اكرمونا بسكوتكم

نشر في 06-01-2011
آخر تحديث 06-01-2011 | 00:01
 حسن مصطفى الموسوي غيوم ملبّدة وأجواء مسمومة... هرج ومرج ونفاق ودجل... تذهب أزمات لتحل محلها أزمات جديدة، والثابت في هذه الأزمات هو مدى التناقضات الفاضحة في المواقف والتصريحات. كل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك. كثيرون يتحدثون عن حماية الدستور والدستور آخر همّهم، بل هو قميص عثمانهم لتصفية حساباتهم القديمة مع رئيس الحكومة.

فتجد أحدهم يدعي حماية الدستور والوحدة الوطنية، وفي نفس الوقت يعزف على وتر الاستقطاب القبلي، ويستنجد بقبيلة ما للضغط على نائبين من نوابها حتى يؤيدوا عدم التعاون! ونجده يستنكر على مدير قناة فضائية استبعاد أحد المشاركين بأحد برامجها بسبب تعبيره عن رأي مخالف للقناة، وفي نفس الوقت يدعو الدواوين إلى طرد النواب الذين يخالفونه الرأي (مع ملاحظاتنا على القناة)! يتحدثون عن الإعلام الفاسد ويتناسون أنهم كانوا من المروجين والمطبلين وراكبي الموجة قبل ثلاث سنوات تقريبا لنفس الإعلام الذي يسمونه فاسداً اليوم!

مجدداً نقول إن ما جرى من ضرب لبعض النواب والمواطنين أمر غير مقبول، كما أن ما تبثه بعض الفضائيات من ترهات وإقحامها للمقام السامي في كل صغيرة وكبيرة أيضا غير مقبول وخطير. لكن ما هكذا تعالج الأمور، فردات الفعل المتهورة وغير المدروسة قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى تفاقم المشاكل لا حلها، والتاريخ مليء بالدروس والعبر لمن يريد أن يستفيد ونكتفي بالمثال التالي:

في 13 سبتمبر من سنة 93 خرجت جماهير المقاومة في لبنان في تظاهرة ضد اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الصهيوني، فقام الجيش اللبناني بفتح النار على الجماهير عن سبق إصرار وترصد بدليل استخدامه لبعض القناصة، مما أدى إلى استشهاد أكثر من عشرة متظاهرين من بينهم نساء إضافة إلى العديد من الجرحى ممن كانت إصاباتهم من الصدر فما فوق. حينها لم تكن ردة فعل قادة المقاومة لحظية وتحت تأثير الغضب مع أنه كان بإمكانهم فتح المواجهة على مصراعيها، لكنهم أدركوا أن الهدف من هذه المجزرة المفتعلة كان إيقاع الفتنة بين الدولة والمقاومة لترك العدو الصهيوني يسرح ويمرح كما يشاء في الجنوب. لذلك، عضت المقاومة على الجرح الغائر مع أن أرواحا قد أزهقت بالرصاص وليس فقط نوابا ومواطنين ضربوا «بالمطاعات».

طبعا أدرك أن هذا المثال بعيد عن واقعنا (كبعد العبدلي عن خط الوفرة) لأن الحكمة التي يتحلى بها بعض السياسيين هناك لا تقارن بالحكمة الغائبة هنا عن سياسيين أعمتهم نفسية الانتقام وتنفيذ القسم والتهور وجنون العظمة التي جعلتهم يتخذون قرار استجواب رئيس الحكومة من المطبخ بعد الحادثة مباشرة! نواب لا عمل لهم سوى حضور الندوات والمظاهرات عشقاً وهياماً بالمايكروفونات، فما إن شاهدوا الجماهير أمامهم حتى أطلقوا العنان لألسنتهم لتجود بما لذّ وطاب من الألفاظ غير اللائقة واللامسؤولة طمعا في التصفيق وقول «كفويا بوفلان».

ليت الأمور كلها تؤخذ بظواهرها، لكن الواقع يقول إن خلفيات هذا الاستجواب أكبر بكثير من موضوع الكرامة والحريات، وله عدة أوجه أهمها الصراع بين أجنحة الأسرة، وأكبر دليل على ذلك تبني أحد أفرادها، وبكل قوة عبر قناته الفضائية، لكتاب عدم التعاون والنواب المؤيدين له. كما أن الوقوف مع هكذا نهج للمساءلة السياسية وإنجاحه له تداعيات خطيرة على المستقبل وعلى استقرار الدولة برمتها. فليت الشعب يعي ما يحصل ويتحلى بالحكمة قبل فوات الأوان.

***

على بعض النواب والسياسيين (خصوصا الشباب منهم) ممن يكررون طرح (نقول لإخواننا الشيعة بأن الدائرة ستدور ولكننا سنقف معكم إن قلبت عليكم الحكومة) أن يكرمونا بسكوتهم. فقد صمتّم جميعا في فبراير 2008 ولم يتحلَّ أحد فيكم بالشجاعة للوقوف وقول الحق وحماية الحريات في وقت كانت السهام تأتي من كل حدب لأنكم خفتم أن تصيبكم تلك السهام.

back to top