو إزالة الجنود الإسرائيليين ولن يحّول فلسطين من ضحية ضعيفة إلى دولة سيادية قابلة للحياة، فتصحيح الخطأ بخطأ أكبر لا يحل الأمور.

3- حث نتنياهو الفلسطينيين على الاعتراف مسبقاً بإسرائيل كـ"دولة يهودية" ليست بالفكرة الناجحة، فقد اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، لكنها لن تخوض في طبيعة الدولة، لذا يمثل استهلال المحادثات بمناورة "الدولة اليهودية" محاولة لتسوية مسألة اللاجئين الفلسطينية قبل مناقشة مسائل الوضع النهائي الأخرى كالحدود. لكن تلك الخطة غير ناجحة، لأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قال إن اتفاق السلام سيحل "المطالب التاريخية" كافة، وقانون اللاجئين وهذا كاف للوقت الراهن.

4- يقف نتنياهو في قلب تيار الوسط السياسي الجديد في إسرائيل، أي إلى جانب اليمين حيث كان منذ خمس سنوات. يقول الرأي الإسرائيلي الصارم: أزلنا المستوطنات من غزة فانظر علامَ حصلنا، صواريخ "حماس". تلك هي الزاوية التي يُنظَر عبرها إلى الانسحاب من غزة. قد يُخالف هذا الرأي لكنه موجود، لذا على الفلسطينيين التعامل معه. فتوقهم إلى السيادة يُقابَل بقوة بالإصرار الإسرائيلي على تسوية الوضع الأمني. وهذا ما يشكل محور حركة مسألة السلام.

5- لدينا الوقائع على الأرض والعملية السياسية، والأولى تدعم الثانية، فالوقائع في الضفة الغربية مشجعة للغاية، لأن الفلسطينيين باتوا جديين بشأن بقواتهم الأمنية وأدركوا أن أي دولة لن تقوم من دون حكم القانون، أو بوجود ميليشيات متعددة، لذا على إسرائيل أن تكون أكثر استباقيةً في توسيع المناطق التي تستطيع فيها قوات الأمن الفلسطينية أداء دورها، عبر تسهيل التنقل والاستثمار. بهذه الطريقة تدعم الدولة الفلسطينية التي تريدها.

6- لم تعد الدول العربية الاستبدادية ترى في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أداة إشغال مفيدة إنما مصدر قلق لكونه يغذي "جبهة مقاومة" مزعزعة للاستقرار ومدعومة من إيران. لذا لن تتخذ الخطوة الأولى لكنها ستدعم سلاماً يعيد إسرائيل إلى حدود عام 1967 مع مقايضات في الأراضي يُتفق عليها.

7- الوضع قد ينفجر في أي لحظة، فجميع الجهود الفلسطينية في الضفة الغربية موجهة لإقامة دولة فلسطينية في غضون عام، والهدف عينه حدده أوباما وصادقت عليه قوى دولية عظمى، لذا بدا التقدم الكبير الحاصل في بناء المؤسسات الفلسطينية غير مجد، قد يثور الغضب مجدداً ليتحول إلى عنف مدمر للذات.  

8- إن توافر ما يكفي من الزخم في النصف الثاني من العام المقبل للإعلان بأن الدولة الفلسطينية باتت قطاراً جاهزاً لمغادرة المحطة، ستصعد أغلبية الفلسطينيين في غزة على متنه. من ثم يصبح السلام معضلة سياسية بالنسبة إلى "حماس". يستطيع الفلسطينيون حل مشاكلهم الداخلية لكن ليس إن جرد قصر النظر الإسرائيلي المعتدلين من نفوذهم.

9- لن تقوم أي دولة فلسطينية من دون جعل القدس الشرقية عاصمةً لها، لذا يبقى الانتظار إذن لمعرفة مصير القدس الشرقية، أمرا قد نشهده فعلياً أيضاً.  

10- تلك هي أفضل آخر فرصة للسلام في المستقبل المنظور، لكنها تتطلب من كلا الجانبين شجاعة كبيرة وتحمّل بعض المخاطر. لذا لن تفلح بالتأكيد.

back to top