جمال العلي: الألعاب الشعبية محببة رغم بساطتها

نشر في 22-08-2010 | 00:01
آخر تحديث 22-08-2010 | 00:01
دعا إلى حماية «تجسيد الدمى» من الدخلاء
عشق الفنان جمال العلي هواية تجسيد الدمى منذ الصغر، وأظهر براعة في مادة الرسم كما كانت له مكانة كبيرة لدى معلميه.

لدى دخولك دكان "بوعبدالله" في يوم البحار تشعر للوهلة الأولى بأنك في سوق كويتي قديم، يخال لك أنك تسمع دق الحديد الصادر من "المصفر"، ممتزجاً بنهمة "النهام" الموجود في أعلى الرف في زاوية المحل، ولربما تشعر بأنك تشتم خبز التنور الحار ورائحة "النخي والباجلا" من قدر تلك البائعة التي تقبع فوق الطاولة، هذا بالفعل ما لمسناه لدى دخولنا عالم الفنان جمال العلي. "الجريدة" حرصت على زيارته للاطلاع على موهبته ونشأة هواية تجسيد الدمى لديه.  يمتلك العلي ورشة في منزله، وبدأ موهبته في مرحلة الطفولة، إذ كان يعشق مادة الرسم كثيراً، كما كانت له مكانة كبيرة لدى معلميه، تميز العلي بتجسيد المجسمات والتعامل مع مادة الخشب بحرفية عالية، وكثيراً ما تمنى أن يحصل على منشار أو علبة مسامير، ففي السابق كان من الصعب ان يحصل الأولاد على ما يتمنونه بسبب ضيق العيش بعكس ابناء الجيل الحالي المترف، كانت الحياة صعبة بحسب ما جاء به العلي، ولم يكن باستطاعته أن يحصل على ما يريد خصوصاً في سنه الصغيرة، فقد كان لديه اصرار كبير على ممارسة هوايته التي احبها، فعمل جاهداً على بناء بعض المجسمات الصغيرة وبيعها على اشقائه وشقيقاته، وبثمنها كان يشتري ما يشاء من معدات ومواد، في الغالب كان المبلغ الذي يحصل عليه العلي من عملية البيع زهيداً، خصوصاً أن عملية البيع تلك تتم على نطاق ضيق بين افراد الأسرة والمقربين، وهنا يذكر لنا العلي أنه قام بشراء أول منشار له بمبلغ 850 فلسا، إضافة إلى علبة مسامير بـ150 فلسا فقط، مشيراً إلى انه وبمجرد حصوله على تلك المعدات البسيطة قرر أن يضاعف عمله، وذلك بتصميم مجموعة بيوت صغيرة كان يقوم ببيعها على ابناء الجيران الذين كانت تستهويهم فكرة اللعب بها كدمى، ومن الأشياء التي كان يحرص على تصميمها كذلك الطائرات المصنوعة من ورق الأكياس البني، ومن قطع الأقمشة التي كان يحرص على جلبها من بقايا مخلفات "الخياييط"، مشيرا إلى أنه كان يقوم بتجميعها بعصارة فاكهة "البمبر" اللزجة، إذ لم يكن باستطاعته شراء مادة الصمغ، نظراً إلى غلاء ثمنها في ذلك الحين.  

ألعاب الطفولة

ومن الألعاب المشهورة كذلك في ذلك الحين يذكر العلي "الدرباحة"، وهي بمنزلة "عجلة هوائية" أو "عجلة نارية" في هذه الأيام، وكانت مقتصرة على الناس "الراهيين"، إذ لم يكن باستطاعة جميع اطفال الحي الحصول عليها في ذلك الحين، وكانت تباع حينها بـ"روبية أو نصف روبية"، إضافة إلى لعبة "البريل" و"التيله" و"الدوامة" و"الدامة"، مشيراً إلى أن تلك الألعاب كان لها وقع محبب لدى الأطفال والصبية على الرغم من بساطتها، بعكس ابناء الجيل الحالي الذين، وبحسب ما جاء به العلي، كانوا يفتقرون إلى فن اللهو والمرح على الرغم من التطور والتمدن الذي ينعمون به.

وعن عشقه لتجسيد الحياة التراثية أشار العلي إلى أنه يشعر بمتعة كبيرة عندما يقوم بصنع هذه المجسمات، مؤكداً أن العمل في الفن التراثي يحتاج إلى موهبة ودراسة، فهي مادة من الصعب الاستخفاف والتلاعب بها، لافتا إلى ان هناك كثيرا من الدخلاء على هذا الفن يقومون بالتلاعب به، فكثيراً ما يشعر العلي بحزن عندما يرى مجسما لصانعة "باجلا" عينها زرقاء وشعرها اشقر مثلاً، مطالباً بوجود رقابة على هؤلاء المتطفلين على هذه الحرفة، فمن شروط العمل في هذه الحرفة الفنية التراثية أكد العلي ضرورة مراعاة ادق التفاصيل فيها فمن غير اللائق مثلاً تجسيد الحداد بوجه مبتسم وهو يقوم بدق الحديد أمام فوهة كبيرة من النار، أو تصوير "الحمار" أجلكم الله وهو يجوب في الأحياء بهندام و"غترة منسوفة"، "من الضروري أن يعي ابناء الجيل الحالي صعوبة العيش في السابق، وأن يلمسوا ما عاناه آباؤهم واجدادهم من مشقة في كسب قوت يومهم" وفي الختام شدد العلي إلى ضرورة اهتمام الدولة والجهات المعنية بالتراث الكويتي وتخليدة.

القرية العالمية

ومن ابرز اهداف العلي خلال هذه الفترة الطويلة من العطاء لهذا الفن بالتحديد، هو الجمع ما بين الحرف اليدوية والتراث الكويتي، وذلك عن طريق حصد ابرز ما جاء في تلك الحقبة من الزمن وتوثيقها من خلال المجسمات التي يقوم بصناعتها، ومن ابرزها اعمال لشخصيات مختلفة منها "النداف" و"الخباز" و"الحداد" و"الشاوي" وبائعة "النخي والباجلا"، وكذلك الحياة البحرية مثل "النهام" و"النوخذة" و"الطواش"، إضافة إلى حياة البداوة التي لها دور مهم في الهام العلي ليجسد من خلالها البيئة الصحراوية بكل تفاصيلها، مثل رحالة البدو والجمال وبيوت الشعر والربابة، وغيرها الكثير من الشخوص التي لها صلة بهذه البيئة التراثية. ويعمل العلي على عمل ورش ودورات لتخليد الحياة التراثية، إضافة إلى مشاركته الدائمة في القرية العالمية في دولة الإمارات في الجناح الخاص في دولة الكويت، إذ يحوي هذا الجناح كل ما يتعلق بالكويت على شكل مجسمات مصغرة والحرف الكويتية والتراثية القديمة، مثل البيت الكويتي القديم والمهن المحلية القديمة، مثل القلاف والقطان والصفار والنداف وغيرهم، إلى جانب ورشة مصغرة لأداء الحرف اليدوية أمام الزوار، ليتعرفوا على أداء الفن الكويتي والتراث الكويتي بكل أشكاله.

«الدوامة» شعبية قديمة للأطفال

هي إحدى الألعاب الشعبية التي كان يزاولها الأطفال في الماضي، وشكلها بحجم البيضة أو أكبر قليلا، تزداد في الاتساع من اعلى وتقل من الاسفل، الى ان يصبح شكلها مخروطيا دقيقا، ينتهي بأداة تشبه المسمار ويستخدم مع "الدوامة" الخيط الذي يزيد طوله قليلا عن المتر ويسمى "المشبل"، ثم يلف بدقة وإحكام ابتداءً من الاسفل حول المسمار صعودا الى الاعلى، ويتم ربط الخيط بقطعة من الخشب أو يثبت بأغطية الزجاجات الفارغة "اطويسه"، وتوضع ما بين الأصابع مع مسك "الدوامة" باليد، وتقذف بشدة نحو الارض بشرط ان تكون الارض صلبة، وبعد ذلك يشد الخيط الى الاعلى فتدور "الدوامة" بسرعة فائقة حول نفسها. وقد برع كثير من الاطفال قديما بلعبة "الدوامة"، فعند دورانها يتم لف "المشبل" حولها وترفع الى الاعلى بسرعة مع بسط راحة اليد تحتها، فتسقط في راحة اليد وتظل تدور مدة، وقد تباهى الاطفال فيما بينهم سابقاً، لمن يقوم بمثل هذه الحركات والتحكم بالدوامة للدوران على الأرض أطول مدة ممكنة. وهناك لعبة تحدٍّ يلعبها الأطفال "الدوامة" في ما بينهم، إذ يرميها أحدهم على الأرض ويجعلها تدور، فيتبعه الآخر ويكون تركيزه نحو "دوامة" زميله لإصابتها وإبطال حركتها، وجعل "دوامته" هي التي تدور فقط وتسمى هذه الطريقة "التفلش"، وتسمى اللعبة "الفلوش" ويلاحظ أنه من شدة رمي "الدوامة" نحو الآخر تنكسر التي على الأرض، لأن مسمار "الدوامة" الأخرى يصيبها في منتصفها من قوة الإصابة، حينئذ يصاب اللاعب بإحباط نفسي شديد نتيجة لأن "دوامته" قد انكسرت "انفلشت"، وذلك لا يحدث بالاستمرار، إنما الشائع إصابة "الدوامة" بالثقوب التي تعرف "بالعنابيب" جمع "عنبوب"، إن اللعب في "الدواويم" كان من الألعاب الشائعة في الماضي.

 الدرباحة

"الدرباحة" عبارة عن إطار دائري يستخدم أساساً لعجلات الدراجات الهوائية، فمن المعروف قديما ان عجلات الدراجات الهوائية في بداية دخولها الكويت لم يكن بداخلها وعاء مطاطي (تيوب)، فكانت العجلات فقط من ذلك الاطار الدائري، ويغلب على هذه النوعية بالذات ان مادتها صلبة وسميكة، وفي الوقت نفسه قوية وسميت بـ"الدرباحة"، لاننا بلهجتنا العامية نطلق على اي شيء يتدحرج على الارض معنى "يتدربح"، فجاءت تسمية الدرباحة من ذلك. في الماضي كان يحصل الاطفال على "الدرباحة" من عجلات الدراجات المستهلكة التي لا رجاء من اصلاحها، ويستخدمون مع "الدرباحة" العصي كي يضربوها بها لدحرجتها وتوجيهها بأي اتجاه، البعض من الأولاد يستخدم سلكا قويا (سيم بير) ويتم ادخاله ملتويا حول "الدرباحة"، فعندما يتم دفعه الى الامام تتدحرج "الدرباحة". لقد كان كثير من الاولاد في الماضي لديهم "درابيح"، وتعتبر مهمة بالنسبة إليهم، وهي بنفس شعور امتلاكهم للسيارة او الدراجة في الوقت الحاضر، كما يجري الاولاد في ما بينهم سباقا بـ"الدرباحة" لمسافة معينة، ويحاول احدهم توجيه "درباحته" نحو "درابيح" زملائه لايقاعها، ويعتبر حينئذ متفوقا عليهم.

ألعــاب الـبـنـات

هي من افضل العاب البنيات، وهذه لها مفهومها الكبير لديهن وتحتوي على اعمال متعددة ومشغولات مختلفة يقضين معها وقتا طويلا ربما ينسين انفسهن بالاندماج فيها.

فهي تعتمد على التمثيل والمحاكاة ولها الاثر الكبير على تربية البنت واتجاهها فمن خلالها تتعلم البنت كيف تعامل الاخرين وتتحلى بالعادات الطيبة والصفات الحميدة واقبالها على رعاية شؤون الاسرة والتدبير المنزلي كما تعودها على الحنان والرقة والعطف والإحساس بالمسؤولية. اذ تأتي البنت بصندوق صغير من الخشب او التنك ليمثل بيتا او غرفة وتجهزه بالمفروشات والادوات المنزلية المصغرة كالمطارح والمساند والسجاد والصناديق والأواني والفرش والمخاد ثم تقوم بصنع بعض الدمى الصغيرة وتسمى (العاب) مستعملة في ذلك مخلفات البيئة من اقشمة واعود وعلب فارغة وخيوط وغيرها من المصنوعات الزجاجية كالمري والبنور والخرز او القواقع والاصداف كالصبمبو والشكبك والزبابيط والودع.وبعد ذلك تعمل على وضع تلك الدمى وما تحتاج اليه من ادوات داخل الصندوق مرتبة منسقة وحينئذ يلذ لها اللعب بها فتعمل على محاكاتها ومخاطبتها مع زميلاتها اللواتي يشاركنها في التمثيل بتغيير اصواتهن وتقليد الآخرين وتقمص شخصياتهم. وقد جرت العادة بينهم على تمثيل ناحية الزواج وتسمى لعبة (العروس والمعرس) التي يبدعن في اجادتها ويعتمدن فيها على مشاهداتهن الحقيقية من واقع البيئة والتقاليد العامة فيها. كما يمثلن ادوارهن في الطبخ والغسل والذهاب الى السوق وحلب البقر والغنم ورعاية الاطفال والولادة الى غير ذلك مما يشاهدنه في بيوتهن، ومن اهتمامهن بلعبتهن فأنهن يقسمن الصندوق الى غرف تفصل بينها حواجز ويعطين لكل دمية اسما معينا ويوزعن دماهن الى فئات، فمنها النساء والرجال والاطفال والجارات الزائرات فيقمن المناسبات في لعبتهن ويعملن الولائم وكل ما يتعلق بحياة الناس من افراح واحزان.

ظهور الألعاب الكهربائية واختفاء «الشعبية»

إن الألعاب الشعبية الكويتية التي مارسها الآباء والأجداد أيام طفولتهم، هي في الواقع ألعاب كثيرة ومسلية، إذ كان يمضي معها الاطفال أوقاتا سعيدة ومرحة، وللأسف الشديد انقرضت في الوقت الحاضر وتلاشت ولم يبقَ لها أي أثر وحلت مكانها الألعاب المستوردة التي تعمل بالكهرباء أو عن طريق البطارية، ورغم كونها مبهرة ومتطورة فإنها لا تمتُّ الى البيئة الكويتية بأي شيء أو صلة، لذا فإن الألعاب الشعبية تعتبر تراثا كان من الواجب المحافظة عليه من الانقراض، وتشجيع الاطفال في هذا العصر لمعرفة ألعاب آبائهم واجدادهم، وعلى الرغم من بساطة الالعاب الشعبية الكويتية في طرقها ومفاهيمها فإنها من صميم واقع البيئة الكويتية، كما ان الالعاب الشعبية في الحقيقة كثيرة ومتعددة، فمنها يفضل لعبها في بعض فصول السنة مثلا، وهناك العاب خاصة لفصل الشتاء مثل "المحيبس"، واخرى يتم لعبها في فصل الصيف وهي الاكثرية مثل "العداديل" و"المقصي" و"الهول" و"الطيارة" و"صيده ما صيده"، وغيرها، والبعض من الالعاب يتم لعبها في الليل مثل "اللبيدة" و"عظيم ساري"، وتعتمد الالعاب الشعبية الكويتية على المهارة البدنية وخفة الحركة والمناورة، فهي مبتكرة لتمضية وقت الفراغ ولها قواعد واصول متعارف عليها،إلا إنها وللأسف تلاشت مع مرور الزمن.

back to top