ما وراء الأزمة في عملية أوباما للسلام في الشرق الأوسط
يُقال إن العرض الذي قدّمه أوباما إلى نتنياهو كي يقنعه بتمديد التجميد ستين يوماً إضافياً شمل عنصراً مهماً: الدعم الأميركي للطلب الذي تلح عليه إسرائيل منذ زمن، طلب استمرار جنودها في ضبط حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية خلال "مرحلة انتقالية" طويلة الأمد.
راح الدبلوماسيون الأميركيون في نهاية الأسبوع الماضي يتنقلون في عواصم الشرق الأوسط المختلفة، فيما عمل الرئيس باراك أوباما جاهداً للعب دور الوسيط في اتفاق سلام في الشرق الأوسط، اتفاق بات مهدداً بسبب خلاف جديد نشب حول بناء المستوطنات الإسرائيلية. فكشفت هذه التطورات عن عقبة أساسية تعرقل جهود السلام الأخيرة. فلم تحظَ المحادثات المباشرة، التي نظمها أوباما بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، بأي أهمية حقيقية إلا من الناحية الرمزية. فالمفاوضات الإسرائيلية المهمة تُعقد مع الولايات المتحدة، لا مع الفلسطينيين. وينطبق الأمر عينه على الفلسطينيين، الذين يعتقدون أن نتنياهو لا ينوي تقديم التنازلات، إلا إذا تعرض لضغوط من واشنطن.انتهى قبل أيام التعليق الجزئي لبناء المستوطنات، الذي فرضه نتنياهو السنة الماضية بغية مواصلة المفاوضات، ورفض نتنياهو تمديده رغم انسحاب عباس من المحادثات ريثما يُعاد العمل بالتجميد. يحاول الدبلوماسيون الأميركيون التوصل إلى تسوية قبل انعقاد قمة وزراء الخارجية العرب الذي كان مقرراً أمس الأربعاء، فقد هدد عباس بالإدلاء خلال هذه القمة بتصريح «تاريخي» لن يروق للإسرائيليين، على حدّ تعبير مساعدي عباس. (يُظهر إرجاء القمة من يوم الأربعاء إلى غد الجمعة أن مفاوضات قوية تدور في الكواليس). لكن المفاوضات الحقيقية التي ستحدد نتيجة هذه الأزمة الصغيرة الأخيرة ستجري بين هذين الطرفين والولايات المتحدة.افترضت إدارة أوباما، على ما يبدو، أن جلوس الطرفين إلى الطاولة وخوض محادثات مباشرة سيولّد زخماً طبيعياً يدفعهما نحو التوصل إلى اتفاق سلام. ويُقال إن الرئيس الأميركي عرض على نتنياهو مجموعة غير مسبوقة من التدابير في مجال الدعم السياسي الأميركي لمواقف إسرائيل التفاوضية، فضلاً عن دعم عسكري مباشر، مقابل تمديده تجميد بناء المستوطنات لستين يوماً فقط (مع وعد بأن أوباما لن يطلب أي تمديد آخر). واستند هذا العرض، على ما يظهر، إلى افتراض أن الطرفين سيتفقان في غضون شهرين على الحدود بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، مما يتيح لإسرائيل مواصلة البناء في المستوطنات التي ستحتفظ بها وتجميد عملية البناء بشكل نهائي في المستوطنات الواقع في الجهة الفلسطينية من الحدود المستقبلية. لكن هذا الافتراض ينم بالتأكيد عن تفاؤل مبالغ فيه، حسبما أوضح الكثير من المراقبين المطلعين جيداً على عملية السلام في الشرق الأوسط.رغم تحدث المبعوث الأميركي والسيناتور السابق جورج ميتشيل بتفاؤل عن المفاوضات، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن القادة الفلسطينيين اتهموا نتنياهو في الاجتماعات الخاصة بأنه يرفض التعاون. كذلك، ذكرت التقارير أن عباس أخبر الدبلوماسيين الأوروبيين بأن القضية الوحيدة التي أراد الجانب الإسرائيلي مناقشتها برحابة صدر حتى اليوم كانت مسألة الأمن الإسرائيلي. وأوردت التقارير أيضاً أن عباس «أصيب بالذُعر» حين سمع أن نتنياهو يرتئي تطبيق أي «اتفاق إطاري» تسفر عنه عملية السلام الراهنة على مدى عشرين سنة. علاوة على ذلك، يُقال إن العرض الذي قدّمه أوباما إلى نتنياهو كي يقنعه بتمديد التجميد ستين يوماً إضافياً شمل عنصراً مهماً: الدعم الأميركي للطلب الذي تلحّ عليه إسرائيل منذ زمن، طلب استمرار جنودها في ضبط حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية خلال «مرحلة انتقالية» طويلة الأمد. لكن ميل نتنياهو إلى رفض هذا العرض (الذي تضمن أيضاً مجموعة من الضمانات الأمنية الأخرى وعمليات بيع أسلحة جديدة) يشير إلى أن هذا القائد الإسرائيلي يعتقد أنه يتمتع بموقف قوي في مفاوضاته مع شريكه الأميركي. ولا شك أن أوباما يعي جيداً أن انتخابات منتصف الولاية التي سيخوضها قريباً لا تعد وقتاً مناسباً للعبث مع الإسرائيليين.رفض الفريق الفلسطيني مبدأ بقاء الجنود الإسرائيليين في دولتهم المستقبلية، مع أنه قد يقبل بوجود قوى أمنية تنتمي إلى طرف ثالث. على الرغم من ذلك، من المستبعد أن يكون الأميركيون قد نالوا موافقة الفلسطينيين على العرض الذي قدّموه إلى نتنياهو. فلا يتمتع الفريق الفلسطيني بتأثير فعلي في مجرى المفاوضات، إلا بقدرته على الانسحاب منها وتبديده وهم تحقيق التقدم في عملية سلام وصفها أوباما بأنها إحدى أولويات الأمن القومي الأميركي. وهذا بالتحديد ما دُعي عباس إلى فعله يوم السبت حين استشار قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي يتفاوض باسمها مع الطرف الإسرائيلي، مع العلم أنها لم تمنحه الضوء الأخضر للمشاركة في المحادثات المباشرة في المقام الأول. لكن عباس سيهدد لا محالة بانسحابه من المفاوضات، آملاً الفوز بتنازلات جديدة من الأميركيين تخدم مصالحه. حتى أنه قد يحاول ممارسة ضغوط إضافية، مستغلاً احتمال أن تحقق حكومته تقدّماً في عملية مصالحتها مع «حماس»، التي تعطلت منذ زمن.يبدو أن الإدارة الأميركية بالغت في تقدير ما يمكنها تحقيقه بحض الطرفين على الجلوس إلى طاولة واحدة. ويظهر سوء تقديرها هذا جلياً عند التأمل في الفجوة التي تفصل بين توقعاته والواقع. لا شك أن الفلسطينيين أرغموا بالقوة على المشاركة في هذه المفاوضات، معتبرين أن رفض نتنياهو تطبيق تجميد بناء المستوطنات بالكامل (الذي طلبته إدارة أوباما السنة الماضية) يؤكد صحة شكوكهم في أنه لا ينوي عقد صفقة سلام حقيقية. فضلاً عن ذلك، لا يمانع نتنياهو التفاوض، إنما وفق شروطه الخاصة. كذلك، لا يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي هذا أي ضغوط سياسية محلية تدفعه إلى إبرام صفقة مع الفلسطينيين. إذن، بدل أن تولد المحادثات الراهنة زخماً يدفع بعملية السلام إلى المضي قدماً من دون أي عائق، يبدو أن الطرفين يتفاوضان بشكل آلي خالٍ من أي حياة أو حماسة، محاولين في الوقت عينه تعزيز موقفهما في مفاوضاتهما مع واشنطن. ويبدو أن أداء الإسرائيليين في هذه المفاوضات كان الأفضل خلال العقد الماضي. ومن هنا نرى أن الإسرائيليين والفلسطينيين لا يعملون معاً لمواصلة عملية السلام، بل يميل كل طرف، على ما يبدو، إلى استغلال شبح انهيارها ليحث واشنطن على دعم موقفه.غالباً ما يكرر المسؤولون الأميركيون شعار أن واشنطن يجب ألا تضع نفسها في موقف تظهر معه كمَن «يرغب في السلام أكثر من الطرفين المعنيين». ولكن في عملية السلام هذه، يبدو أنها لا تعمل بشعارها هذا.