عبدالله بن الزبير... أول مولود في دار الهجرة
بعد أن هاجر المسلمون إلى المدينة أقاموا فترة لا يولد لهم مولود، فاعتقدوا أن اليهود قد سحروا لهم ليمنعوهم من الإنجاب، واستبد القلق بالمسلمين، لكن صرخة في بيت أبي بكر الصديق بددت هذا القلق وأسقطت هذه الدعاوى، فقد أنجبت ابنته أسماء أول مولود في المدينة لزوجها الزبير بن العوام في السنة الثانية من الهجرة، فكان مجيء عبدالله بن الزبير بشارة السماء، ففرح المسلمون بهذا الوليد واعتبروه ابناً لهم جميعاً، فارتجت المدينة بصيحات التكبير التي ملأت جنباتها فرحاً بكذب ادعاء اليهود، وحملته خالته السيدة عائشة إلى رسول (صلى الله عليه وسلم) الذي فرح به واستبشر، وسماه عبدالله ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فمه فكان أول شيء دخل جوف الوليد ريق رسول الله.نشأ ابن الزبير في بيت رسول الله وكان أقرب الناس إلى خالته السيدة عائشة -رضي الله عنها- حتى انها كانت تعرف بأم عبدالله، وقيل إنها لم تحب أحداً بعد زوجها (صلى الله عليه وسلم) وأبيها رضي الله عنه من هذا الفتى الذي عدته ابناً لها.
كان للتعاليم النبوية أثرها في ابن الزبير فتعلق بالرسول وخدمه بكل ما يملك من قوة وإخلاص، ولا أبلغ من قصة شربه لدم النبي وهو صغير دليل تعلقه وحبه للنبي الكريم وتعلقه به، فقد أتى عبدالله بن الزبير النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو يحتجم، فلما فرغ قال: "يا عبدالله، اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد"، فلما خرج ابن الزبير من عند رسول الله عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال النبي: "يا عبدالله، ما صنعت؟"، قال: "جعلته في أخفى مكان علمت أنه بخاف عن الناس، فقال الرسول: "لعلّك شربته ؟"، فقال: "نعم"، فقال الرسول: "ولم شربت الدم؟، ويل للناس منك، وويل لك من الناس، لا تمسك النار إلا قسم اليمين"، فكان الصحابة يرون قوة ابن الزبير التي اشتهر بها بعد ذلك من الدم النبوي الذي شربه. منهج الشجاعة والرجولة الذي تعلمه ابن الزبير من النبي جعله وهو الصبي صغير السن يقف أمام عمر بن الخطاب رابط الجأش، فقد مر عمر بن الخطاب بأطفال يلعبون وكان منهم ابن الزبير، فأسرع الصبية يلوذون بالفرار هيبة من عمر، ووقف ابن الزبير فلم يهرب مع من هرب ولزم مكانه غير هياب للموقف، فتعجب منه عمر واقترب منه وسأله: مالك لم تفر معهم؟ فقال عبدالله لم أجرم فأخافك، ولم يكن الطريق ضيقاً فأوسع لك.هذه القوة جعلته بعد أن بلغ واشتد عوده يشارك في الفتوحات الإسلامية ويبلي فيها البلاء الحسن، فشهد وهو في الرابعة عشرة من عمره معركة اليرموك الشهيرة سنة 15هـ/636م، كما شارك في فتوحات مصر وفتوح إفريقية.وعندما رأى ظلم بني أمية للناس دعا لنفسه بالخلافة بعد اضطراب أحوال بني أمية، إلا أن أنصاره تخلوا عنه تحت إغراء بريق الذهب، فعاذ بالبيت الحرام فحاصرته قوات بني أمية حتى قتل فمثلوا بجسده في سنة 73هـ.وعندما سئل ابن عباس عنه قال: "كان قارئاً لكتاب الله، متبعاً سنة رسوله، قانتاً لله، صائماً في الهواجر من مخافة الله، ابن حواريّ رسول الله، وأمه أسماء بنت الصديق، وخالته عائشة زوجة رسول الله، فلا يجهل حقه إلا من أعماه الله".