الفنان التشكيلي علي دسوقي: أعشق الحارة وأكره الحداثة
قال عنه النقاد إنه ليس مجرد رسام للحياة الشعبية بل مؤرخ لمرحلة زمنية في الحياة المصرية، إنه الفنان علي دسوقي (73 عاماً) عاشق الحارة والقرية والنجوع والأديرة بمفرداتها الشعبية التي ما زالت تحرّك في داخله شعلة الإبداع، ومع الحارة وفنونها وعاداتها وتقاليدها الشعبية يتواصل اللقاء وتستمر مسيرته مع فن الباتيك الذي يشتهر به. مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي.ماذا تمثّل لك الحارة المصرية؟
تعيش في وجداني، إذ وُلدت في حي الأزهر بالقاهرة بين الطقوس والشعائر الدينية ومظاهر مختلفة للعادات والتقاليد الشعبية وجو الأسطورة والحواديت، وهو حي يزدحم بالناس الذين يعيشون معاً في تلاصق وارتباط شديدين، لذا أعشق الحياة الشعبية بكل تفاصيلها وأكره الحداثة، كذلك عشت فيه جو عربات الكارو ومحلات صناعة الخيام والعطارة والصناعة والدقاقين والنحاسين والجامع الأزهر وسيدنا الحسين. هذه البيئة هي مصدر إلهامي، لذلك كان مرسمي في وكالة الغوري منذ عام 1961.تحرص دائماً على رصد الجوانب الشعبية في الحياة المصرية، ما السبب؟ما زالت الشعبيات مستمرّة والرؤية متجددة فيها تصنع الملامح الفنية كافة، وقد قدمت منذ فترة معرضاً بعنوان «شعبيات» تضمّن مجموعة من اللوحات الفنية تعد نوعاً من التأريخ للمسيرة الشعبية في مصر، فالعادات والتقاليد تندثر وعلينا أن نحافظ عليها من خلال الفن.ترصد الحياة الشعبية منذ بداياتك، فهل يختلف العنوان من معرض الى آخر؟كان ذلك قبل عشر سنوات، بعد ذلك أصبحت كلمة «شعبيات» عنوان معارضي الدائم.ما السرّ في ذلك؟أعشق كلمة «شعبيات» وأشعر بها وهي بدورها تشعرني بنبض الحارة الشعبية، إذ هي تلخّصها.بمَن تأثّرت مِن الفنانين التشكيليين؟لم أتأثّر بفنانين بل بحياة كاملة: فنون القرية، رسومنا الشعبية، والنسجيات في الفن القبطي، إذ درست الفنون الجميلة وتجوّلت بين القرى والأديرة والطبيعة من مرسى مطروح وحتى أسوان ووقفت على حياة البشر هناك، فأصبح هذا منهجي الذي أعيش فيه ومعه وله.هل تأثّرت أعمالك بالتغيّرات التي طرأت على الحياة الشعبية؟على رغم أن الواقع تغيّر لكن الحياة الشعبية بالنسبة إلي تمثّل حياة الطفولة، وما تأثرت به من مظاهر ما زال راسخاً في ذهني، أتذكره، وأعيده الى الحياة في لوحاتي.ما هي الألوان التي تفضّلها؟أعشق تلك المرتبطة بمناخ مصر وهي: الأحمر والأصفر والبرتقالي أو ألوان الضوء، فأنا ضد الألوان القاتمة أو التي تمثّل الظلام. أنت رائد فن الباتيك عربياً وأحد الفنانين الذين يستخدمونه على مستوى العالم، عرّفنا إلى هذا الفن؟هو الرسم على القماش بالشمع الساخن، نشأ في آسيا ويمارَس في عدد محدود من دولها، يُطلق عليه الفن الصعب أو فن الأعمال الشاقة لما يتطلبّه الرسم بالشمع الساخن على القماش القطني من جهد ومعاناة.ما هي الأدوات التي تُستخدم فيه؟الأقمشة القطنية فحسب نظراً الى تفاعلها مع الأصباغ اللونية التي تتميز بمواصفات دقيقة، ذلك لأن الألوان تتلاشى إذا استُخدمت أقمشة اصطناعية.هل ترى أن هذا الفن سينتشر ويزدهر؟لن يستمر هذا الفن طويلاً لأنه صعب، كذلك لا يملك الفنانون الصبر والمقدرة اللذين تحمّلتهما فيه، بالإضافة إلى أنه لا يدرَّس سوى في كلية الفنون التطبيقية لكن كحرفة وليس كفن. على وسائل الإعلام أن تؤدي دوراً في التعريف بهذا الفن والعمل على انتشاره واستمراره.ما رأيك في الأجيال الجديدة من الفنانين؟القليل منهم فحسب متأثّر بالتراث الشعبي، لكن ثمة عدد كبير بينهم يجنح الى التجريد ويحاول البعض تحقيق مكاسب مالية سريعة من أعمال مليئة بالعبث والإسفاف.ماذا عن ابنك الفنان يحيى دسوقي؟مهندس معماري يعشق الفن والطبيعة لكن للأسف لا يهتم بفن الباتيك وتختلف مفرداته عني. في الفترة الماضية، أقام معرضاً فنياً بعنوان «بهجة الزهور» وهو يرسم بالباستيل والألوان الزيتية.ماذا جنيت من وراء فنّك؟السعادة والراحة النفسية وأي شيء آخر لا معنى له، فالمسألة ليست مادية في نظري إذ تمثّل كل لوحة لدي الحياة.أُنتج فيلمان عن فنّك وعلاقتك بالحارة الشعبية، حدّثنا عن هذه التجربة التوثيقية؟نُفّذ في عام 1982 الفيلم التسجيلي «فنان الباتيك علي دسوقي»، مدّته 20 دقيقة، من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية، سيناريو أحمد راشد وإخراجه، يتمحور حول رحلتي الفنية والحارة الشعبية ومراحل العمل في فن الباتيك. أما الفيلم الثاني فصدر عام 2002 بعنوان «بنات الغورية»، مدته 30 دقيقة، من إنتاج شركة «فرعون فيلم»، إخراج أحمد فؤاد درويش، ويستعرض العادات والتقاليد الشعبية وأجواء الحارة من خلال لوحاتي.أخيراً، كيف تنظر إلى لوحااك؟لوحاتي مثل أعمال بيرم التونسي في الشعر ونجيب محفوظ في الأدب وسيد درويش في الموسيقى، فأنا أحيا هذا العالم من خلال معايشتي يحيى حقي والبياتي ونجيب سرور ونازك الملائكة ورائد الأدب الشعبي د. عبدالحميد يونس.