الخط الأمامي للديمقراطية

نشر في 19-05-2011 | 00:00
آخر تحديث 19-05-2011 | 00:00
 راديك سيكورسكي لقد سافرت في الأسبوع الماضي إلى بنغازي من أجل الالتقاء بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، وهي زيارة تم تنسيقها مع الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون وحلفاء الناتو، لقد كنت أول وزير خارجية غربي يسافر إلى ليبيا منذ بدء الأزمة.

إن ما رأيته هناك ذكرني ببلدي قبل 20 سنة، وذلك بعد أول انتخابات حرة في بولندا، علما أن تلك الانتخابات بالإضافة إلى سقوط جدار برلين بعد ذلك بستة أشهر تقريبا أصبحا يرمزان لنهاية الحرب الباردة.

إن الناس الذين يكونون في مرحلة انتقالية بعد الحكم الاستبدادي– سلمية في بولندا في 1989 ودموية في ليبيا اليوم– يحتارون في كيفية اتخاذ القرارات التي سوف تقرر مصيرهم لعقود، فكيف يمكن التعامل مع أسوأ المخطئين والشرطة الأمنية من العهد السابق مع أرشيفهم المضر والمغري في الوقت نفسه؟ هل يجب حظر الحزب الحاكم السابق؟ وكيف يمكن تأمين سيطرة مدنية وديمقراطية على الجيش والشرطة؟ وما الدور الذي يجب أن يلعبه الدين في الشؤون العامة؟ وهل يجب أن يؤسس الدستور لنظام رئاسي أو برلماني؟

لقد قامت البلدان الشيوعية السابقة بتبني خياراتها قبل 20 عاما، ولكن كانت الخيارات التي تم اتخاذها في بولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا ودول البلطيق والاتحاد السوفياتي وآسيا الوسطى وألمانيا الشرقية مختلفة تماما، سواء للأفضل أو للأسوأ، فهناك نتائج لقاعدة معلومات حيوية من الخبرة، واليوم فإن بإمكان الإصلاحيين العرب أن يتعلموا من نجاحاتنا ويتفادوا أخطاءنا.

نحن في وسط أوروبا كنا نعرف البؤس الذي تجلبه الشيوعية، وكنا نعرف أننا نريد استبدال الشيوعية بنظام مبني على أساس قيم السوق الديمقراطية الأوروبية العصرية، فإن بناء الهياكل الديمقراطية يحتاج إلى الوقت والانضباط والألم والصبر، ولكن في نهاية المطاف فإن مصيره النجاح، وسوف تتولى بولندا في يوليو رئاسة الاتحاد الأوروبي للمرة الأولى، أي أننا تمكنا بفضل جهودنا من أن نكون مسؤولين عن قيادة الشؤون الأوروبية للأشهر الستة القادمة.

لقد تعلمت بولندا بعد تجارب صعبة أن طلب التغيير وتحدي القمع هما أقل صعوبة بدرجة كبيرة مقارنة بصياغة برنامج واضح ومنطقي لمستقبل أفضل، لا تنجح جميع المطالبات الشعبية بالحرية إذ يمكن لقوى الرجعية استغلال حالة الارتباك من أجل التحرك.

إن سقوط شاه إيران كان له نتائج وخيمة على ذلك البلد أما روسيا البيضاء فلقد تمكنت من تحقيق استقلالها سنة 1991 لكن منذ سنة 1994 تبنى الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بشكل مخجل الرموز والأساليب الشيوعية من أجل التمسك بالسلطة، وإن هذا يعني أن هناك عملا لم تقم أوروبا بتسويته لغاية الآن هنا.

أما اليوم وفي طول شمال إفريقيا وعرضها فهناك ملايين الناس الذين يطالبون بأن يتم سماع صوتهم فيما يتعلق بقدرهم، وإن كل بلد يتطلع إلى التغيير والتقدم إلى الأمام، فقد أعلن الملك في المغرب إصلاحات دستورية بما في ذلك ضمانات للمشاركة الشعبية في عملية اتخاذ القرار على المستوى الوطني وقضاء مستقل وسلطات إقليمية جديدة.

وإن هذا الإصلاح المعتدل والشامل يمكن أن يشكل أنموذجا للآخرين، وإن الإصلاحات في العالم العربي تتلقى دعما هائلا من قطر، والتي شكلت مثالا للقيادة القوية، خصوصاً في ما يتعلق بالشأن الليبي، ولكن أيضا من خلال القناة الإخبارية «الجزيرة» التي أصبحت قوة حقيقية للتغيير في المنطقة.

إن ليبيا تشهد صراعا مميتا بين شعب يصر على التغيير ونظام يائس وطماع مصمم على التمسك بالسلطة بعد 40 عاما من سوء الحكم الشديد، فقد قام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبدعم من الجامعة العربية بتفويض استخدام جميع الوسائل الممكنة من أجل حماية الليبيين من قسوة قادته، وقد قام حلفاؤنا من «الناتو» بشن عمليات عسكرية مناسبة تستهدف حرمان العقيد نظام معمر القذافي من الوسائل اللازمة لمهاجمة الأهداف المدنية.

لقد قامت الحكومات حول العالم بتجميد الأصول غير الشرعية والمخبأة في الخارج من قبل النظام، وهي أموال يجب أن تستخدم في مساعدة المعارضة على بناء مجمتع جديد.

لقد ذهبت إلى بنغازي من أجل تقييم نوايا ومصداقية المجلس الوطني الانتقالي والمعارضة الليبية، وقد أحضرنا موارد طبية إلى المركز الطبي في بنغازي، إذ يعالج جرحى من مصراتة وغيرها من الأماكن.

لقد جلس حول الطاولة حلفاء غير متجانسين: بعضهم كانوا مسؤولين بارزين في نظام القذافي وآخرون أمضوا سنوات طويلة في السجن وهم محكومون بالإعدام، وإن هؤلاء متفقون على أن بلدهم يستحق بداية جديدة، فقد ذكروني بالطاولة المستديرة في بولندا سنة 1989 عندما جلست حركة التضامن مع الحكام الشيوعيين من أجل التفاوض على نهاية النظام.

لقد تكلمت بصراحة مع رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبدالجليل ونائب الرئيس عبدالحافظ خوجه ووزير دفاع المجلس الوطني الانتقالي جلال الدغيلي وهو سجين سياسي سابق، فقد كانوا يشعرون بالامتنان على الدور الذي لعبه المجتمع الدولي، لكنهم وصفوا بعبارات مؤثرة الخسارة الكبيرة في الأرواح التي كبدها القذافي لشعبه.

لقد أخبرتهم أننا نعتبر المجلس الوطني الانتقالي على أنهم المحاورون السياسيون الشرعيون الجدد في ليبيا، وأننا على استعداد لدعمهم، وفي المقابل نتوقع أن يعمل المجلس الوطني الانتقالي من أجل تحقيق أفضل المعايير فيما يتعلق بالحكومة الديمقراطية التي تتمتع بالشفافية، ويجب عليهم أن يدركوا أنهم بحاجة إلى خطة، فاللحظات الثورية هي لحظات يجب أن تغتنم، وسوف تساعد بولندا عن طريق تدريب مسؤولي المجلس الوطني الانتقالي.

وإن رسالتي إلى القادة الأوروبيين لاحقا لتلك الزيارة هي من شقين: أولا: أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي هو أفضل رهان بالنسبة إلينا فيما يتعلق بمستقبل ليبيا، وإن قادة المجلس يتعاونون ويبذلون الجهود من أجل تحقيق إصلاح حقيقي بشكل لم يكن بالإمكان تصوره قبل أشهر قليلة، وإن هؤلاء يستحقون دعما كبيرا من العالم.

ثانيا: بينما تمتلك أوروبا الكثير لتعرضه على جيرانها في شمال إفريقيا فيما يتعلق بالدعم المالي والمشورة والتدريب، فإن المنطقة تحتاج أن تقرر الطريق الذي سوف تسلكه فيما يتعلق بالحرية والنجاح، فدعونا نتعامل مع هذه المهمة بروح التضامن الأوروبي، لكن أيضا ببعض التواضع.

إن البلدان الشيوعية السابقة في أوروبا بإمكانها أن تقدم مساهمة خاصة في هذه المسيرة الانتقالية عبر شمال إفريقيا، فقبل كل شيء نحن ندرك أن الإصلاح المستدام يتطلب تولي المسؤولية عن طريق حشد طاقات شعب الدولة المعنية، وليس الاعتماد على النوايا الطيبة للمساعدة الخارجية التي عادة ما تفتقد التركيز.

بولندا جاهزة أن تتولى القيادة لوحدها وكرئيسة للاتحاد الأوروبي، فعلى سبيل المثال زار الرئيس السابق ليخ فاليسا تونس أخيرا من أجل تقديم المشورة، وذلك كجزء من برنامج بولندي لمساعدة تونس على صياغة إصلاحات دستورية وقوانين انتخابية قوية.

وإن الناس في شمال إفريقيا يعرفون الأشياء التي لا يريدونها، ولا يقبلونها، لكنهم يحاولون جاهدين تحديد ما هي الأشياء التي يريدونها وكيف يمكن تحقيقها، وكما رأيت في بنغازي، فإن هناك فرصة جيدة أن القادة الصاعدين في ليبيا سوف يكونون شركاء جيدين وواقعيين لسياسات جيدة وواقعية.

* وزير خارجية بولندا

«بروجيكت سنديكت» بالاتفاق مع «الجريدة»

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top