يحيى سعادة مخرج موته كما حياته: إذا فارقت الحياة سأنتقل إلى مكان أفضل
صدم المخرج يحيى سعادة الوسط الفني والجمهور العربي على السواء في الأيام الأخيرة ليس عبر كليب صوّره، إنما برحيله المبكر قبل أن يحقّق أحلامه وينفّذ أفكاره التي تتمتع بمستوى عالٍ من الإبداع، وذلك على أثر صعقة كهربائية أصابته صباح أمس الأول الجمعة أثناء تصويره كليباً للفنانة مايا دياب في تركيا.لم يكن سعادة يعلم أن سفرته الأخيرة إلى تركيا ستضع حداً لحياته، هو الذي عُرف بطموحه الكبير وتفاؤله بالحياة وتعليقه آمالاً كبيرة على المستقبل، لكن القدر شاء أن يسدل الستار على آخر فصل من حياته وهو بين الكاميرات وتحت الأضواء، كأنه أخرج موته كما أخرج مراحل حياته بحلوها ومرّها.
كان سعادة واقعياً إلى أبعد الحدود في أعماله لدرجة أن البعض اتهمه بالغرابة. كان المجنون حيناً والثائر والمتمرد حيناً آخر. رفض عيش مثاليات كاذبة وفضّل التأقلم مع واقع حقيقي مهما بلغت درجة قساوته... لذا تميّز وأحدث نقلة نوعية في عالم الكليب أخرجته من نمطية الأميرة والأمير والهيام والفراق وأدخلته في حقيقة مجردة اسمها الواقع.أما على الصعيد الشخصي فكان سعادة متصالحاً مع نفسه، يعرف نقاط قوّته وضعفه وطالما أراد أن يعيش حياته كما يريد هو وليس كما يريد الآخرون. يصفه مقربون بأنه طيّب إلى أبعد الحدود ولا يميز بين إنسان وآخر بل يحترم الجميع على اختلاف جنسياتهم وطوائفهم وعرقهم... آمن بأن الأمور التي تبكيه اليوم لا بد من أن تضحكه في المستقبل وأن الأحداث الحزينة تمده بالقوّة وتعزز شخصيته.على أثر انتشار الخبر عمّ الخزن الوسط الفني وسارع أهل الفن إلى نعي سعادة على مواقعهم الخاصة على الـ{الفيسبوك» ووصفه بأجمل العبارات، في ما يلي بعض ما جاء على لسان هؤلاء:الشاعرة السورية سهام الشعشاع: «إنما الدنيا بلاء ليس في الدنيا ثبوت، إنما الدنيا كبيت نسجه العنكبوت، كل من فيها لعمري عن قريب سيموت، إنما يكفيك منها أيها الراغب قوت، رحمة الله على المخرج يحيى سعادة، صلوا لأجله واطلبوا له الرحمة».كانت الفنانة هيفاء وهبي وجه الخير على سعادة، كما كرر في أكثر من مناسبة، ووصفها بأيقونة الفن بعدما أخرج لها مجموعة من الكليبات، لذا من الطبيعي أن تتأثر بوفاته وأوردت على صفحتها الرسمية: «يحيى سعادة... أرقد بسلام»، وأرفقت هذه الكلمات بصورة لهما نشرت تحتها إحدى مقولاته: «حياتك من اختيارك، فتمتع بها»، وكتبت بعدها: «بأسف وصدمة تلقينا خبر رحيلك أيها المبدع يحيى، هيفاء وهبي وجميع معجبيها يتقدمون بخالص التعزية إلى أسرة الفقيد والعالم أجمع. يحيى سعادة، كنت تنقل أحلامنا في صورة فأصبحت صورة في أحلامنا لن تُمحى». بدورها، كتبت كارول سماحة على صفحتها الخاصة: «أنا مدمرة نفسياً بسبب خبر وفاة صديقي المخرج يحيى سعادة، أتمنى أن ترقد روحك في سلام، سأفتقدك بشدة، كارول». كذلك كتب المخرج سعيد الماروق على صفحته الخاصة: «حبيبي يحيى، سنفتقدك بشدة يا صديقي العزيز، أتمنى لروحك أن ترقد بسلام»، وأرفق هذه الكلمات بصورة تجمعهما وهما يمزحان سوياً.أما الفنانة مايا دياب التي عاشت اللحظات الأخيرة لمبدع رحل قبل أوانه، فكتبت: «تركت تأثيراً كبيراً في حياتي وفي الوطن العربي أجمع، فأنت كنت ملهماً لنا كلنا وأنت الآن ملاك، سيكون لك دوماً مكان كبير في قلبي، فلترقد روحك بسلام يا صديقي، سأفتقدك»، وغيّرت صورتها الشخصية بصورة له.من جهتها، تعيش الفنانة ميريام فارس حالة حزن لا توصف، إذ لم يكن سعادة مجرد مخرج رافقها في مسيرتها الفنية، بل كان صديقاً مقرباً، تحبه كثيراً... كذلك الأمر بالنسبة إلى الفنانة نيكول سابا، التي حاولنا الاتصال بها مراراً إلا أنها لم تردّ، وعلمت مصادرنا أنها تعيش حالة من الحزن والألم لفراق سعادة الذي أخرج أعمالها كافّة وكان بالنسبة إليها بمثابة أخ حقيقي.كليباتأغنى سعادة الساحة الفنية بكليبات تميزت بالفرادة وشكلت مدرسة في مجال الإخراج من بينها: - «مكانه وين»، {إلّي بيحصل}: مريام فارس. - «خليني شوفك بالليل»: نجوى كرم. - «أنا طبعي كده وبراحتي»، {كنت بحالي}: نيكول سابا. - «عايزاك كده»، {كل ما بعقله راضي}: سميّة الخشاب. - «قلبي اسألو»، «منى عينه»: نوال الزغبي. - «بياع الورد»: أمل حجازي. - «مش قادرة»، «استنى حاسه»، «ياما ليالي»، «ما بنا»، «في حاجة يا ابن الحلال»: هيفاء وهبي. - «فانكي أراب»: جاد شويري. - «وعد عرقوب»: شذى حسون.لا أؤمن بالموت منذ مدّة قصيرة التقت «الجريدة» سعادة وأجرت معه لقاءً تمحور حول رؤيته للحياة والموت. قد تكون الصدفة أدت دورها أو قد يكون سعادة شعر، بإحساسه المرهف، أن ساعة الرحيل باتت على قاب قوسين منه. مما جاء في الحوار:هل أنت سعيد؟مرتاح مع نفسي، ليس ثمة سعادة مطلقة، أعرف ماذا أريد وما يناسبني وما يؤذيني... يصنع الإنسان السعادة لنفسه ولا ينتظرها من الآخرين.ألا تخشى الغد؟بل أنتظره.لكن المجهول يحمل أحياناً أحداثاً سيّئة!أؤمن بأن الأمور التي تؤلمنا وتبكينا هي الأكثر جمالاً في حياتنا لأنها تنمّي فينا التعلّق بالحياة وتجعلنا نقدّر قيمتها، في كل مرة يتخطّى الإنسان مرحلة صعبة ينظر إلى الواقع بطريقة مختلفة ويكتسب مزيدًا من القوة والخبرة، من هنا أقدّر ما يؤلمني أكثر من الأمور التي تفرحني.متى تألمت آخر مرّة؟منذ أشهر حين فقدت صديقاً غالياً على قلبي، وجدت نفسي أمام تحدٍّ وحقيقة مرّة عليّ مواجهتها وتعلمت الكثير منها مع أنها كانت صعبة إلى أقصى الحدود، اختبرت فيها قوّة إيماني وقدرتي على الصبر وفهم طبيعة الحياة أكثر وأكثر.ألا تخشى الموت؟لا أؤمن به، بل باستمرارية الإنسان، أعرف أنني في حال فارقت الحياة سأنتقل إلى مكان أفضل.لمن تقول شكراً؟للأيام والمراحل التي مررت بها في حياتي، لكل لحظة بكيت فيها، في المقابل أهدي قبلة لكل ابتسامة ابتسمتها في حياتي.