هل يصلح وزير المواصلات ما أُفسد في خدمات الاتصالات والإنترنت؟
أمام وزير المواصلات سامي النصف عدد من الملفات المعطلة لإصلاح خدمات الاتصال والإنترنت في الكويت، وفي أغلب الأحوال لا يحتاج علاجها إلا إلى قرارات حاسمة بعيداً عن حسابات الربح والخسارة لهذه الفئة أو تلك.فإذا ما تم التركيز على أهمية إصلاح هذا القطاع لمصلحة جميع فئات المجتمع فإن اتخاذ تلك القرارات يصبح أيسر.
لذا سأتناول عدداً من هذه الملفات بشكل مقتضب، مبيناً الأهمية التي ينطوي عليها إصلاح القطاع المذكور والفوائد المرجوة منه، وهي قضايا سبق أن كتبت عن بعضها بالتفصيل، لكني أعيدها آملاً أن يجد معالي الوزير الجديد فرصة لمعالجتها خلال فترة توليه هذه الحقيبة.هيئة تنظيم الاتصالعلى الرغم من إيجابية قرار مجلس الخدمة المدنية بإنشاء عدد من الهيئات من بينها هيئة تنظيم الاتصال، فإن إنشاءها قد تأخر رغم أهميتها القصوى لتنظيم العلاقة بين من يضع السياسات ومن ينفذها ومن يراقب التنفيذ والجودة، ففي كل الدول المتقدمة وقبل تطور خدمات الاتصال مؤخراً أنشئت هيئات تنظيم الاتصال كي تتولى الوزارة وضع السياسات الخاصة بخدمات البريد والاتصال والإنترنت، لتقوم الهيئة بمنح الرخص ووضع الضوابط لضمان المنافسة بين الشركات المقدمة لهذه الخدمات، ثم تراقب أداءها لضمان الجودة لما فيه مصلحة المستهلك.أما الآن فالوزارة تقوم بالأدوار الثلاثة (وضع السياسات، وتقديم الخدمة، ومراقبة جودتها)، لذا أصبح إنشاء الهيئة هو الركيزة الأساسية التي تبنى عليها إصلاحات قطاع الاتصال، وسنرى لاحقاً كيف يمكن لها تحقيق ذلك. ويبقى من الضرورة بمكان الإشارة إلى ضوابط إنشاء الهيئة واختيار مجلس المحافظين فيها ومنهم المحافظ أو المدير العام الذي يجب أن يتبع وزير المواصلات فقط من ناحية المسؤولية السياسية كما هو الحال مع محافظ البنك المركزي مع وزير المالية. كما يفترض أن يكون اختياره من غير ذوي العلاقة المالية أو المصلحة المباشرة في هذا القطاع، ويفترض أن تكون مدة توليه غير مرتبطة بتعيين وزير المواصلات كي لا يخضع المنصب للمساومات السياسية، ويفترض أن يكون التكليف من مجلس الوزراء ضمن معايير واضحة وشفافة.الاتصالات الدوليةتستخدم الشركات المتطورة التي تتولى تقديم خدمات الاتصال الدولية أجهزة متخصصة في برامج مصنعة لغرض تحويل المتصل الى أفضل خط لأرخص عرض لسعر الاتصال بالثانية عبر منافسة شفافة بين الشركات المتنافسة، ليقوم البرنامج بعمل أقرب الى (بورصة الاتصال الخارجية)، فيقيم أداء الشركات عن طريق مراقبة انقطاع الاتصال من عدمه، ويتابع الأسعار التي تتغير مرات عديدة إلكترونياً. هذه الخدمة غير متوفرة في الكويت، لأن اختيار الشركات العالمية المقدمة لخدمات الاتصالات الدولية لاتزال متخلفة رغم علمي بمحاولات الوزارة معالجة الأمر، لكن تغيير الوزراء المستمر حال دون المضي فيه أكثر من مرة.خدمات التجوالمن الضرورة بمكان العمل من خلال المجالس الوزارية ذات الصلة في مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتحديد تسعيرة مكالمات التجوال أسوة بما فعلت مفوضة الاتصالات في الاتحاد الأوربي في عام 2007، بحيث أصبحت تكلفة التجوال في المدن الأوروبية مساوية للمكالمات المحلية. وكان تبرير المفوضة لسبب اتخاذها القرار بدلاً من ترك الأمر لآليات السوق أن مثل هذا القرار لابد أن يؤخذ على مستوى إقليمي، لأن القرارات المتخذة في كل دولة على حدة لن تنطبق إلا على الشركات المسجلة في تلك الدولة. يضاف الى ذلك أن الشركات المقدمة لخدمة الاتصالات النقالة في الخليج تشترك في ملكياتها شركات معدودة على أصابع اليد الواحدة، ولا مبرر فنياً أو مالياً لرفع تكلفة التجوال.المكالمات بالثواني لا الدقائق سمعنا كثيراً عن قرب اتخاذ القرار، وسمعنا عن 'حسم وحزم' الوزير السابق لتطبيقه، لكننا لم نر شيئاً ملموساً على أرض الواقع، وهذا الأمر ما كان له أن يبقى معلقاً بهذه الطريقة لو كان لدينا هيئة تنظيم للاتصالات. لكن الحل يكمن في تدخل الوزارة مادامت هي التي تقوم بدور الهيئة، ولنا في معالجة تكلفة الاتصال من الهواتف الثابتة الى النقالة التي تلكأت الوزارة سنين طويلة قبل تطبيق فكرة (المتصل يدفع) الى أن طبقتها الشركة الجديدة 'فيفا'، فدفع ذلك بقية الشركات الى فعل مشابه.Number Portabilityسمعنا مؤخراً أن الوزراة مضت قدما في اختيار الشركة المقدمة المنظمة لهذه الخدمة، لكننا لانزال نخشى عدم الجدية في حسم هذا الملف. فالرقم النقال أو الأرضي ملك لمن اشتراه ولا يحق للشركة المقدمة للخدمة احتكاره وبالتالي احتكار الزبون الذي لايريد التخلي عن رقم استخدمه فترة طويلة. هذه الخدمة إن طبقت فستفتح الباب واسعاً أمام منافسة الشركات في تقديم الخدمة الأرخص والأعلى جودة للزبون، كما تتيح المجال للشركات الجديدة لمنافسة الشركات القديمة التي تمكنت من الحصول على نسبة عالية من العملاء خلال انفرادها في تقديم خدمة الاتصالات النقالة. فحرية الاحتفاظ بالرقم مع الانتقال الى شركة تقدم خدمة أفضل أو عروضاً أفضل لابد أن ينتج عنه تنافس لمصلحة المستهلك، ولنا في تطبيق القانون في أميركا عام 2003 مثال جيد، فقد احتجت إحدى أكبر الشركات ATandT على تطبيقه في البداية، لكنها أصبحت أكبر المستفيدين منه عندما وقعت عقد احتكار جهاز Iphone مع شركة أبل، إذ تمكن الراغبون في امتلاك الجهاز من الاحتفاظ بأرقامهم والانتقال الى خدمة شركة ATandT.تحديث شبكة التمديدات الأرضيةمن غير المعروف سبب التأخير في تحديث شبكة التمديدات الأرضية وتحويلها من النحاس الى الألياف الضوئية، على الرغم من تكرار الحديث من قبل أغلب الوزراء لأكثر من عقد من الزمان، لكن شيئاً واضحاً لم يتم على أرض الواقع، ولا أظن أن هناك مبرراً مالياً أو تقنياً أو فنياً يقف عائقاً أمام هذا التحديث. فالكويت لم تخل يوماً من حفر بين المناطق والبيوت سواء لتغيير المجاري أو أنابيب المياه أو غيرها من أمور هي في الغالب أصعب من سحب تمديدات الألياف الضوئية التي حتماً ستنعكس على سرعة وجودة خدمات الاتصال والإنترنت.خدمات الإنترنت وكيبلات الأليافعلى الرغم من تطور هذه الخدمة بشكل ملحوظ في الكويت بسبب المنافسة بين الشركات المقدمة لها إلا أن الاسعار لاتزال مرتفعة مقارنة بالدول المتقدمة، ولاتزال السرعات المتوفرة بطيئة مقارنة بالسعر. يضاف الى ذلك اعتماد الكويت على عدد محدود من كيبلات الألياف الضوئية التي تربطنا بالإنترنت سواء عبر الخليج أو عبر الرياض وجدة وحتى عبر الأقمار الصناعية. لذا يفترض أن تقدم الكويت على فتح أكثر من باب للوصول الى الإنترنت بحيث لا تتأثر الخدمة كلما انقطع أحد هذه الكيبلات المتوفرة حالياً كما حدث مؤخراً بشكل متكرر.مكالمات الإنترنتمن المضحك جداً أن تقرر الوزراة منع الاتصالات الدولية عبر الإنترنت أو ما يعرف بـVOIP وذلك لأكثر من سبب، أولها أن مثل هذا القرار لا يمكن تطبيقه من الناحية العملية وهو أشبه بقرار منع التدخين في السيارات الذي وضع ليخالفه الناس. فعلى الرغم من مراقبة تنزيل برامج بعض الشركات عبر النت ومنعها مثل سكايب Skype ، فإن الراغبين في استخدامه يتمكنون بسهولة من تجاوز ذلك المنع والحصول على نسخة من البرنامج وتنصيبه على أجهزة الكمبيوتر لديهم، لأنه لا يمكن لشركات الإنترنت وقف استخدامه إن تم تنصيبه. والسبب الثاني أن مثل هذه البرامج أصبحت متاحة الآن على أجهزة الهواتف الذكية بشكل ميسر بحيث يتمكن مستخدمها من الاتصال عبر الإنترنت WIFI أو عبر خط الهاتف GSM. والسبب الثالث أن على الوزارة وشركات الإنترنت مواكبة التطور الإلكتروني بدلاً من الوقوف في وجه تسونامي التطور لتظهر بمظهر المعرقل له بدلاً من الشريك فيه.مرجعية الذبذبات اللاسلكيةتعد الكويت من الدول القليلة في العالم التي تتولى أمر تنسيق الذبذبات اللاسلكية فيها جهتان حكوميتان، فوزارة المواصلات تتولى ذبذبات الاتصالات بينما تتولى الإعلام ذبذبات الإذاعة والتلفاز. وهو ما أدخل الطرفين في مشاكل عدة، لأن هذا الأمر يستدعي وجود درجة كبيرة من التنسيق الدولي لمنع التشابك كما يحدد الجهات المسؤولة لحسم ذلك إن حصل، وهذا أمر يعيدنا الى أول فكرة طرحناها في هذا التحليل، وهي هيئة تنظيم الاتصالات التي من شأنها تنظيم مثل هذه الخدمة، بل وتولي تنظيم معظم الاقتراحات التي أشير إليها آنفاً، لكننا نتمنى على الوزير الجديد العمل بشكل متواز لتنفيذ هذه الإصلاحات.