الحرب في أفغانستان محورها باكستان والهند... والمنطقة برمتها

نشر في 29-08-2010
آخر تحديث 29-08-2010 | 00:01
يبدي القادة الباكستانيون قلة استعداد لبذل جهود كثيرة لمحاربة المقاتلين «الطالبان» على الحدود الغربية مع أفغانستان، لأن الخطر الرئيسي والعدو القوي، في نظرهم، يتجسد في البلد الواقع على طول حدودهم الشرقية، الهند.
 سلايت ها هو مقال ديكستر فيلكينز من باكستان، الذي نُشر في صحيفة نيويورك تايمز في 23 أغسطس، يثير مجدداً السؤال الذي لطالما انتاب مؤيدي الحرب الأميركية على أفغانستان: كيف أقحمنا أنفسنا في مسألة أكثر تعقيداً من أن تدركها عقولنا؟

يفيد فيلكينز بأن الانتصار المحتفى به الذي حققه التعاون الأميركي الباكستاني في محاربة المجاهدين الإرهابيين، والمتمثل في الاعتقال المشترك لأحد كبار قادة "طالبان" في كراتشي في مطلع هذا العام، كان مجرد خدعة، فقد تبين أن الزعيم الطالباني المعتقل، عبدالغني برادار، كان يجري محادثات سلام سرية مع الرئيس الأفغاني حامد كرزاي. لذلك استعانت وكالات الأمن الباكستانية بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لمساعدتها في تعقب برادار، لأنها أرادت فحسب تعطيل أي مبادرة سلام لا تشرك باكستان فيها.

كذلك ألقت قوات الأمن، بحسب فيلكينز، القبض على 22 قائداً آخر من "طالبان" بعد أسابيع على اعتقال برادار، الأمر الذي أنهى بالنتيجة محادثات السلام. في هذا السياق، يقتبس فيلكينز عن أحد مسؤولي الأمن الباكستانيين قوله: "اعتقلنا برادار والآخرين، لأنهم كانوا يحاولون عقد صفقة من دوننا".

أخبر هذا المسؤول أيضاً فيلكينز أنهم حذروا قادة "طالبان" المعتقلين من عدم إجراء المزيد من المحادثات مع الحكومة الأفغانية من دون إذن باكستان. فضلاً عن ذلك، أكّد "دبلوماسي غربي سابق لديه خبرة طويلة في المنطقة" لفيلكينز أن وكالة الاستخبارات الباكستانية أرسلت تحذيراً إلى رعاياها في "طالبان"، قائلاً: "كانت الرسالة التي وجهتها وكالة الاستخبارات الباكستانية: (لا مغازلة)".

إليكم إذن ما هو عليه الوضع: قال كبار المسؤولين الأميركيين جميعهم، بدءاً من الرئيس باراك أوباما ورئيس هيئة الأركان المشتركة ونزولاً، إن الانتصار في هذه الحرب سيتطلب في النهاية عقد اتفاق مع أعضاء من "طالبان" "لديهم قابلية للمصالحة"، لكن حليفنا الرئيسي في هذه الحرب، الذي تعتبر مساعدته ضرورية حتماً للانتصار، يقوم باعتقال أي عضو في "طالبان" يحاول الخوض في مصالحة للمرة الأولى.

تساءل الجنرال ديفيد بتريوس حين كان قائداً للقوات الأميركية في العراق: "كيف نتخلص من هذا المأزق؟". لا بد من أنه يطرح السؤال عينه اليوم، إنما بقلق أعمق، بعد أن أصبح اليوم القائد في أفغانستان. كان العراق بمنزلة نزهة مقارنةً بأفغانستان، لا يقتصر الاختلاف بين البلدين على أن المتمردين العراقيين قابلون للدمج بسبب التهديد الناجم عن المجاهدين الأجانب (بينما أعضاء حركة طالبان الأفغانية من السكان المحليين)، أو أن الانقسامات الطائفية في العراق هي بشكل أساسي بين السُنّة والشيعة والأكراد (بينما الانقسامات في أفغانستان متعددة وقبلية)، أو أن العراق أمّة حديثة ومثقفة إلى حد ما (بينما يعيش معظم الأفغانيين في شبه تخلف).

فالفارق الجوهري الذي يقع في صميم المشكلة الباكستانية، يكمن في أن حرب العراق كانت تخص العراق بشكل أساسي، في حين أن الحرب الأفغانية ترتبط عموماً بباكستان، والهواجس الباكستانية تتمحور على الأغلب حول الهند.

كما هو معروف، يبدي القادة الباكستانيون قلة استعداد لبذل جهود كثيرة لمحاربة المقاتلين "الطالبان" على الحدود الغربية مع أفغانستان، لأن الخطر الرئيسي والعدو القوي، في نظرهم، يتجسد في البلد الواقع على طول حدودهم الشرقية، الهند.

تحدّث بارنت روبين، خبير في شؤون المنطقة وبروفيسور في جامعة نيويورك، عن هذه المسألة في مقال له نُشر في مجلّة Foreign Affairs منذ ثلاث سنوات: "لطالما تعاملت المؤسسة العسكرية الباكستانية مع الحروب المختلفة الجارية داخل أفغانستان وفي محيطها بما يصب في مصالحها الأمنية الوطنية والمؤسساتية الرئيسية، وأهمها مضاهاة الهند، بلد أكبر من حيث الكثافة السكانية والموارد، لا تقبل نخبه كلياً بشرعية وجود باكستان، أقله في نظر الباكستانيين".

في الوقت عينه، استثمرت الهند 1.2 مليار دولار أميركي في مشاريع إعادة إعمار مختلفة في أفغانستان، وأرسلت أربعة آلاف عامل للمساعدة في بنائها، فضلاً عن 500 جندي من القوات شبه العسكرية لحماية العمال. تعتبر الهند العلاقات الطيبة مع أفغانستان بوابةً للتجارة عبر آسيا الوسطى، بينما ترى باكستان في هذه الخطوات استراتيجية لإحاطة باكستان.

بمعنى آخر، ما يزيد الحرب في أفغانستان تعقيداً على نحو مخيف (كما لو أنها غير معقّدة بما يكفي أصلاً) أن باكستان والهند، أبرز قوتين وعدوتين في المنطقة مسلحتين كلتيهما نووياً، تعتبرانها حرباً بالوكالة ضد إحداهما الأخرى.

في هذا السياق، يطلق قادة الجيش الباكستاني مصطلح "العمق الاستراتيجي" على سياستهم تجاه أفغانستان. بالنسبة إليهم، يُعتبر الحفاظ على موطئ قدم راسخ في أفغانستان مصلحة أساسية من مصالح الأمن الوطني، وضرورياً لمنع الهند من تطويق بلدهم.

لهذا السبب، أعاق الجيش الباكستاني ووكالة الاستخبارات الباكستانية مساعي قادة "طالبان" من عقد اتفاق سلام منفصل مع كرزاي. لا يمانعان حتماً "السلام"، وإنما "الاتفاق المنفصل".

في المقابل، يحث الباكستانيون كرزاي على توقيع اتفاق مع الفصيل الطالباني بزعامة جلال الدين وسراج الدين حقاني، اللذين قادا غزوات عنيفة إلى جنوب أفغانستان من معقلهم عند الحدود في شمال وزيرستان. لكن المسؤولين الأميركيين لا يثقون بهما، لأن هذين الاثنين على علاقة وطيدة قديمة بـ"القاعدة"، ويُعتقد أنهما بديلتان عن الفصائل الجهادية التابعة لوكالة الاستخبارات الباكستانية. يقول عملاء هذه الأخيرة إنهم يستطيعون أداء دور "الوسيط" في أي اتفاق بين آل حقاني وكرزاي، لكنهم هم عملياً من فصيل آل حقاني.

مع ذلك، لم تُستبعد الفكرة كلياً. إن رأى الباكستانيون إمكان عقدهم اتفاقاً يرسّخ قبضتهم في أفغانستان، شرط أن يقطعوا جميع الصلات مع تنظيم القاعدة وتحويلها ضدّه، قد يقبلون مثل هذا الاتفاق في مرحلة ما.

بغض النظر عمّا يجري في هذه المحادثات أو المحادثات الأخرى، المهم أن أي اتفاق لا يمكن أن يتبلور من دون مشاركة باكستانية، فضلاً عن أنه يستحيل عقد أي اتفاق ثابت وسلمي من دون هدوء التوتر في العلاقات بين باكستان والهند.

تعي إدارة أوباما من جهتها كلياً الروابط بين الأطراف. لفت الرئيس أوباما، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، والمسؤولون الآخرون مرات عدة إلى ضرورة أن يكون الحل إقليمياً. يُذكَر أن بارنيت روبن، الذي كتب المقال في مجلة Foreign Affairs في عام 2007، من كبار مستشاري ريتشارد هولبروك، المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان. بالرغم من تزعزع العلاقة بين هذا الأخير وكرزاي على أفضل تقدير، فإنه على علاقة جيدة بالقادة الباكستانيين.

وهكذا يحاول المسؤولون الأميركيون إقناع القادة الباكستانيين والهنود بتهدئة التوتر في علاقتهما واكتشاف المصالح المشتركة بينهما. تصر باكستان مثلاً على رفض السماح للهند بنقل بضائعها إلى أفغانستان عبر الأراضي الباكستانية. بنتيجة الأمر، تبحث الهند عن طريق تجارية بديلة عبر مرفأ شاباهار جنوبي إيران. لذلك المنطق يقول إنه على الباكستانيين النظر إلى أي تحالف وشيك بين الهند وإيران كتهديد أخطر من العلاقات التجارية الموسعة بين الهند وأفغانستان، لكنهم، وفق المنطق الحالي، يتصرفون بطريقة تضر بمصالحهم.

إن معرفة الطبيعة الكاملة لأي مشكلة ليست كمعرفة كيفية حلها، أو امتلاك القدرة على ذلك، تماماً كما أن توظيف قادة موهوبين ووضع استراتيجية ذكية، على صعيد عسكري أكثر شدّةً، لن يضمنا بالضرورة الانتصار في الحرب. في كلتا الحالتين، ثمة الكثير من العوامل الخارجة عن سيطرة أي دخيل، وقد بتنا ندرك أكثر فأكثر في هذا الجزء من العالم مدى تدخلنا في شؤون الغير.

* فريد كابلان | Fred Kaplan

back to top