كردستان على خطى صدام

نشر في 21-09-2010 | 00:01
آخر تحديث 21-09-2010 | 00:01
 مسعود محمد التنوع والنزاهة من ركائز العمل الصحفي، ويعد توفير الحماية القانونية للعاملين في حقل الصحافة والإعلام جزءاً لا يتجزأ من مفهوم الحكم الرشيد في الدول النامية. ويستند مفهوم هذا الحكم، الذي يعرف معايير محددة لقواعد التنمية والديمقراطية إلى مبادئ أساسية أهمها تغليب سلطة القانون على سلطة الأمن، وهنا يجب التشديد على أهمية أن يكون الإعلام حراً، ومهنياً، وتعددياً، لأن تفعيله كـ"سلطة رابعة" تعمل على نشر الشفافية، ضروريٌ من أجل تحقيق النجاح في محاربة الفساد الذي يبدد موارد الشعوب من خلال سوء استخدام السلطة، ولدينا مثال صارخ على ذلك في أثناء فترة حكم صدام حسين للعراق التي اتسمت بتأليه الحاكم، كما ساهم إعلامه بترويج الفكر الشمولي للنظام، وهذه إحدى سمات الإعلام الأحادي الجانب، والتي كانت من أهم أسباب تخلفه.

وبينما يتمتع إقليم كردستان باستقلالية إدارية وسلطوية، ويتسم وضعه بالاستقرار بشكل عام سواء من جانبه السياسي أو الاقتصادي، حيث تتسارع فيه التنمية والبناء ومباشرة الشركات الأجنبية بالاستثمار، وهو الأمر الذي حرمت منه مناطق واسعة من العراق رغم وجود مناطق آمنة فيه، فإن هذا الانطباع المتشكل لدى الرأي العام انطباع إجمالي بعيد عن التفصيلات، لاسيما أن هناك حزبين يبدو من الأحداث الأخيرة أن تفاعلهما على الساحة الميدانية يقوم بلي تلك الانطباعات لمصلحة المسار السياسي، وهي حالة خطيرة ليست في مصلحة الديمقراطية وحرية الرأي والإعلام.

منذ فترة برز توجه في أوساط الأحزاب الحاكمة ومن مسؤولي الإقليم لتسجيل الدعاوى القضائية ضد الصحف ومطالبتها بدفع غرامات باهظة من جراء نشر التقارير والأخبار عن خروقات أو نشر سلبيات أداء أجهزة السلطة، خصوصاً بعد انفضاح بعض جرائم القتل التي استهدفت عدداً من الصحافيين، حيث لوحظ أن السلطة في كردستان بدأت في تغيير سياستها والسير على خطى صدام بالتضييق على الحريات الصحافية والإعلامية واستهداف الصحافيين مباشرة عبر اللجوء إلى المحاكم بهدف الضغط على الصحف.

وفي هذا السياق لجأ عدد من مسؤولي الإقليم إلى المحاكم لمقاضاة صحف محلية على خلفية نشرها أخباراً وتقارير انتقادية ضد السلطات، وأتى هذا اللجوء في ظل محاكم تعاني تدخلات حزبية ولا تتمتع بالاستقلالية والحياد المطلوبين، فأهملت تلك السلطات القضائية قانون الإعلام الذي ينظم العمل الصحفي الصادر عن برلمان كردستان عام 2008 والذي يمنع اعتقال الصحفي ويشرع تغريمه مالياً، ولجأت إلى قانون العقوبات العراقي الذي سنّه نظام البعث مما يجعل الأحكام بموجب هذا القانون استنسابية، خصوصا في ظل قدرة أحزاب السلطة على التدخل الواسع في القضاء.

ولمواجهة ذلك الواقع أطلقت شركة «وشة» الإعلامية التابعة لـ"حركة التغيير" الكردية المعارضة في كردستان حملة شعبية في التاسع عشر من سبتمبر الجاري ضد ما تعتبره "تضييقاً" على الحريات الإعلامية والحصول على دعم المنظمات المدنية والأوساط الدولية بهدف وقف "ضغوط" السلطة في إقليم كردستان على وسائل الإعلام المحلية، ودعت الشركة في نداء وجهته إلى الرأي العام الكردستاني إلى دعم الحملة من أجل قطع الطريق على الممارسات الرامية إلى خنق حرية التعبير وتكميم الأفواه، ومنع السلطة من استغلال القضاء، أو ممارسة الضغط في إقليم كردستان.

الشعب الكردي قدم تضحيات جسيمة لتحقيق حريته طوال سنوات ثورته التحررية، وهو صاحب كل المكاسب التي تحققت في كردستان، ولذلك يفترض تقدير تلك الحرية المتحققة وعدم التضييق عليها لأسباب حزبية أو شخصية. فظاهرة اللجوء إلى المحاكم التي ازدادت وتيرتها في الفترة الأخيرة تقف وراءها أهداف سياسية ترمي إلى مصادرة الحرية، وقد سجل تقرير لجنة الدفاع عن حقوق الصحفيين في كردستان الذي نشر في نهاية العام الماضي، عدداً كبيراً من الانتهاكات بحق الصحفيين الأكراد في فترة ستة أشهر بين أواخر يونيو 2009 وحتى منتصف يناير من العام التالي. وسجل التقرير نحو 70 حالة، من بينها 35 شكوى قانونية في المحاكم، و35 أخرى لحوادث ضرب واعتقال وعقوبات قانونية. وكان غالبية من تعرضوا لهذه العقوبات هم من الصحفيين غير الأعضاء في نقابة صحفيي كردستان. وفي تقرير مماثل لمنظمة "صحفيون بلا حدود" الفرنسية لوصف أوضاع الصحفيين في شمال العراق، جاء فيه أنه "خلال الفترة الأخيرة ازدادت نسبة الانتهاكات ضد الصحفيين المستقلين في إقليم كردستان". وهذا الوضع حسب التقرير، "يتحمل مسؤوليته الحزبان السياسيان المسيطران في الإقليم (الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي)".

لذلك تحاول "حركة التغيير" حشد الدعم الشعبي لوقف تلك الممارسات المهينة للحريات من قبل السلطة والعمل على تحقيق الأهداف التالية:

• إحالة جميع قضايا التجاوزات التي قامت بها السلطة ضد الصحفيين إلى المنظمات المحلية والدولية بأسرع وقت لتفرض على سلطات الإقليم العمل بموجب قانون الصحافة الصادر عن برلمان الإقليم، ومنع حكومة كردستان من خنق الحريات الصحفية، لتكون الصحافة محمية وقادرة على لعب دورها الرقابي كسلطة رابعة.

• دفع الادعاء العام لتحمل مسؤولية الدفاع عن حقوق الصحفيين.

• إصدار قانون يمنع اعتقال الصحفيين.

* كاتب لبناني

back to top