عادات أهل الكويت في رمضان... ماذا بقي منها؟
أبرزها: «الواردة» و«ليلة ناصفوه»
«رمضان بالديرة غير»، يتفق الجميع على هذا الرأي، ذلك لأن هذا الشهر يتميز بعادات وتقاليد جميلة، حرص أهل الكويت على تخليدها جيلاً بعد جيل.
يمتاز شهر رمضان في الكويت بطابعه المميز والمحبب لدى الجميع، هذا لما له من عادات وطقوس خاصة دأب الكثير احياءها في هذا الشهر بالتحديد، فهي بمنزلة استحضار للماضي الجميل بكل تفاصيله، من ازياء تقليدية واطباق شعبية واحتفالات رمضانية خاصة لا تزال موجودة في وقتنا الحالي فالعديد من العوائل الكويتية مازالت حريصة على احيائها في هذا الشهر المبارك، لما لها من وقع محبب لدى الكبار والصغار على حد سواء. فعلى الرغم من تطورالحياة وتمدننا فإن هذه العادات الرمضانية مازالت محافظة على طابعها التراثي الأصيل، لكن البعض يجدها اختلفت كثيراً واخذت منحى تجارياً شغل العديد من الأبناء وربات البيوت عن طقوس كانت محببة في الماضي."الحصيرة" و"النقصة"اختلف رمضان كثيراً عما كان عليه في الماضي، فقديماً كانت تعد العدة لهذا الشهر الكريم، من تجهيز للقريش وشراء أوانٍ جديدة للطبخ من "جدور" وغيرها من المستلزمات، اما اليوم فقد اختلفت التحضيرات والاحتياجات، ففي الماضي كانت المرأة الكويتية هي المسؤولة عن تدبير المنزل من الألف إلى الياء، إذ نجدها تستيقظ في الصباح الباكر بعد أدائها صلاة الفجر، تكنس وتنظف و" ترز الإيدام" لإعداد وجبة الفطور، وفور انتهائها كانت تحفظها في " الملالة" كي تقي طعامها وطعام اسرتها من "الملحوس" وغيره من الكائنات الزاحفة، وبعد ان يعلو صوت المآذن إيذاناً بالإفطار، نجدها جهزت "الحصيرة" وقدمت الطعام لزوجها وابنائها، ليس هذا فحسب فقد كانت ربة المنزل آنذاك حريصة على تقديم "نقصة" من طعامها لجيرانها وفي حال جاءتها "نقصة" من احد استوقفت صبيتهم وبادرتهم "بنقصة" من وجبتها هكذا هي حياة الأسر الكويتية قديماً مترابطة ومحبة وبسيطة على الرغم من قسوة الحياة والعيش.لا ينتهي نشاط ربة المنزل إلى هذا الحد فحسب، فقد كانت حريصة على زيارة الأهل والجيران، تطرق الأبواب بابا تلو الآخر لتبارك لأهلها واحبابها بقدوم الشهر، ومن ثم تعود الى منزلها لتعد وجبة السحور لزوجها وابنائها، كانت دؤوبة تختلف عن ربة المنزل في وقتنا الحالي، إلا ان ذلك لا ينقص من قيمة ربات بيوت اليوم، فمتطلبات العصر ورتم الحياة اختلف كثيراً عما كان عليه في الماضي، ولكن على الرغم من ذلك نجد أنهن مازلن حريصات على عاداتهن الجميلة في تقديم وجبة الفطور فتزدهر المآدب بالأطعمة الشعبية "كالتشريب" و"الهريس" و"الجريش" و"اللقيمات" و"صب القفشه" فكثيرات هن اللاتي لا يتقن اعداد هذه الأطباق لذا يفضلن شراءها من المطاعم الشعبية المنتشرة في المنطقة.عادات رمضانيةكثيرة هي عاداتنا الرمضانية القديمة فهي لا تقتصر على الأكلات الشعبية فحسب، فمن العادات المحببة في الماضي والتي كان يشترك فيها الأطفال، عادة "الوارده" فقد كان اطفال الفريج يحرصون على اللهو بالقرب من مدفع الإفطار بجانب قصر دسمان وعندما ينطلق يهللون ويكبرون، ومن الطريف تعمد البعض اجبار اقرانهم فتح افواههم ليثبتوا صيامهم ففي حال جاء لسانهم ابيض نالوا احترام رفاقهم عدا ذلك يتهمهم الجميع بأنهم مفطرون، وكثيراً ما كان يتحايل البعض فيشربون اللبن او الحليب لتكتسب ألسنتهم اللون الأبيض تجنباً للسخرية، ومن العادات الجميلة الأخرى الخاصة بالأطفال هي ليلة "ناصفو" وتكون غالباً في 15 شعبان وهي عبارة عن تجمع الأطفال بعد صلاة العشاء على "راس العاير" وحولهم مجموعة من الأطعمة وهي عبارة عن "شروكه" بين بعضهم بحيث يجلب كل طفل من منزله القليل من الطعام له ولرفاقه مرددين اهزوجة "ناصفو ناصفو سلم ولدهم"، ومن العادات الأخرى "القرقيعان" وهو خاص "بالبنيات والصبيان" الذين كانوا يجوبون الفرجان في منتصف شهر رمضان بعد الفطور مرتدين ازياء فرحة حاملين بأيديهم اكياسا و"ملال" ليضعوا فيها "القرقيعان" وهو عبارة عن حلوى "شاكليت" و" برميت" و"بيض الصعو" و" مشمش ميبس" ومكسرات، والميسورون يضعون قطعا من القمر دين، كانت بدورها تدخل البهجة إلى قلوب الأطفال، إلا ان القرقيعان منذ سنوات قريبة بدأ يأخذ طابعاً مختلفاً ليأتي في علب حديثة ذات اشكال مختلفة، افقدته طابعه التراثي البسيط، فالكثير من العوائل الكويتية اصبح يتنافس بعضها مع بعض في ابتكار صرعات جديدة وغريبة خاصة "بالقرقيعان"، هذا في ما يخص عادات الشهر اما في ما يخص المهن والشخصيات المقترنة في هذا الشهر لا ننسى "بو طبيلة" الذي لم يعد موجوداً في وقتنا الحالي، بوطبيلة كان يجوب الفرجان حاملاً الطبلة لايقاظ الصائمين لتناول وجبة الفطور قبل أذان الفجر وهو في الغالب ما يكون "حماراً" أو بناءً.«القريش»المناسبات الكويتية القديمة التي انقرضت كثيرة، وتذكر تلك المناسبات حاليا من باب التندر والطرافة، ومعظم ابناء الجيل الحالي لا يعلمون شيئا عن المناسبات والعادات التي مارسها وتعود عليها مجتمعهم في الماضي فاصبحت في اطياف الذكرى.الموضوع عن مناسبة ورغم بساطتها الا انها عرفت باسم خاص وهو «يوم الكريش» ويلفظ بالكاف فيوم «الكريش» هو اليوم الذي يسبق شهر رمضان بيوم واحد.. ولهذا اليوم مناسبة فهو اخر يوم يتم من خلاله تناول وجبة الغداء فبعده يكون الصباح وبالطبع لا تكون وجبات سوى انتظار صوت المدفع لتناول الافطار.ففي يوم «الكريش» تقام وليمة من الغداء الفاخر ويجتمع حولها كافة افراد الاسرة فهي ستكون اخر يوم للغداء وتعود بي الذاكرة الى ايام بيتنا المبني من الطين والجندل والباسجيل وقبل وقت الغداء كنت اشتم رائحة الطبخ الكويتي الاصيل المنبعث من البيوت الكويتية المجاورة وما هي الا دقائق قليلة قبل موعد الغداء الذي يكون بعد صلاة الظهر مباشرة حتى تتبادل الاطباق فيما بين البيوت مع بعضها البعض فكنت اقوم بتوزيع الاطباق على بيوت الجيران وكانوا يمهلونني بالانتظار لاستلام الاطباق التي تخص اسرتي وخلال عودتي للبيت التهم ما استطيع اكله مما احتواه الطبق من (نتف) اللحوم واكل (الحشو) واقوم بتصليح سطح الطبق بيدي حتى لا يكتشف باني قد اكلت جزءا منه فبعد صلاة الظهر يجتمع كافة افراد الاسرة حول المائدة التي تضم تشكيلة من الاطباق المميزة المطبوخة في البيت او المهداة من الجيران والمعارف ويبدأ التندر حول هذه الوجبة بان كل واحد يذكر الاخر بان هذه الوجبة هي الاخيرة وغدا هو الصيام فيتندر رب الاسرة ويقول شبعوا ترسوا بطنكم ترى باجر ماكو غدا».غبقة رمضاناعتاد اهالي الكويت في السهرات الرمضانية بالسابق وبالاخص في الدواوين التي تستمر باستقبال روادها الى ساعات متأخره قبل السحور، ومن خلال تلك الاجواء الشاعرية الرمضانية تتنافس بعض الدواوين في تقديم اطباق خاصة من الطعام تعرف (بالغبقة) وتختلف بالشكل والنوع ما يتم تقديمه في الوقت الحاضر، ففي الماضي كانت تقدم اطباق خفيفة من الاكل مثل «الفول المبطوخ (الباجيلا) والحمص (النخي) و (المحلبية) بالاضافة الى تشكيلة متنوعة من الحلويات الشعبية الكويتية واهم مايميز تلك الاصناف، نكهتها ومذاقها الطيب الطيب ورائحتها الزكية، فكان يدخل في صناعتها الهيل والدارسين والزعفران وهي مجموعة بهارات حلوة المذاق وتستورد من الهند. في الماضي كانت «الغبقة» تقدم بوقت لا يزيد عن الساعة العاشرة مساء، اما في الوقت الحاضر فتقدم في ساعة متأخرة قبل السحور بقليل، كما اختلفت في الشكل المضمون لاحتوائها على اصناف من الأكلات الدسمة وأصبحت الحلويات التي هي في الماضي اساس «الغبقة» هامشية.وكما تقدم في الماضي بعض المشروبات، فإذا حل رمضان بالصيف يقدم شراب اللوز الذي يعرف (بشربت البيذان) بالاضافة الى الشاي والقهوة.. اما اذ كان رمضان في الشتاء فيقدم الشاي بالحليب وشاي اللومي والدارسين والزعتر وايضا (القهوة الحلوة) وهي عبارة عن الزعفران المغلي بقليل من السكر.أما عن اهم الحلويات الشعبية الكويتية فهي:1- الرهش: هو عبارة عن الحلاوة التي تشتهر بها عدد من الاقطار العربية ولكن يضاف اليها زيت السمسم (الهردة) كما ان (الرهش) يضاف اليه العسل التمر الذي يعرف (بالدبس) كي يعطيه طعما حلوا مميزا.2- لسان الثور: هو عبارة عن نوع من انواع البقسماط، ولكن حجمه كبير بحجم كف اليد، ويفضل أكله بعد غطه (تغميسه) بشا الحليب ليصبح طرياً.3- البقصم: هو كذلك نوع من انواع البقسماط، ولكن حجمه صغير طول الاصبع تقريبا ويؤكل كذلك بعد غطه «تغميسه» مع الحليب.4- اللقيمات: هي ما تسمى في بعض الاقطار العربية (بلقمة القاضي) كروية الشكل بحجم حبة الجوز، وتصنع من الطحين بعد وضعها في الزيت المغلي ثم تنقيعها (تغميسها) في السكر المذاب (الشيرة) ويفضل اكل اللقيمات كثيرا في شهر رمضان.5- الزلابية: هي دائرية الشكل على شكل حلقات متصلة مع بعضها البعض وتصنع بطريقة صنع (اللقيمات) نفسها كما انتها تكون مرغوبة في شهر رمضان المبارك.6- الغريبة: تصنع من العجين المضاف اليه السكر والدهن (العداني) ثم تحمر على نار هادئة كي تصبح متماسكة القوام على شكل اقراص صغيرة، وهي تعتبر الفريق الثلاثي (للقيمات والزلابية) إلا انها تتفوق عليها لأكلها في كل الاوقات.7- الحلوى: قد تكون تفوقت بعض الاقطار الخليجية في صنع الحلوى مثل (الحلوى المستكية) و (الحلوى البحرينية) إلا ان (الحلوى الكويتية) ما زالت مرغوبة ومحببة لدى الكثيرين، وللحلوى طعم ونكهة خاصة عند تناول (القهوة المرة) لسبب ان الحلوى شديدة الحلاوة.8- الدرابيل: عبارة عن رقائق خفيفة جدا ملفوفة (مطوية) على بعضها البعض باحكام، وتناسق ويوضع بين الراقئق السكر الناعم، والهيل والدراسين المطحون، ويفضل اكل الدرابيل مع شاي بالحليب، لقد اطلق على (الدرابيل) هذه التسمية لأنها تشبه المنظار (الذي يعرف باللهجة الشعبية الكويتية باسم (الدرابيل).9- القرص العكيلي: غالبا ما كان يصنع في البيوت، ولكن كان يتوفر في سوق الحلوى و (القرص العكيلي) هو الكيك ولكن يختلف بعض الشيء حيث يدخل في صناعته فقط الطحين والسكر والبيض ويضاف اليه الهال (الهيل) المطحون وقليل م الزعفران والسمسم حسب الرغبة.10- بيض القطا: هي كروية شبيهة ببيض طائر القطا، ويوضع بداخلها خليط من الجوز والسكر والدارسين والهيل وغالبا ما تقدم في المناسبات.11- جبدة الفرس: هي ما تسمى لدى بعض الاقطار العربية وبالاخص في بلاد الشام (راحة الحلقوم) وتكون على شكل مكعبات صغيرة متعددة الالوان وطبيعتها مطاطية نظرا لخلطها بعلك اللبان (علج البان) ويدخل في صناعتها الطحين والسكر وماء الورد والنشاء.12- السمسمية: اما ان تكون دائرية او على شكل مستطيل وهي عبارة عن السكر المعقود المخلوط بالسمسم في كثافة عالية، وكان يحب الاطفال في الماضي اكل السمسمية كثيرا.13- القبيط: وهو عبارة عن مزيج من الطحين والسكر والنشاء وعلك البان (علج البان) ثم يصبح المزيج متماسكا غليظ القوام ومطاطا بالوقت نفسه ويضاف الى (القبيط) الطحين كي يعطيه نكهة خاصة.هذا ما اسعفني الذاكرة بتذكره بعض من الحلويات الشعبية الكويتية وبالطبع بمساعدة السيدة الوالدة حفظها الله.الخـبــاز وخبز التشريبلا تخلو موائد الافطار في البيوت الكويتية من "التشريب"، وهو عبارة عن خبز "الخمير" او "الرقاق"، و"الخمير" هو خبز التنور، أما "الرقاق" فهو خبز يوضع على حديدة ملساء دائرية محدبة تعرف بـ"التاوة"، و"التشريب" هو الاكلة المفضلة على موائد الافطار، فيقطع قطعا صغيرة ويسكب عليه "مرق اللحم" الذي يحتوي في الغالب على صنفين هما "القرع" و"البطاطس" وحبات من الليمون الجاف الذي يعرف بـ"لومي الاصحاري" الذي يجلب من عمان، ويفضل الصائم في شهر رمضان اكلة التشريب في الغالب من خبز "التنور"، وكان في الماضي يختلف كثيرا في الطعم والشكل عن الوقت الحاضر، ولدرجة لذة الخبز المخبوز جيدا "المحمش" وعليه السمسم، فكان شكله يغري بأكل خبزة واحدة في الطريق قبل الوصول الى البيت، وبالتأكيد كان ذلك ايام الطفولة المبكرة، "من حرارة البطن" كانت المخابز في الماضي يعمل فيها فئة من بلاد فارس، وتفننوا في صناعة خبز "الخمير"، فعندما يطلب احد منهم الخبز يقول لهم "آموه" خمس خبزات مثلا، وحتى هذه الساعة لا اعلم ماذا تعنيه كلمة "آموه" المهم كان لديهم انواع واشكال من الخبز، فالبعض يطلب "كليجه"، وهي خبزة صغيرة عليها السمسم، والبعض الآخر يطلب "دبل"، عبارة عن ضعف حجم الخبزة العادية، اما بالنسبة إلى خبز "الرقاق" فلم يكن يباع مثل الوقت الحاضر إنما تصنعه الامهات والجدات في البيوت في الماضي بواسطة اشعال نبات العرفج الجاف او الحطب، ويوضع فوقه صفيحة من المعدن محدبة ولونها اسود، كما اشرنا سلفا، تعرف بـ"التاوة"، وتوضع العجينة فوقها وما هي الا ثوان حتى تصبح الخبزة جاهزة للاكل.