كيف نتعامل مع الأشخاص مفرطي الحساسية؟

نشر في 09-02-2011 | 00:00
آخر تحديث 09-02-2011 | 00:00
الحساسية المفرطة سمة نفسية مميزة، تؤدي الى تضاعف إحساسنا بأي نوع من المشاعر، وهي ترتبط عادة بالنساء، الا أنها أيضاً سمة يتميّز بها عدد من الرجال. فأكثر من 20% من الناس حول العالم مفرطو الحساسية. إن كان شريكك مفرط الحساسية، تعلّم كيفية التعامل معه.

يظهر أصحاب هذه السمة حساسيةً أعلى من المعدل تجاه أي نوع من المحفزات. فهم يشعرون بأقل محفز عاطفي أو جسدي، بينما يرسل الآخرون هذه المحفزات الى اللاوعي. هكذا فإن محفزًا ضعيفًا بالنسبة الى الشخص «الطبيعي» يعتبر محفزًا متوسطًا بالنسبة الى الشخص المفرط الحساسية، بينما المحفز المتوسط بالنسبة الى الشخص الطبيعي يعتبر محفزًا قويًا بالنسبة الى الشخص المفرط الحساسية...

سمة خاصة

أهم ما ينبغي معرفته هو أن الحساسية المفرطة ليست اضطرابًا نفسيًا بل هي سمة خاصة. يولد البعض بعينين زرقاوين، فيما يولد آخرون مفرطي الحساسية. يمكن التعايش مع هذا الوضع بشكل جيد أو بشكل سيئ للغاية. يتوقف هذا الأمر على المسار الحسي للشخص المفرط الحساسية، أو بمعنى آخر على تجربته الشخصية المعاشة. مثلاً، عند أخذ السياق الاجتماعي الثقافي بالاعتبار، يتبيّن لنا أن الناس في الغرب لا يتقبلون بسهولة الأشخاص المفرطي الحساسية، ويعتبرون أنهم ضعفاء وغير قادرين على التقدّم في المجتمع. بينما يفضّل الناس في قارة آسيا الأشخاص الحساسين على غيرهم من الناس.

مشاكل

يولد واحد من أصل خمسة أشخاص حول العالم مفرط الحساسية. لقد كان الكثير من الفنانين الكبار مفرطي الحساسية ويعانون من مشاكل تتعلق باحترام الذات. ليست الحساسية المفرطة عيبًا. فمعظم الأشخاص الحساسين ذوو ضمير حي وحدس قوي، ولكن، للأسف، كثيرًا ما يسمّم الخوف حياتهم.

في مجتمعاتنا، تقبُّل المرأة الحساسة أسهل من تقبُّل الرجل الحساس. يعود ذلك الى وجود صور نمطية للرجال والنساء. مثلاً، عبارة «لا يجب على الرجل أن يبكي أبدًا» تدل على أن الرجل الحساس غير مقبول عندنا. وقد يدخل على الخط أيضًا الإطار العائلي للشخص، الأذواق الفنية...

يؤدي ذلك كله الى شعور الشخص المفرط الحساسية بأنه مختلف عن الآخرين، ورؤيته أمورًا لا يراها معظم من حوله. وغالبًا ما ينتهي به الأمر الى التصرّف بعدائية تجاه المجتمع. وقد يظن نفسه مجنونًا، بينما هذا غير صحيح. فهو يملك سمة قد تكون مصدر قوة له، إذ يشعر بأمور لا يمكن لمعظم الناس أن يشعروا بها. بالتالي، نستطيع اعتبار أن الحساسية المفرطة هي ازدياد مساحة الضمير في حياتنا بالمعنى الدقيق للمصطلح.

متى يتسبّب ذلك بتسميم حياتنا؟

يروي سمير، أستاذ رياضيات في إحدى المدارس: «المشكلة التي تؤرقني راهنًا هي أنني مفرط الحساسية، ويبدو لي أن ذلك عيب قاتل في ما يتعلّق بالعلاقات الإنسانية. فكلما التقيت امرأة تعجبني، شعرت بأنني مجبر على التمثيل عليها لأخفي عنها حساسيتي المفرطة. وعادة، لا أظهر لها طبيعتي الحساسة إلا حين أتأكد من مشاعرها حيالي. أنا عاجز عن إظهار طبيعتي الحقيقية عند بداية معرفتي بالأشخاص».

الحساسية المفرطة هي حساسية أعلى من المعدل العام تجاه المحفزات، وهي ذات طابع فيزيولوجي وبيولوجي بقدر ما هي حساسية نفسية. ويؤدي ذلك الى تضخيم الظواهر وتأثيراتها، إيجابية كانت أم سلبية. الحساسية المفرطة تساهم، عبر تضخيم تأثيرات التجارب المعاشة، في تطوير قدرات الأشخاص وصفاتهم الإيجابية، كذلك قد تتسبّب بتنمية اضطراب معين لديهم. فما يشكل محفزًا معتدل القوة لمعظم الناس، يصبح محفزًا قويًا جدًا لدى الأشخاص المفرطي الحساسية. وما يشكل محفزًا قويًا جدًا لمعظم الناس، يشكل صدمة بالنسبة الى مفرطي الحساسية. فالطريق التي يسير فيها الشخص المفرط الحساسية تتعلق بشكل أساسي بما يشعر به وبما يقدر على استيعابه.

تساهم الحساسية المفرطة، ضمن إطار اضطرابات القلق والصعوبات المتعلّقة بها، في إحداث الأوضاع التالية:

- حساسية زائدة تجاه ردات الفعل الفيزيولوجية.

- حساسية زائدة تجاه أية صدمة: عائلية أو اجتماعية، توتّر مزمن...

- حساسية تجاه أي أمر يظهر اختلالاً وظيفيًا.

- تعب.

- تطوير حالة من الحذر الزائد.

- الضحية المثالية.

مصادر غير معروفة

بحسب الدراسات المتوافرة، تصيب الحساسية المفرطة 10% من الناس حول العالم. هذه السمة الشخصية ليست مرضًا بالطبع، ولكنها قد تسبّب ضيقًا في الحياة اليومية. مصادر الحساسية المفرطة غير معروفة. في معظم الأوقات، هي سمة عائلية (تظهر على أحد الوالدين الإشارات نفسها). إذن هي حساسية مفرطة معمّمة: نبكي عند مشاهدة الأفلام أو في الأوقات الحزينة، أو عند سماعنا ملاحظات جارحة، أو في الأوقات الصعبة... أحياناً، تكون الحساسية المفرطة نتيجة أحداث حياتية أدت الى إضعاف الشخص المعني، وتكون حينها أكثر «موضعية»، بحيث تكون متعلقة بإحباطات أو خيبات أمل تعيد الى الذاكرة أحداثًا مؤلمة من الماضي. نستطيع طبعًا التعايش مع سمة الحساسية المفرطة، فهي تنطوي على مزايا كثيرة (غالبًا ما يكون الأشخاص المفرطو الحساسية ذوي حدس قوي، ويملكون حسًا فنيًا، ويكونون منفتحين على العالم والآخرين). ولكنها سمة تتطلب من صاحبها العمل على مشاعره: يتعلّم التعبير عن مشاعره، يلجأ الى كبتها أو الى اعتبارها غير مرغوب فيها، يتعامل مع الأحداث بدلاً من الخضوع لها (تؤدي الحساسية المفرطة غالباً الى تجنّب مواجهة المشاعر وكبتها)، يتوقّف عن الشعور بالذنب حيال كونه مفرط الحساسية. فالحساسية المفرطة هي نوع من الحساسية حيال الأحداث المزعزعة للاستقرار. ليست ردات الفعل العاطفية لدى الشخص المفرط الحساسية أمرًا سخيفًا. هي تحدث معه فحسب بشكل أسرع وأقوى مما تحدث مع الآخرين. كلما تقبل الشخص المفرط الحساسية ردات فعله العاطفية هذه، كلما أصبح التعايش معها أمرًا أقل إيلامًا وتفجرًا.

متى يتحوّل ذلك الى قوة؟

لحسن الحظ، للحساسية المفرطة عدد من المزايا:

- القدرة على الملاحظة الدقيقة.

- القدرة على التحليل.

- الحدس.

- القدرة على التعلم.

- الحس الفني.

- القدرة على التركيز في غياب العوامل الخارجية.

- القدرة على أداء المهمات التي تحتاج الى الانتباه والدقة والسرعة...

- الشخص مفرط الحساسية مستشار مثالي.

يوميات

لا يتحمّل مفرطو الحساسية الضجيج والعدائية ووقع الحياة العصرية السريع، ويعانون غالبًا اضطرابات سيكوسوماتية وعدم القدرة على النوم. فما هو أمر طبيعي بالنسبة الى الآخرين، كحضور حفلة عائلية مثلاً، يشكّل معاناة بالنسبة إلى هؤلاء.

بالنسبة الى الأطفال الحساسين جداً، تكون حياتهم المدرسية شاقة، لأنه يصعب عليهم التعبير عن ذواتهم، ولأنهم يلتجئون الى الأحلام. وعندما يكبرون، يصعب عليهم الامتثال لمعايير المجتمع في ممارسة مهنة ما والنجاح فيها. لذا يعملون في مهن لا تستوجب الانخراط بشكل كبير في المجتمع. فالقيام بأمر بسيط كالمشاركة في الأنشطة العادية، يعد أمرًا مرهقًا بالنسبة إليهم. وبسبب ذلك كلّه، ينظرون الى أنفسهم بشكل سلبي، ويشعرون غالباً بعدم الأمان والدونية، أفكارهم مشوشة، وأحياناً يرددون الأمور نفسها مرارًا.

الطاقة الرجوليّة

تقول سميرة: «زوجي شديد الحساسية. يتأثر بكل شيء: منظر طبيعي، ابتسامة طفل، نص مؤثر... فتصوّروا كيف يتصرف حين نتعرّض لمشكلة كبيرة علينا مواجهتها والتعامل معها! أشعر غالباً أنه «امرأة البيت» وأنا «الرجل». أمور بسيطة تجعله يبكي، بينما يتعين علي أنا أن أتحمّل المسؤولية. وأؤكد لكم أنا هذا ليس دائمًا سهلاً...».

بحسب الباحثين، على الرجل أن يتعلم التعبير عن طاقته الرجولية. وإن لم يكن قادرًا على قول «لا» للآخرين، فإن «النعم» التي يقولها لا معنى لها. تعلُّم كيفية وضع الحدود والتعبير عن الذات أمر أساسي. فعدم القيام بذلك، يؤدي الى فقدان الطاقة الى غير رجعة والى شعور مستمر بالضعف والوهن. لتجنّب ذلك، يتعين على الرجل التواصل مع طاقته الرجولية. لدى الكثير من الأشخاص الروحانيين صورة سلبية عن الطاقة الرجولية، فهي ترتبط بنظرهم بالعنف والقهر والعدائية، كذلك يعتبرونها مناقضة للروحانية.

علينا أن ندرك بأن الطاقة الرجولية ليست أمرًا سيئًا بحد ذاته، بل إن مصدر المشكلة هو عدم التوازن بين الرجولة والأنوثة.

إدارة عواطفنا

يتضمّن تعلُّم كيفية إدارة العواطف القدرة على تطويعها. بحسب علماء النفس والأطباء النفسيين، ليست العواطف جيدة أو سيئة بحد ذاتها. هي فحسب تعلمنا بحدوث أمر ما. وكلما حاولنا تجاهل عواطفنا وإبعادها، كلما عادت الى الظهور بشكل أسرع. إذاً، من الأفضل لنا أن ننظر الى الأمر بشكل مباشر ونحلِّله بدلاً من تجاهله. ففهم أسباب حساسيتنا المفرطة يساعدنا على إيجاد الحلول لمعالجة الأمر.

للتقليل من دفق العواطف بشكل فاعل، علينا أن نبحث داخل أنفسنا عن الموارد الضرورية للقيام بذلك والعمل على مراحل معالجة العواطف الأربع: الإدراك الحسي، الشعور، التفسير، ورد الفعل. يقترح علماء وأطباء النفس تجربة تقنيات الاسترخاء، بالإضافة الى حلول أخرى: طريقة «ماذا لو...» التي تساعدنا على إدراك أن كل شيء نسبي، الفكاهة، التقنيات التي تسمح بالتعبير عما يعتمل في قلوبنا والعودة مجددًا الى نقطة الصفر...

إن كان شريك حياتكم مفرط الحساسية، اقترحوا عليه التحدّث مع شخص ثالث، وبالتحديد مع معالج، في مكان محايد وخارج عن إطار حياته العادية. لا ترتكبوا خطأ القيام بهذا الدور بأنفسكم! من ناحيتكم، أظهروا له الجانب الإيجابي للأمور وكل المزايا التي تحبونها في شخصيته والناتجة من حساسيته المفرطة. فالحب هو أفضل العلاجات!

back to top