الكرسي التيفال


نشر في 26-03-2011
آخر تحديث 26-03-2011 | 00:01
 بدرية البشر أثناء أحداث ثورة مصر الشعبية قابلت إحدى المحطات التلفزيونية شابا مصريا، وسألوه: ما مطالبكم، فقال: «نريد كرسيا من التيفال للحكام، عشان ماحدش يلصق فيه ومايعرفش يقوم منه». الكرسي التيفال هي النكتة التي تختزل واقع الحكم العربي، وكلما زادت قدرة شعب عربي على صناعة النكت فاعرف أن حالته تزداد سوءا، إذ إن النكتة أو السخرية تنشط عادة كلما زادت درجة القمع والكبت السياسي.

علي زين العابدين لصق بالكرسي حتى قتل ٢٠٠ شخص في ثورة تونس، وحسني مبارك لصق بالكرسي حتي قتل ٥٠٠ شخص، أما معمر القذافي فأعلن أنه سيظل لاصقا في الكرسي، ولو قتل جميع الليبيين وعددهم خمسة ملايين، حتى لو اضطر لأن يستقدم شعبا آخر يحكمه. المهم أن يبقى هو والكرسي صاحبين، أما علي عبدالله صالح فقد بشر اليمنيين بحرب أهلية مقابل هذا الكرسي.

علاقة العشق المرضية بين الحاكم والكرسي كشفت لنا خلال الثورات العربية أسرارا هائلة، اذ لم تعد المسألة حفظ الاستقرار، ولم تعد التفرغ للحرب مع إسرائيل، والاستقرار هو أول ما يضحي به الحاكم حين يثور عليه شعبه، أما إسرائيل فهي أول من يحزن على الرؤوساء الذين خرجوا من السلطة، بل يترحمون عليهم بالقول: الله يذكرهم بالخير. أما فزاعة الإسلاميين السياسيين والفصائل المتشددة منها، كالقاعدة، فقد اكتشف الشعب أن هؤلاء هم صنيعة النظام نفسه، تجدهم في أقفاص السلطة، يخرجون متى أرادت، وحين يثور الشعب لا تعرف أين تضعهم.

علي عبد الله صالح والقذافي أسميا حربيهما ضد شعبيهما حربا أهلية، وليس هذا سوى حالة من العمى السياسي والمكابرة التاريخية التي لن تؤدي إلا إلى دخول المنطقة في حرب، كل هذا بسبب غياب الكرسي التيفال الذي يمنع الالتصاق.

الأنظمة العربية للأسف تعتقد أنها قادرة على الهروب من الاستحقاقات التاريخية لشعوبها، والتخندق في خندق استخدام القوة والعنف وتشويه الحقائق أو تزويرها. والكارثة الكبرى استعمال الفتن وتهديد الوحدة الوطنية بالانقسامات المذهبية والطائفية والقبيلة والعشائرية، لكن هذه الطبخة الفاسدة التي لا تجيد الحكومات العربية سواها ستسمم الشعب، وتقتله أو تقتلها هي.

هذا هو الإنجاز الوحيد، - بل يصح أن نقول إنه الإخفاق- الذي ما صنعت الحكومات العربية غيره خلال نصف قرن وتظن أن من حقها على الشعب أن يقول لها «برافو»، لكن النتيجة التي سيرفعها الشعب ستكون مثل النتيجة التي رفعها ذلك اليمني في ثورة اليمن (علي عبد الله صالح ناجح ومنقول إلى جدة).

back to top