تخيل

نشر في 07-05-2011
آخر تحديث 07-05-2011 | 00:00
 بدرية البشر تخيل أنه في الوقت الذي كان أوباما يعلن خبر مقتل بن لادن، تم تبادل 4 آلاف رسالة في الثانية على موقع «تويتر»، واستمر خطاب أوباما ٩ دقائق.

الطريف أن شاباً كان يصور وينقل لـ«تويتر» سماعه لطلقات نار قرب منزله في تلك اللحظة التي كانت القوات الأجنبية تداهم مقر بن لادن في آبوت آباد دون أن يدري أن هذه العملية هي التي ستتصدر عناوين الصحف بعد ساعات قليلة حول أهم خبر في العالم ذلك النهار.

وتستطيع أن تشاهد صورة رئيس أميركا وفريقه في الغرفة السرية في البيت الأبيض وهم يتابعون عملية مداهمة منزل بن لادن عبر نقل حي، مثلما نشاهد نحن المباريات والأحداث الدقيقة ساعة حدوثها.

هذا الانتشار الواسع لاستخدام التقنية أتاح المعلومات يومياً، وبأرخص الأسعار أمام جمهور عالمي، ضمن واقع اسمه الإعلام الحديث اليوم، ورغم هذا فإن وزارات الإعلام العربية لاتزال تراجع وتعدل في الدور الرقابي الذي تلعبه بفرض مزيد من القيود، ودون أن تنتبه إلى أنه في ظل انتشار مفاهيم حقوق الإنسان، وتمكينه من المعرفة والمعلومة والتعبير عن رأيه، يصبح التعدي على حرية الصحافة تعدياً على حقوق الإنسان نفسه.

تعديلات نظام المطبوعات في السعودية التي أعلنت منذ أسبوع، لقيت موجة كبيرة من الاحتجاج سواء في الصحف أو المجالس. ولو تجاوزنا الفقرات القليلة فيه التي تحث على عدم التجريح الشخصي وإثارة النعرات التي هي من البدهيات، لوجدنا قيوداً تكرس حماية هيئة العلماء، وموظفي الدولة والشخصيات الاعتبارية من النقد، ثم تستخدم عموميات مثل «عدم التعرض لما يضر البلاد أو ما يخدم مصالح أجنبية»، وهذه عبارات تخضع لتفسير المزاج الرقابي الذي يتمدد حيناً وينخفض أحياناً أخرى، كما هدد نظام المطبوعات بملاحقة الكاتب الصحافي، حتى ولو عمل في مؤسسة نشر غير سعودية، أو نشر عمله خارج السعودية.

العقوبات التي أعلنتها تعديلات نظام المطبوعات والنشر نصت على غرامات تصل إلى نصف مليون ريال وإغلاق الصحيفة، ومنع الكاتب من الكتابة والظهور في القنوات الفضائية، وقد عدت هذه العقوبات قاصمة لظهر المكتسبات التي حققتها الصحافة في السعودية خلال السنوات العشر الماضية، بل نهاية لسقف تعبير بدأ للتو يرتفع في عالم المهنة.

العاملون في الحقل الإعلامي أصحاب قضايا وطنية ومعرفية وتنموية، يتصدون لمحاربة الفساد، ويكتبون بأسماء معلنة وصريحة وهؤلاء ليسوا ممن يجب على وزارة الإعلام تخويفهم بالعقوبات أو تقييد حرياتهم، لأنها لو فعلت فإنها تخسر أصواتاً صادقة، وسيمتلئ الفضاء برسائل مشوشة وصارخة سيتبادلها الناس بأسماء مستعارة لإيصال ما تعجز الصحافة عن إيصاله. وفي «تويتر» وفي الـ»فيس بوك» والمواقع الاجتماعية لا يمكن ملاحقة الكتاب ولا تغريمهم. إن دعم حرية الصحافة ودورها في محاربة الفساد والظلم جزء من عمل الدولة في المفهوم المدني، والاعتراف بحرية الرأي والرأي الآخر هو الدور الذي تزدهر فيه الصحافة والمجتمع، ولك أن تتخيل.

back to top