الروائي الطاهر الشرقاوي: تراثنا غارق في الواقعيّة السحريّة

نشر في 30-01-2011 | 00:00
آخر تحديث 30-01-2011 | 00:00
حازت روايته «فانيليا» حفاوة نقدية واسعة، وكتب كثر عنها وعن صاحبها الطاهر شرقاوي، وتكللت الأقوال بفوزها أخيراً بجائزة «ساويرس» الأدبية.

تأتي «فانيليا» بعد أن أصدر الشرقاوي خمس مجموعات قصصية... عن الرواية وقصصه ومشواره مع الأدب وسمات كتابة جيله كان الحوار التالي.

متى اكتشفت أن لديك موهبة الكتابة؟

في المرحلة الثانوية بدأت أولى محاولاتي في الكتابة، وبدأت بالشعر مقلداً القصائد التي كنا ندرسها، وكانت مواضيعي تدور في معظمها حول الوطن والحبيبة وبعض القصائد الدينية. ثم اكتشفت أن الشعر عاجز عن التعبير عمَّا يجول في خاطري، أو ربما يكون السبب أنني عجزت عن إجادة علم العروض إجادة تامة، وكانت في قصائدي أبيات كثيرة مكسورة الوزن، وكان مدرسو اللغة العربية يراجعونها ويصححونها، وكانوا دائماً يحفزونني على الاستمرار في الشعر. آنذاك، لم أكن أعرف تحديداً ماذا أريد أن أفعل، أو ماذا أريد أن أكتب، واعتقدت أنني أحتاج إلى نوع آخر من الكتابة أكثر رحابة، وفي الوقت نفسه يمنحني القدرة على التعبير عمَّا في داخلي، فكانت محاولات بدائية في القصة القصيرة.

هل ترى أن أي كاتب عليه أن يبدأ مشواره في النشر بالشعر أو بالقصص القصيرة ثم ينتقل إلى الرواية، أم أن الأمر ليست له قواعد محددة؟

أعتقد أن منطق الكتابة لا يخضع إلى أي قواعد، أياً كانت، وليس من الضروري أن يبدأ الكاتب بالقصة أو الرواية، المهم أن يبدأ في الكتابة. عموماً، الفكرة هي التي تأخذ الكاتب إلى شكلها التدويني، سواء كان شعراً أو مسرحاً أو قصة قصيرة أو رواية.

هل ترى أن الأدب كمهنة يلقى حقّه المطلوب؟

في صغري، كنت أعتقد أن الأدب مهنة مثلها مثل المدرّس والطبيب، صورة نمطية للكاتب جاءت في أفلام الأبيض والأسود، رجل يجلس إلى مكتب ويضع الغليون في فمه أو يرتشف القهوة ويفكر في روايته المقبلة التي ستغيّر العالم. إنها فكرة رومنسية عن الكاتب والكتابة صدّقها كثر.

الكاتب لا يجد ما يستحق لا في مصر ولا في الدول العربية، فهو يعاني من دور النشر ومن التسويق، وتقريباً يقوم بكل الجهود التي يجب أن يقوم بها آخرون، فهو يعمل ككاتب وكوكيل لكتاباته عند دور النشر وكمسوّق لها، ومنظّم للندوات التي تناقش كتاباته. فهل يفاجئك الأمر إذا عرفت أن كتاباً كثراً بدأوا بشكل جيد ومبشّر ثم توقفوا عن الكتابة وانغمسوا في الحياة بسبب الإحباط واليأس؟

لماذا اخترت في روايتك «فانيليا» ألا تمنح الأبطال أسماء؟

إنها الحرية، فأثناء كتابتي «فانيليا» كنت أعتقد أن الأسماء ما هي إلا قيود لشخصياتي، وأنني بمجرد أن أمنح الشخصية إسماً أسجنها في دائرة مغلقة.

غياب الأسماء في الرواية جعلني أكثر حرية في التعامل مع الشخصيات، ومنحني فرصة للهروب من الرقيب الذي في داخلي ومن العادات والتقاليد والموروث الثقافي الذي يشكّلني. بالطبع، الأمر خاص برواية «فانيليا» فحسب، بمعنى أن كتاباتي التالية أو السابقة تحتوي على أسماء للشخصيات، فحالة «فانيليا»، برأيي، هي التي جعلت الشخصيات بلا أسماء،... لا سيما أن فكرة أي عمل أدبي تأتي ومعها قوانينها ومنطقها الخاص بها والشكل الذي يميّزها.

من وجهة نظرك، ما الجديد في «فانيليا» الذي جعلها تحقّق النجاح والانتشار؟

لا أعرف تحديداً. ربما لأنها جاءت في وقت مناسب، أي حين كانت الصفحات الثقافية مهتمة بالرواية على حساب إبداعات أخرى مثل المسرح أو الشعر، وربما لأنني كتبتها بصدق وتلقائية وحب، وهذا ما يذكرني بكتاباتي الأولى، عندما كنت أفرح بالكتابة، وأتذوق أثر الجملة في أذني. بالمناسبة، أقرأ ما أكتبه بصوت عال، لأشعر بالمفردة المستخدمة في تكوين الجملة، وبالشخصية المكتوبة. وأقول هنا إن فتيات كثيرات أخبرنني بأنهن «فانيليا»، أعني أنهن نسخة منها.

عموماً، الحديث عن زمن الرواية جعل دور النشر والصفحات الثقافية تفضّل نشر الكتابة عن الرواية، وبالتالي تسويقها للقارئ، لكن القصة ما زالت موجودة ولها محبوها.

هل ترى أن جائزة «ساويرس» أو التكريم عموماً لكتاباتك جاء متأخراً أم أن توقيته مناسب؟

أؤمن بأنني لو شغلت نفسي بتأخر الجوائز أو مجيئها في موعدها أو بأن كتاباتي لم تُستقبل جيداً، فإنني في هذه الحالة لن أضيف جديداً إلى الكتابة.

أشغل نفسي بالكتابة فحسب، كتابة مغايرة وتنال رضاي. طالما قلت لنفسي: «إذا أحسست للحظة بأن كتاباتي غير مرضية لي فأنني سأهجر الكتابة وأتحول إلى قارئ جيد». بالنسبة إلى الجائزة أعتقد أنها جاءت في موعدها، على الأقل ليطمئن القلب.

كيف استطعت التخلّص في روايتك من الأجواء المكررة المسيطرة على كتابة أبناء جيلك والابتعاد عن الواقع بشكل سلس؟

في كتاباتي كافة أحاول أن أبدو أنا. إنها عباراتي وجملي ومفرداتي، الكتابة أشبه بصنع عقد من اللؤلؤ، وأعتقد أن الوعي بكتابة الآخر وأعني به كل ما يكتب في العالم، سيجعلك تبحثين عن شيء مختلف ومغاير.

هل تحب أن تُصنَّف روايتك على أنها من أدب الواقعية السحرية؟

لا أحب أن يُطلق على روايتي هذا المصطلح. أولاً، لأنه ارتبط في ذهني بأدب أميركا اللاتينية. ثانياً، لأن تراثنا العربي المدوّن والشفاهي غارق في الواقعية السحرية، يكفي أن نطلع على «ألف ليلة وليلة» أو كتابات المتصوفة أو حكاياتنا الشعبية التي كانت تحكيها أمهاتنا وجداتنا لنكتشف ذلك. ألا ترين أنه من الممكن أن تفقد كلمة «السحرية» دهشتها مع تكرار الكتابات التي تدور في فلكها، وأن النص الأدبي لا يقتصر على اقتناص السحر والدهشة، بل ثمة عناصر أخرى تساهم في تكوينه؟ أفضّل ألا أضع روايتي تحت تصنيف معين، من الممكن للقارئ أن يختار أو يميل إلى التفسير الذي يراه مناسباً.

هل تعمل على رواية أو مجموعة قصصية الآن؟ وهل ترى أن من كتب رواية قد ينشر مجموعة قصصية لاحقاً؟

أكتب مجموعة قصصية لم تكتمل بعد، ولم أختر لها عنواناً، تدور عن الخوف والوحدة عند الإنسان. لا مشكلة في أن أنشر مجموعة قصصية بعد الرواية، لأن الكتابة ستظل كتابة بغض النظر عن نوعها أو تصنيفها.

بعد جائزة «ساويرس»، هل ترى أن على عاتقك اليوم مسؤولية أكبر في كتاباتك؟

بشكل ما نعم. فمسؤوليتي تجاه الكتابة موجودة قبل الجائزة، لكن الآن أنا مضطر للإجابة عن هذا السؤال: ما الذي سأقدّمه إلى القارئ وفي الوقت نفسه يتخطى رواية «فانيليا»؟ أشعر أنني مراقب من كثيرين في انتظار ما سأطرحه من كتابة، وستظل جملة: «إما أن أكون كاتباً جيداً أو قارئاً جيداً»، تتأرجح أمامي.

back to top