وجهة نظر : خطاب مفتوح إلى المحافظ...
تعديل مستحق في مكونات سلة العملات!

نشر في 04-10-2010
آخر تحديث 04-10-2010 | 00:00
 د. عباس المجرن الإشارات التي أطلقها مجلس الاحتياطي الفدرالي في الأسبوع الماضي عندما أعلن استعداده لتكثيف جهوده في دعم الاقتصاد الأميركي، كانت كافية لنشر الذعر في أوساط تجار العملات، الذين بادروا إلى التخلص من جزء كبير من مخزوناتهم من الورقة الخضراء، لأن دعم اقتصاد الولايات المتحدة قد يعني المزيد من الضغوط على سعر صرف الدولار الأميركي.

ولا جدال في أن دولاراً أميركياً ضعيفاً هو من صالح الولايات المتحدة، وإن لم يكن من صالح بقية بلدان العالم. وتعود حكاية الدولار الضعيف إلى عام 2002، عندما بدأ دولار الولايات المتحدة رحلة هبوطه التدريجي والمتواصل من قمته التي سجلها في ذلك العام. ولم يلتقط الدولار أنفاسه جزئياً، ولفترة وجيزة من الزمن، إلا حين انكشفت ملامح الأزمة المالية العالمية العاصفة في عام 2008، وتهافت الناس على شراء الدولار باعتباره الملجأ الأقل سوءاً من الأسهم والسندات.

لقد حقق الدولار الضعيف دعماً مؤثراً وملموساً للصادرات الأميركية، إذ يقدر بعض الخبراء أن أي انخفاض بنسبة 1 في المئة في سعر صرف الدولار مقابل العملات الرئيسية العالمية من شأنه أن يضيف نحو 20 مليار دولار إلى قيمة صادرات الولايات المتحدة إلى العالم الخارجي، ولكن الدولار الضعيف يتسبب في الوقت ذاته في ارتفاع أسعار الواردات إلى السوق الأميركي، ويقدر مثل هذا الارتفاع المسجل في هذه الأسعار خلال الفترة ما بين عامي 2002 و2008 بأكثر من 20 في المئة. ولو لم يكن الاقتصاد الأميركي معتمدا بدرجة أساسية على إنتاجه المحلي من السلع والخدمات، لشكلت تلك الزيادة في أسعار الواردات كارثة حقيقية بالنسبة إلى مستويات المعيشة في الولايات المتحدة.

إذن الدولار الضعيف هو من مصلحة الولايات المتحدة في الأجل الطويل، وليس مجرد سياسة نقدية مؤقتة للي ذراع الصين أو حتى الاتحاد الأوروبي كما يرى البعض، ولا أعتقد أن هناك في عالمنا المعاصر من هو أقدر من الولايات المتحدة على قراءة خارطة المصالح الاقتصادية. ومن يعود إلى رسالة الرئيس أوباما التي وجهها إلى الأمة الأميركية في يناير الماضي يعرف أن الولايات المتحدة عازمة على السير في هذا الطريق، إذ قال «إن هدف واشنطن هو مضاعفة قيمة الصادرات الأميركية خلال السنوات الخمس المقبلة، وإن تحقيق هذا الهدف من شأنه أن يؤدي إلى خلق نحو مليوني فرصة عمل جديدة في الولايات المتحدة.

الدولار في حاجة إلى كارثة عالمية

وأمام هذا التراجع المتواصل في قيمة الدولار، لم يعد هناك خيار أمام صانعي السياسة النقدية في البلدان الغنية الأخرى، وخاصة المعتمدة في دخلها على صادراتها إلى الأسواق الخارجية، سوى أن تسعى هي الأخرى إلى خفض أسعار صرف عملاتها أو الحد من أي ارتفاع في سعر صرف هذه العملات، وهذا هو التوجه الحالي لكل من الصين واليابان والبرازيل، وربما هو توجه بلدان أوروبية في القريب العاجل، وأعيد إلى ذاكرة القارئ في هذا السياق قول الرئيس الفرنسي ساركوزي عشية تراجع سعر صرف اليورو إلى أقل من 1.20 دولار أميركي في يونيو الماضي بأن تعادل سعري صرف اليورو والدولار هو من مصلحة الاتحاد الأوروبي، إذ سيحفز الصادرات الأوروبية ويقلل من اعتماد أوروبا على الواردات. وقد يعني هذا التوجه العالمي أن الدولار الضعيف لن يبقى ضعيفاً إلى ما لا نهاية، ولكن الخبراء لا يرون أي أمل في تعافٍ قريب للورقة الخضراء إلا في ظل حدوث كارثة أو أزمة مالية مشابهة لتلك التي حدثت في عام 2008 أو ربما أكبر وأعتى منها.

الدينار الكويتي على خطى الدولار

من القراءة السابقة يتبين لنا أن قرار البنك المركزي الكويتي بالتخلي عن سياسة ربط سعر صرف الدينار الكويتي بالدولار الأميركي في 20 مايو من عام 2007 كان خطوة في الاتجاه الصحيح، بل ويشكل ذلك القرار واحداً من بين حزمة نادرة من القرارات التي آثرت فيها الكويت تغليب مصلحتها الاقتصادية وتغليب الاعتبارات الفنية على الاعتبارات السياسية. وهو قرار يتسم بقدر كبير من الجرأة، إذ شكل خروجا على قرار قمة المنامة لدول مجلس التعاون التي كانت قد اعتمدت الدولار الأميركي كعامل مثبت لأسعار صرف العملات الخليجية. وقد نجح القرار إلى حد ملموس في الحد من مشكلة التضخم في الأسعار التي نتجت عن قرار الربط بالدولار، ولا شك أن العودة إلى ربط الدينار بسلة عملات يتوافق مع الوضع التجاري للكويت والذي يتباين تماما مع وضع الولايات المتحدة، فالأخيرة من بين أهم بلدان العالم تصديرا للسلع والخدمات، بينما تنحصر الصادرات الكويتية في سلعة واحدة هي النفط وهي سلعة تقوم ويدفع ثمنها بالدولار الأميركي أصلاً، ولكن الكويت في الوقت ذاته دولة مفرطة في الاعتماد على الواردات من مختلف بقاع الأرض وبعملات شتى أهمها اليورو والين واليوان والجنيه الإسترليني.

تعديل مكونات سلة العملات

ولكن إثقال سلة العملات الكويتية بالدولار الأميركي ما زال يعرض الكويت إلى قدر مؤثر من الضغوط التضخمية كلما واصل الدولار انزلاقه الحر في أسواق الصرف، كما تجعل هذه السلة المليئة بالأوراق الخضراء الاقتصاد الكويتي عرضة للتقلبات والأزمات المتكررة التي يشهدها الاقتصاد الأميركي، بل والاقتصادات الدولية الأخرى، كما حدث هذا الصيف اثر انخفاض اليورو بسبب تداعيات أزمة الديون السيادية لبعض دول الاتحاد الأوروبي وخاصة اليونان، مما يحد من استقرار الأسعار الذي يعد هدفا محوريا من أهداف أي سياسة اقتصادية سليمة.

ولا شك أن اعتماد دولة الكويت الرئيسي على الأسواق الأوروبية والآسيوية في توفير احتياجاتها من الواردات، وتحقيق مزيد من استقرار الأسواق المحلية وتعزيز أنشطة القطاع الخاص بما يتوافق مع الرؤية التنموية الاستراتيجية المعلنة، يتطلب إعادة النظر في التركيبة التقليدية لسلة العملات الكويتية. وإذا كان البنك المركزي يسعى من وراء تركيبة سلة العملات إلى تحقيق مرونة كافية تضمن له التفاعل مع التقلبات المتواصلة في أسعار صرف العملات الرئيسة في الأسواق الدولية من جانب، كما تضمن له المحافظة على الاستقرار النقدي في الاقتصاد الكويتي من جانب آخر، فإن خفض حصة الدولار الأميركي في السلة، وإن بنسبة بسيطة أو بمعدلات تدريجية، من شأنه أن يعزز المرونة المتاحة له في تحقيق هذين الهدفين.

صحيح أن من شأن تعديل مكونات السلة لمصلحة المزيد من اليورو والين واليوان، في ظل سياسة الدولار الضعيف، أن يعزز سعر صرف الدينار الكويتي مقابل الدولار، وأن ذلك سيؤدي إلى انخفاض جزئي في حصيلة الدخل الذي تحققه الدولة من صادرات النفط عندما تقومها بالدينار، إلا أن الدولة ذاتها ستحقق وعلى المدى الطويل المزيد من الوفر الذي سينتج عن تخفيف الضغوط التضخمية المستوردة، التي أدت وتؤدي على نحو مستمر إلى سلسلة لا تتوقف من المطالبات بتعديل الرواتب والأجور والعلاوات والمزايا الوظيفية، مما أسهم ويسهم في حدوث هذا التضخم الخطير في الباب الأول من الميزانية العامة.

* أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت

back to top