هل أصبحت محادثات السلام مجرد برنامج ألعاب استعراضي؟

نشر في 24-11-2010 | 00:01
آخر تحديث 24-11-2010 | 00:01
 Karl Vick لقد تم تعليق محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لفترةٍ تساوي ضعف الفترة التي استغرقتها تقريباً، وقد طغت على هذه الاستراحة المطولة التحركات الاستعراضية لرئيس الوزراء الإسرائيلي والهادفة إلى التلاعب بالوضع. فأقدم نتنياهو بدايةً على استئناف بناء المستوطنات، ثم طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وتجرأ على تحدي سلطة الرئيس أوباما في بعض المناسبات، وبالتالي تعددت الخطوات المتلاحقة منذ فترة طويلة إلى حد أن البعض نسوا القصة الأساسية.

يقول يارون إزراهي، عالم سياسي في الجامعة العبرية، وهو يعرف تماماً ما كان يشاهده من أحداث: "الفرق شاسع بين عملية السلام الظاهرية التي يُبيّن خلالها السياسيون براعتهم ويقدمون ما هو مطلوب في مساعيهم، لكن الواقع ينم عن مأساة حقيقية".

أو قد يكون الوضع أشبه ببرنامج ألعاب. يوم الأحد، انتشر خبر مفاده أن نتنياهو حصل على وعد من الولايات المتحدة قد يجعل أوباما أشبه بالمذيع مونتي هول الذي يقدم برنامج "لِنعقد اتفاقاً" (Let's Make a Deal). بالتالي، "يمكنك مقايضة ما لديك الآن- أي الحق في بناء المستوطنات في الضفة الغربية خلال الأشهر الثلاثة المقبلة- مقابل الجائزة الموجودة خلف الباب رقم واحد: 20 طائرة مقاتلة من طراز (إف-35)، وهي صفقة بقيمة 3 مليارات دولار".

كتب الصحافي آلوف بين في الصفحة الأولى من صحيفة "هآرتس" عرضاً يتمثل بالحصول على طائرات "شبح" مقاتلة مقابل إنهاء الاستراتيجيات التي يعتمدها نتنياهو للمراوغة. بالنسبة إلى حكومة الائتلاف اليمينية التي يجب أن يقنعها نتنياهو بالموافقة على العرض، يبدو أن هذا الاتفاق سيعطي دافعاً مهماً على مستوى القضية التي تحتل الأولوية بالنسبة إلى إسرائيل: الأمن.

غير أن مفهوم الأمن بات يختلف اليوم، فقد وقعت آخر حرب خاضتها إسرائيل ضد جيش تقليدي منذ 28 عاماً، وكان الإرهاب أبرز مصدر خطر واجهه الإسرائيليون منذ ذلك الحين. بين عامي 2000 و2008، أي في السنوات التي شهدت الانتفاضة الثانية، قُتل ما يفوق 700 إسرائيلي، وسقط الضحايا في معظمهم نتيجة التفجيرات الانتحارية التي خرقت المدن الإسرائيلية انطلاقاً من الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها الميليشيات. من المألوف الاعتقاد بأن الإسرائيليين يدينون بتراجع الاعتداءات الإرهابية بشكلٍ ملفت للجدار الأمني، ولكن ذلك الحاجز ليس ما يبدو عليه، إذ يتجمع مئات الفلسطينيين يومياً أمام الحاجز بحثاً عن عمل في الجهة الإسرائيلية، وقد يكون بينهم أحد الانتحاريين.

أما أعظم إنجاز أمني، فكان إقناع المعتدلين الفلسطينيين بالانضمام إلى الاستخبارات الإسرائيلية والجيش لرصد الخلايا الإرهابية. منذ عام 2007، فككت السلطة الفلسطينية بعض الميليشيات وراهنت بشدة على القوى الأمنية التي كانت ذكية بما يكفي لاتخاذ الزي المناسب وباتت محترفة في عملها بعد أن تدربت على يد الولايات المتحدة، بتشجيعٍ من اسرائيل وبطلبٍ من رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية سلام فياض.

ساهمت هذه الجهود الفلسطينية، إلى جانب المداهمات العسكرية الإسرائيلية الليلية على المنازل، في قمع الاعتداءات الإرهابية المنبثقة من الضفة الغربية ضد إسرائيل، طوال سنتين تقريباً، وذلك عن طريق سجن مئات الموالين لحركة "حماس" من دون محاكمتهم. في هذا الإطار، قال أحد كبار المسؤولين في الاستخبارات الاسرائيلية بكل فخر: "اليوم، وبعد ثلاث سنوات ونصف على إطلاق حملتنا، خرج حوالي 500 مقاتل من خانة الإرهاب".

لكن يحذر ذلك المسؤول من أن هذه الجهود تبقى هشة: "بهدف الحفاظ على شرعية قوى الأمن الفلسطينية، نحتاج إلى إحراز تقدم حقيقي في عملية السلام. كل شيء يتوقف على التقدم الذي سنحرزه أو قد لا نحرزه في عملية السلام".

وأوضح المسؤول نفسه خلال جلسة مطولة مع المراسلين الأجانب أن جميع الخطوات تأخذ بالاعتبار مجموعة التهديدات التي تواجهها إسرائيل والتي ستتبلور، في نهاية المطاف، بحسب موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. لقد قام عباس، المعروف باسم أبو مازن، والذي يُعتبر خلف الراحل ياسر عرفات المفضل بالنسبة إلى الولايات المتحدة، برفض الإرهاب مفضلاً التفاوض لإنهاء الصراع مع إسرائيل.

يُفترض أن تنتهي المفاوضات بإقامة دولة فلسطينية، وبالتالي الانسحاب اللاحق للقوات والمستوطنات الإسرائيلية من معظم المنطقة التي تشكل اليوم الضفة الغربية. ستؤدي نتيجة مماثلة- أي إنهاء احتلال قائم منذ عام 1967- إلى إضعاف الدعم المتواصل لحركة "حماس" التي تسيطر على مليون ونصف شخص فلسطيني يعيشون في قطاع غزة، وتحافظ على نفوذها في الضفة الغربية أيضاً. بحسب قول ذلك المسؤول الإسرائيلي، لقد دفعت تلك التطورات بـ"حماس" إلى محاولة استعمال الإرهاب لمصلحتها- عبر إطلاق النار على مستوطنين يهود في الضفة الغربية عشية المحادثات- على أمل إعاقة مسار عملية السلام التي من شأنها تعزيز موقع خصمها. وتعليقاً على "حماس"، أضاف المسؤول الاسرائيلي: "كان عناصر (حماس) يخططون لشن موجة من الاعتداءات العنيفة في إسرائيل. لقد أرادوا الاستفادة من تلك الاعتداءات لتخريب عملية السلام".

طوال 90 دقيقة، لم يأتِ المسؤول الاستخباراتي على ذكر القضايا السياسية الأخرى التي تمحورت حولها الأحداث منذ 26 سبتمبر، وهو التاريخ الذي أوقف فيه عباس المفاوضات لأن إسرائيل استأنفت بناء المستوطنات. وبما أن المسؤول كان مكلفاً بعرض تقييمه للتهديدات المطروحة أمام المسؤولين المنتخبين، بدءاً من نتنياهو، فقد كان واقعياً ومباشراً في عرض الحقائق.

سرعان ما احتج المسؤول على سؤال متعلق باحتمال التفاوض مع "حماس" التي فازت رغم كل شيء بالانتخابات في غزة عام 2006. عدا عن اعتماد الحركة المطلق على إيران، اعتبر المسؤول أن قادة "حماس" ملتزمون بتدمير إسرائيل، فضلاً عن توحيد مسلمي العالم تحت مظلة نظام خلافة متجدد– في إشارة إلى تحليل إسرائيلي شهير لميثاق "حماس" (التي تستخدم مصطلح "الخلافة الإسلامية" حصراً للإشارة إلى السلطنة العثمانية المندثرة). وأصر المسؤول على موقفه قائلاً: "لا أظن أن (حماس) قد تُقدم على تحول جذري في عقيدتها الإيديولوجية لأنها إذا غيرت شيئاً في عقيدتها، فستفقد هويتها كحركة (حماس)".

لم يبقَ إذن في الواجهة إلا عباس، ذلك الرجل الفخور الذي لا يحظى بدعم شعبي كبير ولم تُحدَّد حتى الآن هوية من سيخلفه. ويتواجه الطرفان في ظل جو من الشكوك المتبادلة العميقة. لقد انهارت اتفاقيات أسلو، التي عُقدت في عام 1993، بسبب موجة التفجيرات الانتحارية الفلسطينية وعمليات التوغل العسكرية الإسرائيلية غداة الخيبة التي رافقت محادثات "كامب ديفيد" في عام 2000. وحرص المسؤول الاستخباراتي طوال التسعين دقيقة على تكرار أن الطرفين يتحاوران مجدداً لأنهما لا يملكان أي خيار آخر. وتابع المسؤول قائلاً: "أظن أن كل فريق لا يصدق الفريق الآخر بما يكفي. ومن دون عامل الثقة، سيصعّب كثيراً تخطي التحديات المطروحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال محادثات السلام".

back to top