ماذا لو توجّه الفلسطينيون نحو الأمم المتحدة؟

نشر في 26-12-2010 | 00:01
آخر تحديث 26-12-2010 | 00:01
في حين تأمل واشنطن في إحراز تقدم ملموس من خلال إجراء مفاوضات إسرائيلية فلسطينية موازية بشأن القضايا الجوهرية مع الطرفين، يبدو أن الفلسطينيين وحلفاءهم العرب لم يعودوا مستعدين لتقبل الوضع القائم وترك القضية بين أيدي الولايات المتحدة.
 Tony Karon وفقاً للتقارير الصحفية المنتشرة في البلاد، تشعر إسرائيل بالقلق من أن الولايات المتحدة لن تسرع إلى استخدام حق النقض لمعارضة قرار يُخطَّط له في مجلس الأمن لإدانة استمرار إسرائيل ببناء المستوطنات. بعد استياء الدول العربية من فشل الولايات المتحدة في الضغط على الإسرائيليين لوقف عمليات البناء في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي أعمال تعتبرها الأمم المتحدة غير شرعية، تقوم هذه الدول بإعداد مسودة قرار مماثل. قد تُطرح المسودة في غضون أيام، وفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية، ويُقال إن وزير الخارجية الإسرائيلي يحشد الدعم الدبلوماسي اللازم لصد هذه الخطوة. صحيح أن الولايات المتحدة معروفة تاريخياً بالتدخل لمصلحة إسرائيل في الأمم المتحدة، لكن قد تجد إدارة أوباما نفسها مجبرة على معارضة قرارٍ يدين السلوك الإسرائيلي عينه الذي اعتبرته واشنطن بنفسها غير شرعي. يُذكَر أن الإدارة الأميركية أمضت أشهراً عدة وهي تحاول سُدىً حث الإسرائيليين على وقف نشاطات الاستيطان.

أصر الفلسطينيون، إلى جانب إدارة أوباما، على ضرورة أن تتوقف إسرائيل عن بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، كشرط مسبق لانطلاق محادثات السلام. صحيح أن الولايات المتحدة توقفت عن محاولاتها هذه منذ أسبوعين، لكن يتابع الفلسطينيون الضغط في هذا الاتجاه. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد فرض تجميداً جزئياً لعمليات البناء، مدة 10 أشهر، في أواخر السنة الماضية، وبدأت المحادثات بين الطرفين أخيراً في شهر أغسطس. غير أن الفلسطينيين طالبوا بتجديد قرار تجميد البناء بعد شهرٍ على ذلك، مع انتهاء فترة تجميد الاستيطان الموقتة واستئناف عمليات البناء. لكن لم تسفر أكبر الجهود التي بذلتها إدارة أوباما لضمان إعادة تجميد الاستيطان بشكلٍ موقت عن أي نتائج.

في حين تأمل واشنطن في إحراز تقدم ملموس من خلال إجراء مفاوضات موازية بشأن القضايا الجوهرية مع الطرفين، يبدو أن الفلسطينيين وحلفاءهم العرب لم يعودوا مستعدين لتقبل الوضع القائم وترك القضية بين أيدي الولايات المتحدة. بالنسبة إليهم، لم يكن مطلب تجميد الاستيطان مجرد اختبار للنوايا الإسرائيلية- فقد اعتُبر رفض نتنياهو إيقاف عمليات البناء خارج حدود عام 1967 مؤشراً على عدم اعترافه بتلك الحدود كأساسٍ للدولة الفلسطينية المرتقبة- بل كان أيضاً اختباراً لمدى استعداد إدارة أوباما للضغط على إسرائيل كي تقبل بالإجماع الدولي حول شروط حل إقامة الدولتين. في هذا السياق، أعلنت لجنة جامعة الدول العربية التي يستشيرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأن مسار المفاوضات، يوم الأربعاء الماضي، عن عدم استئناف المحادثات إلى أن تصبح واشنطن مستعدة للالتزام علناً بحدود عام 1967 كشرط أساسي للتفاوض بشأن حل إقامة الدولتين.

من بين خيارات الأمم المتحدة التي يتم النقاش بها بين القادة العرب والفلسطينيين، تبرز مطالبة الأمم المتحدة بالاعتراف بالسيادة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. في الأسابيع الأخيرة، أبدت البرازيل والأرجنتين والنرويج استعدادها للاعتراف بأمر مماثل، ومن المتوقع أن تحذو بلدان إضافية حذوها. لكن حتى لو حظي هذا الاقتراح بدعمٍ جامع في الأمم المتحدة، وحتى لو اشتدت الضغوط الدبلوماسية في هذا المجال، فلن يتمكن المجتمع الدولي بأي شكل من إقامة دولة فلسطينية في ظل الاعتراضات الإسرائيلية.

ومع ذلك، ستؤدي خطوة مماثلة إلى عزل إسرائيل دولياً، الأمر الذي سيجعل أي مطالبة إسرائيلية بالحفاظ على مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية منوطة بموافقة الفلسطينيين. لهذا السبب، يتزايد قلق داعمي إسرائيل في واشنطن من احتمال أن يلجأ الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة. قام مجلس النواب الأميركي، يوم الأربعاء الماضي، بحث الرئيس باراك أوباما على رفض الاعتراف بأي دولة فلسطينية تُعلَن من جانب واحد، وعلى التصويت ضد "أي قرار يصدره مجلس الأمن لإقامة أو الاعتراف بدولة فلسطينية خارج إطار اتفاق يتفاوض بشأنه الطرفان"، لكن مع تضاؤل الأمل في حصول اتفاق مماثل في المستقبل القريب، يبدو أن الفلسطينيين وحلفاءهم قرروا تخطي عقدين من الاعتماد الحصري على الدبلوماسية الأميركية بهدف التوصل إلى نتيجة مقبولة.

فضلاً عن ذلك، سيؤدي اللجوء إلى مجلس الأمن لفرض قرار محدود النطاق يطالب بوقف عمليات الاستيطان- وهو ما ينوي الفلسطينيون وحلفاؤهم في الجامعة العربية فعله في البداية- إلى تصعيب الأمور على نتنياهو. فقد كرر أمين عام الأمم المتحدة بان كي- مون في الفترة الأخيرة أن جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية هي غير شرعية، وبالتالي يجب وقف عمليات البناء فوراً. في المقابل، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، في خطاب ألقته منذ عشرة أيام في واشنطن: "نحن لا نعترف بشرعية النشاطات الاستيطانية المستمرة". كما أن الحجة القائلة بضرورة ترك مسألة المستوطنات لحين عقد طاولة المفاوضات بين الطرفين لم تعد فاعلة، بما أن السبب الأساسي الذي دفع إلى اللجوء إلى مجلس الأمن هو وصول المفاوضات إلى طريق مسدود.

لكن حتى لو شعرت الولايات المتحدة بأنها تعجز عن نقض قرار مماثل، فهي قد تحاول تخفيف حدة هذه الضربة السياسية- واستغلال الوضع لتحذير إسرائيل من عواقب عنادها في مسألة الاستيطان- من خلال الحد من مخاطر الضغوطات، أو تحويل القرار الذي يُخطَّط له إلى خيار مبهم بدل إصدار تصريح واضح من مجلس الأمن. لا شك أن الرد على أي مناورة دبلوماسية سيكون بمنزلة اختبار لحجم الثقة التي يوليها الفلسطينيون والعرب للدبلوماسية الأميركية.

لكن بغض النظر عما ستؤول إليه مبادرة مجلس الأمن، تبقى الرسالة التي توجهها واضحة: لن يقف الفلسطينيون مكتوفي الأيدي، كما يأمل الإسرائيليون، في وجه فشل جهود السلام التي بذلتها إدارة أوباما، أو لن يكتفوا بالسعي إلى بناء الاقتصاد في الضفة الغربية وانتظار أيام أفضل. سواء في المنتديات الدولية مثل الأمم المتحدة أو على الجبهة المحلية التي تشهد توسعاً إسرائيلياً في الضفة الغربية والقدس الشرقية- ما أدى إلى نشوء أعمال احتجاجية محدودة وخالية من العنف- يسعى الفلسطينيون إلى فرض أشكال جديدة من الضغوط. تشير هذه التحركات، إلى جانب تشدد المواقف الإسرائيلية، إلى أن استياءً عارماً سيعم في الأرض المقدسة خلال فصل الشتاء الراهن.

back to top