خرائب فوق التل

نشر في 24-08-2010
آخر تحديث 24-08-2010 | 00:01
 حسن العيسى قبل احتلال العراق بفترة وجيزة زار الأستاذ الأميركي فؤاد عجمي (من أصل لبناني) الكويت، وجلسنا معه في جمعية الخريجين، وبدأ الأستاذ فؤاد موعظته متحدثاً عن "حلمنا" الكبير حين يزال نظام صدام وتشيد في العراق دولة ليبرالية ديمقراطية تقوم على مبدأ سيادة القانون والحريات الإنسانية، قال لنا إن الدولة العراقية القادمة ستكون كما يذهب المثل الغربي "مدينة فوق التل"، أي ستكون مثالاً يشع بأنواره على المنطقة العربية، كنا مشدوهين ومأخوذين بسحر الأحلام الوردية حين يضرب المارد الأميركي بقيادة البطل بوش الثاني ضربته السحرية في المنطقة، ويتبدد الظلام ليبدأ "عصر الأنوار" محمولاً لدولنا ليس على فكر فلاسفة مثل اسبينوزا وهوبس وروسو، بل سيأتي على متن قاذفات القنابل وطائرات الشبح ومصفحات ابرامز...!

لم نهتم، ولم نكن نحن الممتنين للتحرير الأميركي لدولتنا الكويتية نكترث من أي درب ستأتي لنا "أنوار" الحرية، فالرعب من صدام كان يملأ نفوسنا، وفكر القوى الدينية المتزمتة يحاصرنا من كل اتجاه، وإذا كانت الأرحام العربية عقيمة لا تلد فلاسفة ولا مفكرين مناضلين يكونون شعلة نور في دروب الحرية فليكن إذن التغيير من الخارج على يد أهل الحضارة والتقدم، ولتسطع أنوار الحرية القادمة من عاصمة بنجامين فرانكلين وتوماس جيفرسون... ونسينا في معمعة التاريخ مونرو "ومبدأه" بالهمينة المطلقة على القسم الغربي من العالم الجديد، ونسينا من بعده ولسون وتي دي روزفلت، ومن خلفهم ومعهم تاريخ حافل ممتد للدولة الأميركية في الهيمنة على العالم حين تتدخل بحجة حماية الحريات وحقوق الإنسان في الظاهر، وبدأت بدول أميركا اللاتينية وامتدت إلى منطقة الذهب الأسود (النفط) في الشرق الأوسط... لم تكن "المأساة" الفلسطينية ولا موقف الولايات المتحدة المساند الأبدي لإسرائيل يهمنا كثيراً، فالكويت بعد تحريرها أضحت في عقلنا اللاواعي مركز الكون، وكانت مواقف بعض الفلسطينيين الذين أيدوا صدام في احتلال الكويت نكاية بأميركا سبباً مقنعاً لتناسي الهم الفلسطيني العربي جملة وتفصيلاً.

مضت الأيام... لنشاهد انتصار البطل بوش الثاني، وهو يقف على سطح حاملة الطائرات يزف للعالم خبر انتصار الحرية في العراق... وكان انتصاراً عظيماً تعاصر معه انتصار الطائفية والقبليات في العراق... وحمل معه أجساد العراقيين المقطعة من تفجيرات "القاعدة" ومن الحرب المذهبية التي نقول رياء إنها انتهت.

من حاملة الجنود الخارجة من العراق والمتوجهة إلى الحدود الكويتية أشار الجندي الأميركي الصغير بإشارة النصر فرحاً وهو يقول: انتصرنا...! هذا صحيح فقد انتصروا بضمان مكامن النفط يحرسها الخمسون ألف جندي من الباقين في العراق ومعهم قوات شركات الحراسة الخاصة... وانتصرت معهم قوى الإرهاب والطائفية وتفتت العراق... ماذا سنقول لفؤاد عجمي ومثاله عن "مدينة فوق التل"... لنخبره عن الخرائب فوق التلال.

back to top