فاروق سعد... موسوعيٌّ رحل بصمت

نشر في 25-10-2010 | 00:00
آخر تحديث 25-10-2010 | 00:00
رحل الموسوعي اللبناني فاروق سعد (72 عاماً) صاحب الـ 52 كتاباً والمعروف بحرصه على التراث العربي والعالمي، والدؤوب على الكتابة من دون ضجيج الصحف ولا شعارات «شعراء الحداثة» و{البياض».

رحل فاروق سعد الهادئ وصاحب الكتب البديعة، من دون أن يتطرّق معظم الصفحات الثقافية اللبنانية إلى ذلك، كأنه إنسان عابر في رأيها. فهي تفرد صفحات كاملة لبعض أسماء هامشية وتغضّ النظر عن الموسوعيين، وهذا أحد وجوه المشاكل الثقافية في العالم العربي الذي ابتعد عن الجوهر وتلهّى بالقشور.

لم أكن أعرف سعد جيداً إلا عندما قرأت له كتاب «فتح ملف كوتشوك هانم»، ثم كتاب «الآنسة مي»، ومن خلالهما وجدت نفسي أمام موسوعي حقيقي يلقي الضوء على أمور غير معروفة في حياة شخصيّتين بارزتين في العالم العربي، الأولى الراقصة المصرية كوتشوك هانم التي صدّرت إلى الأدب العالمي «رقصة النحلة» وشغلت الأدباء والمستشرقين والكتاب والشعراء، وربما لم تكن أكثر من وهم أو «سراب أخيلة». والثانية الأديبة اللبنانية - الفلسطينية مي زيادة التي يبيّن سعد حقائق «مرعبة» عن حياتها تدين بشكل أو بآخر المجتمع الذي كانت تعيش في كنفه وتفضح الوسط الثقافي الذي أحاطها بالاهتمام لمجرد أنها امرأة جميلة.

يبيّن سعد أن زيادة أحبت ابن عمها جوزف في البداية قبل أن تصبح أديبة لامعة. وبعد وفاتها، أطلق عدد من الكتّاب أعنّة أخيلتهم في تركيب الأخبار والروايات عن غراميات مزعومة لها، وإن كان فيها شيء من الواقع. ولو عاشت زيادة، يقول سعد، وقرأت الحلقات المتسلسلة التي نشرها كامل الشناوي بعنوان «الذين أحبوا مي» وما تضمّنته من مزاعم عن علاقاتها العاطفية بزوار صالونها الأدبي، لأقفلت باب منزلها في وجههم! والفضيحة أن زيادة اتُّهمت بالجنون وأُدخلت «العصفورية»(مستشفى الأمراض العقلية) وصودر بعض كتبها للاستيلاء على أملاك ورثتها.

يُستخلص من قراءة كتب سعد أنه موسوعي كبير، يملك قدرة على جمع المراجع ووضعها بين يدي القارئ، هذا ما لاحظه جمال قطب في مجلة «الهلال» القاهرية عدد نوفمبر 1972، إذ يقول: «في إحدى أمسيات بيروت وعلى غير موعد التقيت بالقانوني اللامع الفنان، الأديب، وصاحب نظرية «الأرابيسك»: فاروق سعد … وخلال هذا اللقاء السريع قفز إلى ذهني سؤال: كيف يُتاح له أن يجمع بين القانون والفن والأدب، ويبدع فيها ذلك الإنتاج المتنوّع والمتجدد؟ وفي كلمات تنبض بالصدق والبساطة يجيب فاروق سعد: شغفي بالفن والأدب، وتعلّقي بالعلم والقانون، يمنحانني طاقات واسعة متجددة… فأنا أجمع بين هذه الألوان وأنتج فيها بالحب…

والحب – كما تعرف – يصنع المعجزات!».

لم ألتقِ سعد إلا بعدما دوّنت مقالاً عن كتابه «فتح ملف كوتشوك هانم»، وقد أهداني بعض كتبه. بدا لي أنه صاحب أفكار، لكنه بعيد عن الأضواء وصفحات الصحف، يكتب للمتعة ويبحث عن المعرفة قبل كل شيء. كان يتنقل كثيراً في شارع الحمراء ويجلس مع بعض أصحابه، كنت أراه وأسأل نفسي لماذا لا تهتم به وسائل الإعلام وبمؤلفاته، وهو كان يدرك أن الإعلام لم يعطِ مؤلّفاته حقّها.

كتب سعد في مجلّتي «المجالس» و{الخواطر» أولى مقالاته وهو في السادسة عشرة من عمره، لكنه سرعان ما اندفع نحو التأليف الذي بدأه أيضاً في سن الشباب بمجلّدين بعنوان «من وحي ألف ليلة وليلة»، وقد بلغ حصاده 52 كتاباً في الأدب والفن والقانون والفكر والسينما والمسرح، وقبل رحيله بأيام تحدّث عن مجموعة مشاريع كتب كان يعدّها للنشر. بدا من خلال مؤلفاته مفتوناً بتاريخ الأدب وتراثه، وقد عاد إلى نوادر جحا وقراقوش و{ألف ليلة وليلة» والجاحظ والقزويني وابن المقفع وابن حزم، وأخوان الصفا، وصولاً إلى الأدب الأندلسي.

استغرق سعد كثيراً في التراث ولم يطرق أبواب الحداثة في الأدب، بل كان يخاف على الأدب من الحداثة ومجلة «شعر» اللبنانية، بحسب ما ذكر في حديث لجريدة «السفير» قبل أيام من رحيله.

سعد الذي يحمل في الأساس دكتوراه في الحقوق عن أطروحة كانت غريبة في سبعينيات القرن الماضي بعنوان «قانون الفضاء الكوني»، وله عدد لا بأس به من الكتب القانونية والتشريعية، كان يجمع أعمالاً لبعض الفنانين مثل بيكاسو ودالي وديغا وسواهم، إضافة إلى أعمال الفنانين اللبنانيين، وهذا ما جعل بيته متحفاً صغيراً.

في سطور

فاروق سعد دكتور في القانون (الأطروحة: قانون الفضاء الكوني)، ودكتور في الآداب (الأطروحة: خيال الظل العربي).

خلال دراسته التكميلية والثانوية، وتحديداً خلال سنتي 1954 و1955 (كان في السادسة عشرة من عمره)، حرّر في مجلة «المجالس» الأسبوعية التي كانت تصدر في بيروت باباً من صفحتين تناول فيه شؤون الطلاب والتعليم بعنوان «مجالس الطلاب»، ثم خلال سنة 1955 أخذ يحرّر باباً أسبوعياً بين صفحتين وثلاث صفحات بعنوان «خواطر من كل مكان» في مجلة «الخواطر» التي كانت ولا زالت تصدر في بيروت.

عام 1959، باشر سعد دراساته الجامعية والعليا في الفنون التشكيلية (الرسم والتصوير). وخلال 1959 و1960 كتب أبحاثاً نشرت في مجلة «الآداب» في بيروت منها: «مسرحيات شكسبير في السينما « و»القضايا الإنسانية في أفلام شارلي شابلن» و{سلفادور دالي». وكتب بحثاً نُشر في مجلة «الثقافة الوطنية» في بيروت عن الأفلام الأميركية المستوحاة من «ألف ليلة وليلة» بعنوان «شهرزاد في هوليوود».

سعد أيضاً فنان تشكيلي له رسوم ولوحات عدة بالحبر وقلم الفوتر والألوان المائية والألوان الزيتية وألوان الأكريليك، نشرت صور عن بعضها في مقالات عنه، منها المقال المنشور في مجلة «الهلال» في القاهرة عدد نوفمبر سنة 1972.

back to top