بائع الموت فيكتور بوت... الثاني بعد بن لادن!
لُقّب فيكتور بوت {بسيد الحرب} و{بائع الموت} لأنه أقحم يديه في صراعات دموية كثيرة على مر السنين. يقبع تاجر الأسلحة هذا في أحد سجون تايلاند منذ عام 2008. ومن المرجح أن يُرحَّل قريباً إلى الولايات المتحدة. فهل يكشف عن أسماء داعميه؟إذا أردت الاجتماع بتاجر أسلحة في موسكو، فستتوقع اللقاء به في حانة مظلمة في الضواحي أو في منتزه كثيف الأشجار أو ربما في موقف سيارات تحت الأرض. أما مطعم ستارليت في ساحة ماياكوفسكي، فخيار مستبعد. يعج مطعم المأكولات السريعة هذا بالشبان الروس والسياح الأجانب. كذلك، يضيء نور ساطع أرجاءه وتغطي صور إلفيس جدرانه وتعبق فيه رائحة الهامبرغر.
على رغم ذلك، اختار سيرغي بوت وريتشارد شيشكلي، المشتبه بتورّطهما في صفقات أسلحة، مقابلتنا في هذا المطعم الشعبي. لا يعود ذلك إلى تردّدهما {برفقته} على هذا المكان، كما يقولان بصوت خافت، بل لأن الموقع الذي انتقياه على الشرفة المشددة الحراسة المطلة على المدخل يمنحهما تفوقاً استراتيجياً. علاوة على ذلك، يقصد مطعم ستارليت بكراسيه البلاستيكية الحمراء كثير من الناس. فلا يبدو أحد في هذا المكان مثيراً للريبة سواء كان شاباً أو مسناً، يرتدي الجينز أو بذلة رسمية. ومع أن من السهل رؤية هذا المطعم، لكن مراقبته صعبة. حتى أن كاتب روايات التجسس، جون لو كاريه، كان سيعتبره على الأرجح نقطة مناسبة لمناقشة صفقات بيع الصواريخ وبنادق الكلاشنكوف. سيرغي بوت (49 سنة) مواطن روسي حساباته في المصارف الأجنبية مجمّدة، وهو يواجه خطر الاعتقال في حال سافر إلى الغرب. أما ريتشارد شيشكلي (51 سنة)، فمواطن أميركي سوري المولد هرب من تكساس ويعيش راهناً في موسكو مع زوجته الروسية. وعلى غرار بوت، جُمدت حساباته المصرفية. كذلك، أدرج اسمه على لائحة الأمم المتحدة لمنتهكي حظر تصدير الأسلحة.الثاني بعد بن لادن يُعتقد أن هذين الرجلين كانا على علاقة وطيدة بالرجل الذي يشيران إليه من دون ذكر اسمه. يُعرف هذا الرجل بـ{بائع الموت}. إنه فيكتور بوت (43 سنة) الذي جنى، حسبما يُفترض، مئات الملايين من تجارة الأسلحة الدولية غير المشروعة. وإذا صدقت هذه الافتراضات، تكون شبكة شركاته قد نقلت شحنات أسلحة إلى كل الصراعات المسلّحة في العقود الأخيرة. يعتقد بعض الخبراء الغربيين أن إرهاب بوت يفوق ما ارتكبه بن لادن وأن يديه مضرجتان بدماء عدد أكبر من القتلى. فلا عجب، إذاً، أن يُدرج اسمه بعد زعيم تنظيم القاعدة على لائحة وكالة الاستخبارات الأميركية للمجرمين الأكثر خطورة في الولايات المتحدة.يشبه سيرغي، أخو فيكتور بوت، الممثل والمخرج الإيطالي باد سبنسر، فهو ممتلئ الجسم كثير الكلام يرتدي ملابس عادية. أما ريتشارد، شريك فيكتور بوت وصديقه منذ سنوات، فأقرب إلى جورج كلوني بجسمه الرياضي ومظهره المميز وكلامه المتقن. يقبع {سيد الحرب} نفسه في أحد سجون بانكوك منذ عام 2008. وبعد صراع قانوني طويل، يبدو اليوم أن تايلاند سترحّله قريباً إلى الولايات المتحدة.ستقدّم محاكمته لمحة فريدة من نوعها على عالم فيكتور بوت الغامض. ولا شك في أن هذا الاحتمال يقلق سياسيين وجنرالات كثراً في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. لكنهم ليسوا وحيدين في خوفهم هذا. فتشمل علاقات بوت السرية مسؤولين رفيعي الشأن في حكومتَي موسكو وواشنطن. وإذا تكلّم بوت، ستؤدي اعترافاته هذه إلى شقاق كبير بين هذين البلدين، أو ما دعته مجلة Time {عصراً جليدياً جديداً}.لا يُلحق الأذى بقطّةيعتقد شيشكلي أن صديقه (وهذه حاله هو أيضاً) ضحية مؤامرة حاكتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. يخبر: {عقدنا صفقات قبل 15 سنة. وكانت هذه عمليات شحن شرعية}. صحيح أن شيشكلي يدّعي أن علاقة العمل التي جمعته ببوت انقطعت عام 2004، إلا أن تقريراً صادراً عن الأمم المتحدة ينفي هذا الادعاء، ويشير إلى أن شيشكلي قدّم الدعم المالي لصفقات السلاح التي قام بها بوت. وضعت السلطات الأميركية يدها على منزل شيشكلي في تكساس، الذي تبلغ قيمته 1.5 مليون دولار، فضلاً عن سيارتيه الرياضيتين من نوع مرسيدس. فشكّلت هذه التدابير صفعة قوية لا تزال تؤلمه حتى اليوم. يخبر شيشكلي: {لم أرتكب أي ذنب. ومن المستحيل أن يهرّب صديقي فيكتور هذا الكم الهائل من الأسلحة. فهو لا يلحق الأذى بقطة}.يصف سيرغي بوت، ميكانيكي طائرات، أخاه بالرجل الإنساني الذي يحب عائلته، النباتي الذي يعمل لإنقاذ الغابات المطيرة، ورجل الأعمال الذكي. فشراء فيكتور الطائرات أو تأجيرها في الوقت المناسب، طائرات وزّعها لاحقاً في مختلف أنحاء العالم، لا يُعتبران عملاً قانونياً فحسب، بل ينمان أيضاً عن فهم تجاري ذكي، على حدّ قول شقيقه.لكن ما نوع الحمولة التي نقلها فيكتور بوت؟ {مختلف السلع، من فلاتر الماء ودجاج مجلد إلى ثلاجات وأجهزة ستريو}.وعندما سئل سيرغي عمَّا إذا كان أخوه قد نقل السلاح، تنهّد وأجاب: {لا أحد يدقق في الحمولة، خصوصاً في أفريقيا، ما دامت أوراق الشحن سليمة. فلا يمكن تحميل المالك والطيار مسؤولية ما يُشحن في الطائرة. فلمَ لا تقاضي السلطات سائق سيارة الأجرة لأن أحد ركابه يحمل ممنوعات في حقيبته، أو ساعي البريد لأنه يحمل عن غير علم طروداً مليئة بأشياء بغيضة؟}.حمولة مميتةيؤكد المحققون أن فيكتور نقل كثيراً من {الممنوعات} و{الأشياء البغيضة} في طائراته. لا شك في أنه شحن الأزهار والطعام والأجهزة الإلكترونية بعشرات طائرات الأنتونوف والإليوشين والياكوفليف التي امتلكها. كذلك، نقل المساعدات إلى المناطق المنكوبة وجنود حفظ السلام التابعين للأمم المتحدة إلى مناطق الأزمات. على رغم ذلك، جنى بوت أرباحاً وفيرة من شحنات مميتة.فضلاً عن شقيق بوت وشريكه، قابلت {شبيغل} شهوداً كثراً، منهم زوجته، محاميه في تايلاند، صحافيين رافقوه خلال فوضى الحروب الأفريقية، وأحد ملاحقيه المحترفين في مجلس الأمن القومي الأميركي، فضلاً عن متعقب متفائل بدأ باقتفاء أثره انطلاقاً من دير بلجيكي سابق. كذلك، زودنا خبراء عسكريون وبعض أعضاء المجتمع الاستخباراتي بمعلومات قيّمة.دارت أحداث أسطورة بائع الموت، قصة أموال مغمّسة بالدم وشحنات الكولتان والذهب، في عدد من مدن العالم الكبرى، مثل موسكو وواشنطن وبانكوك وبروكسل. لكن بعض المواقع الصغيرة في مناطق الحرب أدى أيضاً دوراً بارزاً: مخازن الأسلحة التي تفتقر إلى الحراسة الملائمة في الاتحاد السوفياتي السابق، مدرج في الأدغال في شمال شرق الكونغو، قاعدة بلد الجوية الأميركية في العراق، قندهار (معقل الإرهابيين في أفغانستان)، وفيلا محاطة بحراس في مونروفيا، عاصمة ليبيريا التي تمزّقها الحرب.استغلال العولمةتدور قصة فيكتور بوت حول رجل أعمال فاسد نجح في استغلال العولمة وباع، على ما يبدو، السلاح إلى الجيوش كافة حول العالم، من الأميركيين إلى مقاتلي طالبان وأعدائهم في تحالف الشمال ومن الميليشيات الماركسية في كولومبيا إلى الأولاد الجنود في سيراليون. لكن ثمة تهمة واحدة لا يمكننا توجيهها إلى بوت: ممارسة التمييز ضد أحد بسبب لون بشرته أو ميوله السياسية. فكل مَن استطاع دفع المال، قدّم له بوت سراً كل سلاح مميت تحت الشمس.فضلاً عن ذلك، تُسلّط قضية بوت الضوء على سنوات أمضاها الناس في إقفال أعينهم وتجاهل الحقيقة وعلى تحالفات غريبة. ففي محاولة لمنع ترحيل هذا الروسي، تحدث وزير الخارجية الروسي عنه علانية، مقدِماً على خطوة غير متوقعة حين ذكر أنه بريء. والتزم المسؤولون في واشنطن الصمت. وفي ظل ظروف مماثلة، هل ينجح المدعون العامون في إثبات أن تاجر الأسلحة هذا ارتكب حقاً جرائم؟ هل يدفع بوت ثمن انتهاكاته المخيفة؟ وهل تُكشف هويات المتورّطين في هذه الصفقات مهما علا شأنهم السياسي؟أثار فيلم Lord of War (سيّد الحرب)، الذي يؤدي فيه نيكولاس كيدج دور تاجر أسلحة يشبه إلى حد كبير بوت، بلبلة عالمية حين عُرض في دور السينما عام 2005. في هذا الفيلم، يقول يوري أورلوف، الذي يجسد كيدج شخصيته: {في العالم أكثر من 550 مليون قطعة سلاح. تتوافر قطعة سلاح لكل 12 شخصاً على الكوكب. لكن المسألة الأهم تبقى: كيف نُسلّح الأحد عشر الباقين؟}. عندما سئل فيكتور بوت عن هذه العبارات، أجاب: {يا لها من سخرية! لكنني أحزن على كيدج، لأنه يستحق نصاً أفضل}.ماض غامضمَن هو فيكتور أناتوليفيتش بوت هذا؟وُلد بوت في 13 يناير عام 1967 في دوشانبي، عاصمة جمهورية طاجيكستان السوفياتية الاشتراكية آنذاك. بيد أن بوت يشكّك في هذا الواقع البسيط، مدعياً أنه وُلد في مكان ما من تركمانستان. وقد حيّرت هذه المسألة حتى أخاه سيرغي.ترعرع هذان الصبيان في بيئة آمنة. كان والده ميكانيكي سيارات، فيما عملت أمه أمينة مكتبة. وكانا روسيين ملحدين يعيشان في مجتمع غالبيته مسلمة على طرف الاتحاد السوفياتي الجنوبي.اعتُبر فيكتور المغامر والأكثر إبداعاً وذكاء بين الأخوين بوت. فراح ينقل أغاني البوب الممنوعة ليكسب بعض المال، وبدأ يتعلم الإسبرانتو، معتقداً أنه سيحتاج إلى هذه اللغة في مرحلة لاحقة من حياته. كذلك، انضم إلى اتحاد الشبيبة الشيوعية (كومسومول)، لأنه ظنّ أن فرص العمل الوحيدة المتوافرة لن تأتي إلا من خلال الحزب الشيوعي. وبعد أن أنهى برنامج تدريب خاصاً مع جهاز استخبارات الجيش السوفياتي، أمرٌ ما زال يُنكره حتى اليوم، التحق بالمعهد العسكري للغات الأجنبية في موسكو.استحوذت اللغة البرتغالية على اهتمامه. وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أرسله الجيش إلى موزمبيق وأنغولا للعمل مترجماً عسكرياً. وكانت الحروب لا تزال مستعرة بين الشرق والغرب. فدعمت موسكو الحركات الأفريقية المناهضة للاستعمار.لغوي ماهرلم يفقد بوت أعصابه يوماً، وحافظ دوماً على صفاء ذهنه وبصيرته. فأغوى زوجة دبلوماسي روسي تُدعى إيلا وتزوجها. بدت مواهبه كثيرة ومهاراته اللغوية ممتازة. خلال الفترة التي أمضاها في أفريقيا، التقى، على ما يبدو، بإيغور سيتشين، مترجم فوري نجح لاحقاً في بناء سيرة سياسية لامعة. ويعتقد البعض أن سيتشين، الذي يشغل اليوم منصب نائب رئيس الوزراء الروسي ويُعتبر حليفاً مقرباً من رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، ساعد بوت وحماه. لكنهما اليوم ينكران أن تكون قد جمعت بينهما أي علاقة. بعدما عاد بوت إلى موسكو، سُرّح من الجيش عام 1991 برتبة مقدّم. بعيد ذلك، انهار الاتحاد السوفياتي، فتفكك عالم كثيرين ممن خدموا في الجيش. أما بوت، الذي كان آنذاك في منتصف عشرينياته، فاعتبر الفوضى الناشئة فرصة ممتازة. فكانت الطائرات، التي لم توضع بعد في الخدمة، جاسمة بلا حراك على مدارج مطارات هذه القوة العظمى الواهنة. كذلك، تكدّست الأسلحة غير المباعة عالياً في مصانع الأسلحة في البلد. فاشترى رجل الأعمال الذكي هذا (بمساعدة جهاز الاستخبارات العسكري، حسبما يدعي البعض) ثلاث طائرات شحن قديمة من نوع أنتونوف مقابل ثمن بخس جداً، 40 ألف دولار لكل طائرة. وما ساعده أيضاً وفرة الطيارين، الذين خسر كثر منهم عملهم خلال تلك الأشهر المضطربة.ربما كان بوت ذكياً كفاية ليسجّل أسطوله، الذي كبر بسرعة حتى صار يضم 48 طائرة، في بلدان تفتقر إلى الشفافية، وليخفي بحنكة هوية عملائه. أو لعله تلقى المساعدة من موسكو. في مطلق الأحوال، سجّل طائراته في دول مثل غويانا الاستوائية وجمهورية أفريقيا الوسطى، مستفيداً بالتالي من عدم التزامها بالتنظيمات والقوانين.طيارون متهوّرونعام 1993، نقل بوت وأخوه سيرغي الأسطول إلى الشارقة في الإمارات العربية المتحدة. وهناك التقيا بشيشكلي، الذي كان يعمل أيضاً في مجال الطيران. فقال لهما: {أعطِياني بضع قطع من الفولاذ، فأبني لكما شركة طيران}. وعلى غرار الأخوين بوت، لم يأبه شيشكلي بما كانت تقلّه هذه الطائرات، ما دامت لا تحلّق فارغة وأصحاب الشحنات يدفعون في الوقت المحدد.كانت الطائرات تتوقف أحياناً في المدينة البلغارية بورغاس، وهي في طريقها إلى أفريقيا. كذلك، اتبعت هذه الطائرات خطوطاً جوية غامضة. وكان الطيارون متهوّرين ومستعدّين لقيادة طائرات قديمة وإنما متينة تستطيع أن تحط أينما كان. احتاجت النخبة الأفريقية إلى شتى السلع، إلا أن الأسلحة شكّلت دوماً جزءاً منها. ففي نيجيريا وأنغولا، حاربت جبهات التحرير المزعومة ما دُعي بالجيش النظامي، فيما أدّى السياسيون النافذون في الشرق والغرب دور المتفرّج المهتم، وأحياناً اللاعب المخفي. فأراد الجميع وضع يدهم على الموارد المعدنية الضخمة والقيّمة في تلك المنطقة.علِم الصحافيان الأميركيان دوغلاس فاراه وستيفن براون أن بائع الموت الروسي هذا وأسطوله الجوي أديا دوراً معيباً في ليبيريا. فقد زوّد بوت، حسبما يُقال، سيد الحرب الدموي تشارلز تايلور بكميات ضخمة من الأسلحة بعد تسلّمه الحكم. فحمل الأولاد الجنود التابعون لتايلور، الذين أدمنوا المخدرات، هذه الأسلحة، وقضوا على كل ما وقعت عليه أعينهم.{السيد فيك} المحترميخبر كلّ من فاراه وبراون أن بوت اشترى منزلاً بالقرب من مقر تايلور الرئاسي في العاصمة الليبيرية مونروفيا. وكثر تردّده على هذا المقر، حتى أن خدم تايلور اعتادوا مناداته باحترام {السيد فيك}. أرسل هذا الديكتاتور وحداته الثورية لتُغِير على دولة سيراليون المجاورة الغنية بالموارد. ويُقال إنه سدد ديونه لبوت بالألماس المضرج بالدم الذي نهبه جنوده. ويبدو أن بوت اصطحب إلى اجتماعاته مع تايلور خبير أحجار كريمة ليتحقّق منه.لا بد من أن بوت عرف أنه ينتهك الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على بيع الأسلحة إلى ليبيريا وأنغولا، لأنه حرص على أن يغطّي طياروه بالطلاء إشارات خطوط الطيران على بدن الطائرة، كي لا يتمكن أحد من تحديد هويتها.بلغت إمبراطورية بوت أوجها مع بداية الألفية الجديدة، عندما سمح للمراسل البلجيكي، ديك درولان، بمرافقته إلى غياهب الكونغو. قصد بوت هذا البلد لعقد الصفقات مع جان بيار بيمبا، زعيم الثوار المخيف (الذي أصبح لاحقاً نائب الرئيس). فزوّد بيمبا بمروحيات قتالية. لكن هذا لم يرضِ الثوار الذين اشتكوا من أن الحمولة ناقصة. فأين الكحول؟ وعندما شعر بوت أن الأوضاع قد تخرج عن سيطرته، أرسل أحد طياريه ليلاً عبر الحدود مع الأعداء. وبعد بضع ساعات، عاد الطيار وهو يقطر عرقاً وفي حوزته عدد من صناديق البيرة.يخبر درولان: {هذا تصرّف طبيعي من شخص مثل بوت، فهو ذكي ومرح ويتقن فن إرضاء العملاء}. ويؤكد هذا المراسل البلجيكي أنه لم يرَ أي وجه آخر لشخصية بوت خلال رحلاته معه. فلم يشرب هذا الروسي مطلقاً، ولم يخُن زوجته أو يغضب. إنه رجل الأعمال المثالي! ويشبّه درولان حراس بوت الشخصيين الثلاثة بـ{شخصيات من فيلم رامبو، إذ لم تفارقهم السكاكين الضخمة لحظة}.شركاء بغيضونلم يرَ هذا البلجيكي بوت متأثراً ومنفعلاً إلا مرة. عمل الأخير على تطوير خطة للنهوض بأفريقيا. فأراد، على حد قوله، جذب المستثمرين وحماية الغابات المطيرة من عمليات القطع والفيلة من الصيادين غير الشرعيين. وادعى فيكتور بوت أنه مصمم على مساعدة أفريقيا، وأنه أحضر مستثمرين محتملين من دبي إلى أفريقيا الوسطى، إلى تلك الغابات الكثيفة حيث يحلم بأن يعيش مع زوجته وابنته. لكن درولان لم يصدّقه، نظراً إلى شركائه التجاريين. فيقبع تايلور وبيمبا، اللذان اعتُبرا آنذاك مجرمي حرب خطيرين، في السجن، وتقاضيهما المحكمة الدولية لارتكابهما جرائم حرب. شكّل عام 2001 نقطة تحوّل في مسيرة بوت المهنية. فقد قرر رجلان يعمل كل منهما على حدة ملاحقته. فظهرت إحدى طائراته، التي كان من المقرر استعمالها في مهمة إنسانية تابعة للأمم المتحدة، في شريط مصوّر وكانت تفرغ الأسلحة.اكتسب أحد متعقّبي بوت، جوهان بيليمان، خبرة فردية في عالم تجارة الأسلحة. ففي منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان بيليمان، خبير في أدب العصور الوسطى، يعمل مع منظمة سلام خيرية مقرّها في أحد أديرة الفرنسيسكان في أنتويرب. وهناك وقع بيليمان على معلومات مثيرة للاهتمام بشأن بوت وطائراته، التي بدت دائمة الحضور في مناطق القتال. يخبر: {صُعقت حين تبين لي أن السياسة والمبادئ والاعتبارات الأخلاقية لم تؤثر البتة في عمليات بوت. فقد باع الأسلحة إلى الثوار الكونغوليين ومن ثم إلى رئيس زائير، موبوتو، الذي فرّ من بلده ليعيش في المنفى}.راح بيليمان يرسل إلى خبراء الأمم المتحدة تقارير مفصّلة عن حركة طائرات بوت وأوراقه المشكوك فيها، فأقنعهم إصراره. وفي عام 1999، وظّفت الأمم المتحدة بيليمان كباحث. وبحكم وظيفته الجديدة، صار بإمكانه الاطلاع على الحسابات المصرفية وصور الأقمار الاصطناعية. وارتبط اسم هذا الروسي للمرة الأولى بتجارة الأسلحة غير المشروعة في تقرير حول أنغولا قدّمه بيليمان إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.ذكاء حادما من قاسم مشترك بين لي ولوسكي وبيليمان، غير بوت. فولوسكي محام أميركي طموحاته سياسية ويتبوأ منصباً حكومياً. يعمل بيليمان، الذي يكثر من التدخين، على قضيّته هذه بشغف وغضب متأجّج. أما ولوسكي، فيحافظ على رجاحة عقله ويؤدي عمله بذكاء حاد يميز هذا الخبير في الشؤون الروسية الذي حصّل علومه في جامعة هارفارد. شغل ولوسكي في البيت الأبيض منصب مدير قسم المخاطر الدولية في مجلس الأمن القومي.عام 2000، انتهى المطاف بملف بوت إلى مكتب ولوسكي. ومع أنه كان مجرد خليط من المعلومات التي شغلت بضع صفحات فقط، أثار اهتمامه. يقول ولوسكي: {مثّل بوت إحدى ظواهر مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ولكن لم يتوافر لنا أي إطار لإيقافها. فما كان أحد يتجرأ على فعل ما قام به. ولم يجابَه بأي ردّ. لذلك، كان علينا بناء الردّ المناسب}.خلال إجرائه الأبحاث لإدارة الرئيس بيل كلينتون آنذاك، صبّ ولوسكي اهتمامه على أفريقيا وعلى أفغانستان خصوصاً. فقد مدّ بوت حركة طالبان بالسلاح. هكذا، بدأ السير على شفير هاوية سحيقة في تلك البقعة من العالم، على حد تعبير ولوسكي، الذي يؤكد أن تأثير بوت كان واضحاً في كل مكان.لكن بحلول منتصف عام 2001، ما عاد بإمكان بوت السفر حيثما يشاء. فقد خضع كثير من شركاته وطائراته للمراقبة، ما أدى، على ما يبدو، إلى الحد من نطاق عمله. أمل ولوسكي في الاستحصال على مذكرة دولية لاعتقاله، إلا أن داعميه الوحيدين كانوا البلجيكيين، الذين قصروا اتهاماتهم على تبييض الأموال. لكن بوت هرب إلى روسيا، التي رفضت ترحيله بناء على هذه التهم.إمدادات للقوات الأميركيّة في العراقتبدّلت الأولويات عقب الاعتداءات الإرهابية على مركز التجارة العالمي في نيويورك. فقد اختلف ولوسكي الديمقراطي مع إدارة الرئيس جورج بوش الجمهورية الجديدة، فحُلّت وحدته الخاصة. وفي مقال كتبه في صحيفة {لوس أنجليس} تايمز في شهر يوليو (تموز) عام 2002، انتقد ولوسكي بحدة إخفاق واشنطن في اتخاذ الخطوات اللازمة في قضية بوت. كذلك، وجه الانتقادات إلى موسكو، التي منحته على ما يبدو {حماية رسمية}. وقرّر ولوسكي العودة إلى مهنة المحاماة الأقل توتراً والأوفر ربحاً.ولكن حدثت بعد ذلك كارثة لم تخطر على بال ولوسكي البتة. فقد بدأت الحكومة الأميركية التعاون مع بائع الموت واستخدمته لنقل الإمدادات إلى حربها في العراق.لم يتّضح حتى اليوم ما إذا كان هذا التعاون ناجماً عن تخاذل من جهة المسؤولين الحكوميين الأميركيين أو أن واشنطن عرفت هوية مالك خطوط إيربيس الجوية المسجلة في كازاخستان. لكن من المؤكد أن قيادة التحركات الجوية الأميركية وشركة KBR الدفاعية التابعة لتكتل هاليبرتون تعاقدتا من الباطن مع طائرات بوت، علماً أن نائب الرئيس الأميركي آنذاك، ديك تشيني، ظلّ مدير هاليبرتون التنفيذي حتى عام 2000. ومن الواضح أيضاً أن طائرات إيربيس كانت تحط في بغداد وقاعدة بلد الجوية، مهمة مستحيلة ما لم يتوافر للطيارين إذن عسكري أميركي خاص.تبرّعات بالملاييناكتشف فاراه وبراون لاحقاً أن خطوط إيربيس قامت بما لا يقلّ عن ألف رحلة إلى العراق بين عامي 2003 و2004. لذلك، كتبا: {تبرّع دافعو الضرائب الأميركيون بنحو 60 مليون دولار أميركي إلى منظمة فيكتور بوت}. وفيما راح الرئيس بوش يطالب حلفاء الولايات المتحدة بأن يكونوا {إما معنا أو علينا} في الحرب ضد الإرهاب، جمع تاجر الأسلحة الروسي هذا نقيضين. فكان في الوقت عينه رجلاً ملاحقاً ومتعاقداً مع شركة دفاع أميركية.لكن وزارة الخارجية الأميركية أدرجت اسمه على لائحتها السوداء عام 2005. لذلك، ما عاد بوت يظهر إلا في مطاعم السوشي الفاخرة وحانات الفنادق الفخمة في موسكو. وتردد بانتظام على شركة إيزوتركس الحكومية التي تُعنى بالتجارة الخارجية وتتعامل مع مصانع الأسلحة الروسية. كذلك، عرض حزب فلاديمير جيرينوفسكي القومي على بوت الترشّح على لائحته الانتخابية للفوز بمقعد في البرلمان الروسي. غير أن بوت رفض هذا العرض، قائلاً: {ماذا سأفعل في البرلمان؟ يمكنني حلّ مشاكلي بنفسي}.بحلول عام 2008، خبا الضحيح المحيط بقضية بوت، الذي كان يعيش في شقة فخمة مع زوجته وابنته. لكن صحيفة {نيوزويك} ادعت أنه نقل شحنات أسلحة إلى {حزب الله} في لبنان. وإذا صحت هذه الادعاءات، يكون بوت قد أدار هذه العمليات عن بعد، لأنه كان يتوخى الحذر ولم يغادر روسيا، إلا في رحلتين غامضتين قام بهما إلى الصين.في تلك الأثناء، نسي مَن قابلتهم {شبيغل} احتمال مقاضاة بوت. لم يتخلَّ الصحافي درولان عن عمله في أفريقيا، إلا أنه بات يتفادى الحروب الأهلية وتجار الأسلحة، محاولاً نسيان كل ما له علاقة ببوت. أما المحقق بيليمان الذي لم يتنازل عن مثله، فكان ينسّق أعمال قوات حفظ السلام في الكونغو. وأصبح خبير مجلس الأمن القومي السابق ولوسكي شريكاً في شركة بويس، شيلر وفلكسنر للمحاماة. ومن بين عملائه الجدد شركة التأمين AIG، التي دفع وسطاؤها (أسياد حرب من نوع آخر) بالاقتصاد العالمي إلى حافة الانهيار.هكذا، لم يتبقَّ سوى رجل قادر على تدمير بوت وإحقاق العدالة، وهو بوت نفسه. فقد يقع في الفخ بسبب تهوّره أو غطرسته الفارغة أو الإثنين معاً.سقوط في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007، رُسمت خطة في الولايات المتحدة للإيقاع ببوت. فقد اتصلت به وحدة خاصة من وكالة مكافحة المخدرات عبر وسيط يُدعى أندرو سموليان عرفه بوت جيداً. فعرض عليه سموليان صفقة مغرية. أخبر الأخير تاجر الأسلحة هذا أن القوات المسلحة الثورية الكولومبية تريد شراء أسلحة بقيمة عشرين مليون دولار أميركي: 700 صاروخ أرض جو، 5000 بندقية كلاشنكوف، بضعة ملايين من الذخيرة، وعدد غير محدد من الألغام الأرضية.ارتاب بوت في هذه الصفقة، واستخدم صورة للتحقّق من هوية الثوار المعنيين بها، علماً أنه تعامل مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية قبل عقد تقريباً، حين ألقى بأسلحة فوق أدغال أميركا الجنوبية. لكنه قرر في اللحظة الأخيرة عدم الذهاب إلى بوخارست. وراح عملاء الوكالة، الذين انتظروا بوت طويلاً في مطار العاصمة الرومانية، يكيلون له الشتائم بسبب مكره واحترافه.لكنهم قرروا تكرار المحاولة وإنما هذه المرة في بانكوك بدل بوخارست.ذهاب في رحلةيبدو أن الجشع تغلّب أخيراً على حدس بوت. ظن هذا الروسي أن ما من مكروه قد يصيبه في تايلاند. لذلك، قرر السفر إلى بانكوك في 5 مارس (آذار) 2008 ليمضي {عطلة} في ذلك البلد. وصل إلى بانكوك ليلاً ونزل في فندق سوفيتيل سيلوم الفخم في المنطقة التجارية من العاصمة. كان بوت قد حجز جناحاً في الطابق الخامس عشر. وقبل أن يعلّق لافتة {نرجو عدم الإزعاج} على الباب، حجز غرفة المؤتمرات في الفندق عند الساعة الثالثة بعد الظهر، ثم خلد إلى النوم.خلال الاجتماع، أمضى بوت ساعتين يتفاوض مع الثوار المزعومين. فناقش معهم جدول أسلحتهم ووافق على تزويدهم بطلباتهم كافة. وعندما أوضح له العملاء المتخفّون أنهم يريدون صواريخ قادرة على إسقاط الطائرات الأميركية، أخبرهم بأنه يدعم جهودهم هذه وأنه طالما أيّد استهداف الأميركيين. عندئذٍ كشف له العملاء الأميركيون عن هويتهم الحقيقية، فاستسلم من دون أي مقاومة.اقتيد في البداية إلى سجن مخصّص لأخطر المجرمين، حيث التقطت له صور وهو يرتدي بذلة برتقالية والأصفاد تكبّل يديه وقدميه. وُضع بوت أولاً في زنزانة تضم عدداً من المجرمين والمغتصبين والمتحرّشين بالأطفال. واندسّ بين المساجين عميل أو اثنان لتشجيع بوت على الكلام. لكنه رفض التعاطي مع أحد. لذلك، نُقل لاحقاً إلى السجن الانفرادي.أخبر بوت زوجته عندما قدمت لزيارته: {تبلغ مساحة زنزانتي أربعة أمتار مربّعة}. سُمح لها برؤيته والتحدّث إليه عبر جدار زجاجي. وبدت ظروف السجن قاسية جداً، فالطعام مقزّز والحر شديد والمكان يعج بالصراصير.أعمال باولو كويلوخسر بوت الكيلوغرامات الزائدة في السجن، وحاول استغلال الأربعين دقيقة التي يمضيها يومياً في التمرّن في باحة السجن. فتعلّم لغات جديدة من مساجين آخرين، وطلب من زوجته: {أحضري لي معاجم تركية وفارسية وأوردية}. كذلك، أمضى وقته في القراءة ونما عشقاً لأعمال الكاتب البرازيلي باولو كويلو، مؤلف The Manual of the Warrior of Light (دليل محاربي الضوء). والمفارقة أن رجل الأعمال الفاسد أحب قصص هذا الكاتب الغامض الذي ينادي بالتسامح والمشاركة المدنية.مرّت سنتين على اعتقال بوت، ولم يُحاكم بعد. انتقلت زوجته إيلا للإقامة في بانكوك. لا تمت هذه المرأة بصلة إلى النساء الفائقات الجمال اللواتي يرافقن عادة رجال الأعمال الروس الأثرياء. فهي امرأة صهباء صغيرة القد كانت تدير متجر ألبسة في روسيا. تقاتل إيلا كلبوة لإنقاذ زوجها، فتنام في سيارات الأجرة وأمام بوابات السجن. وتبدو مصممة على منع الأميركيين من نقل زوجها سراً إلى الولايات المتحدة. توضح: {حوّلوه إلى وحش}. ويذكر محامي بوت لاك نيتيواتانافيتشان التايلاندي: {لا يملكون أدلة تجرّم موكلي. فالأشرطة المسجلة مبنية على حجج كاذبة قابلة للشك. ولا يعاقب القانون على النوايا}. ويعبّر هذا المحامي (74 سنة) بشعره الأبيض الخفيف وصندله البلاستيكي عن غضب عارم. يشاطره المسؤولون الروس الرفيعو الشأن الآراء عينها بشأن قضية بوت. فقد وصفها وزير الخارجية لافروف بأنها {ذو طابع سياسي}، وتعهد ببذل قصارى جهده ليعيد هذا الروسي إلى أرض الوطن. أما البرلمان الروسي، مجلس الدوما، فأعلن دعمه لبوت، الذي تصوّره الصحف الموالية للحكومة على أنه شهيد يجب تحريره من بين براثن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.صفقةلا شك في أن أموراً غريبة حدثت في بانكوك. ففي أبريل (نيسان) الفائت، زار السجن سيريتشوك سوفا، عضو في البرلمان ومستشار مقرب من رئيس الوزراء التايلاندي ابهيسيت فيجاجيفا. يُقال إن سوفا عرض على الروسي صفقة. أراد التايلانديون منه أن يشهد في قضية طائرة أوقفتها السلطات في بانكوك في ديسمبر (كانون الأول) عام 2009.كانت هذه الطائرة، التي يعرف بوت طيارها، محملة بـ35 طناً من الأسلحة ومتوجّهة من كوريا الشمالية إلى إيران. تمحورت هذه الصفقة المزعومة، في رأي المعارضة التايلاندية، حول ترحيل رئيس الوزراء التايلاندي السابق تاكسين شيناواترا والادعاءات عن أنه أساء استغلال منصبه وحرّض على الإرهاب. فضلاً عن ذلك، طالب التايلانديون بأن يسلّمهم الكرملين سياسياً يمضي راهناً معظم وقته في مونتينيغرو وموسكو. وما لم تُستوفَ هذه الشروط، فلن يُطلق سراح بوت ويُرحّل إلى روسيا.30 سنة في السجنتقتصر الأدلة، التي تستند إليها لائحة الاتهامات الأميركية في قضية بوت، على ما حدث في بانكوك. تشمل التُّهم الأساسية {التآمر لقتل مواطنين أميركيين} و{دعم منظمة إرهابية أجنبية}. يعتقد الخبراء المطلعون جيداً على النظام القضائي الأميركي أن المدعى عليه قد يمضي، في حال أدين، 20 إلى 30 سنة في السجن، ما لم يقبل بعقد صفقة. وهل حصر المدعون العامون الأميركيون قضيتهم بمسألة القوات المسلحة الثورية الكولومبية لأنهم لا يملكون أي دليل آخر؟ هل تحاول واشنطن حماية داعمي بوت الروس المحتملين، ولو موقتاً؟ أم أن المجتمع الاستخباراتي الأميركي ووزارة الدفاع الأميركية يمنعان جهة الادعاء من توجيه تهم أشمل لبوت، على أمل أن يتمكنا بسرعة من إخفاء تعاونها المحرج مع بائع الموت هذا؟في مطلق الأحوال، يبدو بوت متشوّقاً للعودة إلى موسكو. فقد أخبر زوجته: {روسيا المكان الوحيد الذي أشعر فيه بالأمان}. ويعتقد البعض أن كلماته هذه إشارة إلى علاقاته الوطيدة بكبار المسؤولين الحكوميين.يعيش تجار الأسلحة ومَن يحاولون فضحهم حياة خطرة في تلك البقعة من العالم. مثلاً، لقي إيفان سافرونوف، صحافي كتب عن صفقات مشبوهة، حتفه بعد أن سقط من نافذة في موسكو عام 2007. كان من المفترض أن يبدو مقتله عملية انتحار، لكن ثمة أدلة على أنه قُتل. أما أوليغ أورلوف، تاجر أسلحة روسي، فأوقف في كييف وقُتل لاحقاً في السجن على يد أحد السجناء، حسبما يُفترض.العشراتعقدت {شبيغل} اجتماعاً أخيراً مع سيرغي بوت. لكننا لم نلتقِ به هذه المرة في مطعم ستارليت، بل في حانة في وسط موسكو تُدعى Monks and Nuns.في ذلك اليوم، نقلت وسائل الإعلام أن واشنطن وقّعت أكبر صفقة أسلحة مشروعة مع المملكة العربية السعودية. وتشير أرقام معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم إلى أن أكبر مئة مصنع للأسلحة في العالم باعت ذخيرة بقيمة 385 مليار دولار عام 2008، أي بزيادة قدرها 11% عن السنة الماضية. وتحتل الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا المراتب الثلاث الأولى في تصدير الأسلحة. بيد أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنفقت خلال تلك السنة عينها 122 مليار دولار فقط على المساعدات التنموية.يطرح سيرغي بوت سؤالاً بيانياً: إذا أصبح شخص عاجزاً عن أداء عمله بنفسه، ألا يرى من حوله العشرات ينتظرون ليحلوا مكانه؟ وهل يختلف رؤساء الدول عن هؤلاء حين يعقدون صفقات الأسلحة؟ ثم يضيف: {لا أعرف سبب هوس الأميركيين بمحاكمة فيكتور}. ويؤكد أن كل مَن يظن أن أخاه قد يخون بلده مخطئ. فيستطيع فيكتور، على حد قوله، تحمّل شتى المصاعب من دون أن يخسر تفاؤله.لكن فيكتور بوت ضمّن رسالته الأخيرة من سجن بانكوك عبارات تنم عن تشاؤم كبير عشية ترحيله إلى الولايات المتحدة. ذكر: {يملك الأميركيون سبلاً مختلفة ليحملوا المتهم على الكلام. فقد يعذبونني بمواد كيماوية أو يضعونني في معسكر مثل غوانتانامو. في مطلق الأحوال، لن أحظى بمحاكمة عادلة في الولايات المتحدة}. ويختم رسالته بعبارات قاتمة، قائلاً: {إذا مت في السجن، فلن تكون أسباب موتي طبيعية}.