الأقوال لن تحمينا من الفتنة... بل الأفعال
حقاً، إنه الزمن الرديء، فلم تنحدر الأمور يوماً مثلما هي الآن، ولم تصل خلافاتنا واختلافاتنا إلى هذا الحد السيئ مثلما وصلت إليه هذه الأيام.إنه الزمن الرديء الذي يضع فيه سفيه وجاهل ومشعوذ مصير البلاد على كف عفريت، ويجعل مستقبلها في مهب الريح. أين كنا وكيف أصبحنا وإلى أين سنصل؟! إنه طريق مظلم نهايته الهاوية بالتأكيد.كنا شعباً متسامحاً في خلافاته، فاضلاً في خلافاته، مؤمناً بأن الاختلاف فضيلة، لكن هناك مَن يريد أن يجرفنا إلى طريق الصدام بدلاً من الوئام، وهناك من يريد تحويل الاختلاف إلى رذيلة.إننا نضحي بكل شيء من حيث ندري أو لا ندري. نحن نضع كل المكتسبات الديمقراطية التي تميّزنا في مهب الريح بسلوكيات فئات تريد ذلك مندفعة، تطربها إيقاعات الطبول وأصواتها فتنجرف وراءها.لم تأتِ مكتسباتنا الديمقراطية على طبق من فضة، بل صنعتها سواعد رجال حفروا في الصخر، ورسختها قناعات حكام متنورين، وكانت صيغة لا مثيل لها لتوافق الحاكم والمحكوم، فلماذا يصر من يصر على أن يعيدنا إلى دائرة الصفر؟ ولماذا لا نعي أن هناك من يدفع هذه التجربة نحو الهاوية؟ نحن أمة مازال فينا مَن لم يتعلم، لا من تجارب الأمم والشعوب ولا من دروس ما مررنا به من أزمات ومحن. لقد وحدّنا الغزو بلمحة بصر، وفرّقنا التحرير. جمعنا العسر وشتتنا اليسر. نسير بلا مستقبل لأننا أسرى مشاكلنا وهمومنا اليومية التي بتنا عاجزين عن حلها، حكومة وشعباً.لم نتعلم أن الفتنة أشد من القتل، ولم نقرأ تجارب دول عديدة، فبيننا مَن لا يدرك بعد أن الفتنة إن أطلت برأسها فلن تغطيها دولارات النفط، وحين يبدأ بعضنا بأكل بعض فلن تهب جيوش التحالف لتحمينا من شر أنفسنا، ولن يقرر مجلس الأمن تحصيننا من وباء الفتنة، ولن يذكر العالم منا سوى أننا كنا دولة سادت بوحدة أهلها وبديمقراطيتها، وبادت بسفهائها وغوغائيتهم.حين تطل الفتنة، تتلاشى الديمقراطية، ويتلاشى الوطن، ويعم الخراب بديلاً عن الرخاء، فهل فينا مَن يتعظ؟ وهل فينا مَن يدرك أن قرع نواقيس الخطر قد تجاوز حده؟لقد حذر سمو الأمير في أكثر من مناسبة وفي أكثر من كلمة من مغبة الانجراف وراء الفتنة أو أشكالها، لكن هناك من يصر على ألا يسمع ولا يعي. وحذرت الحكومة برئيسها ونائبه ووزرائها من مخاطر إطلالة الفتنة، لكن إجراءاتها لم تكن بحجم الخطر ولا بقدر التحذير.نحن مطالبون بأن نحمي وطننا ونحفظه مثلما نحن مسؤولون عن حفظ مكتسباته وصيانتها.المسألة في حاجة إلى أفعال حكومية لا إلى أقوال ليس لها أول ولا آخر، لأنه كلما كثرت التصريحات قلّت الأفعال، وهو ما لا يبني ثقة للناس في تلك الأقوال والوعود، وما يجعلهم أكثر قلقاً على مستقبلهم. فمتى تضع الحكومة والنخبة القيادية المسؤولة حداً لذلك وتحمي الوطن والمواطنين من شر الفتنة وشرورها؟الجريدة