أنبئوني بالرؤيا لعبد الفتاح كيليطو... سفر في عشق ألف ليلة وليلة
صدرت عن «دار الآداب» في بيروت الترجمة العربية لرواية «أنبئوني بالرؤيا» للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو، بترجمة عبد الرحمن الشرقاوي. يأتي هذا الإصدار في سياق اهتمام الباحث المعروف بكتاب «ألف ليلة وليلة» وبالأحلام والمنامات، وإذا كانت كتبه عن الليالي جاء أكثرها نوعاً من البحث المعمق أو الدراسة المتنوعة، ففي هذا الكتاب نوع من سفر في عشق الليالي من خلال سرد حكاية الحكاية .يبحث كيليطو دائماً عن مواضيع تسحر القارئ العربي والغربي، وشكلت أعماله، ومن بينها: «الأدب والغرابة»، «الحكاية والتأويل»، «الكتابة والتناسخ»، «الغائب»، «المقامات: السرد والأنساق الثقافية»، «لسان آدم» و{الخيط والإبرة» و{من شرفة ابن رشد» و{حصان نتشيه»، موضوع مقالات وتعليقات صحافية، كذلك نُقل بعضها إلى لغات من بينها الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والإيطالية.
في روايته الجديدة، يكتب كيليطو نصاً تختلط فيه أمور كثيرة وأفكار متعددة، هي انعكاس لمساره في الكتابة وتأويل الحكايات العربية والتراثية، فالرواية مفعمة بالذكريات والأحلام والتأمّلات، وعلى خلفية بحث الكاتب الثابت وعلاقته الحميمة والطويلة بكتاب «ألف ليلة وليلة» ورد إسم هذا الكتاب منذ السطر الأول في الرواية: «أحبّ القراءة في الفراش. عادة مكتسبة منذ الطفولة، لحظةَ اكتشاف «ألف ليلة وليلة».بينما يرى البعض أن «الليالي» هي بمثابة «ديوان القصص الشعبية باللغة العربية»، يذهب كيليطو الى القول إن «كتاب ألف ليلة وليلة أحد الكتب التي تصاحب القارئ طوال حياته، يقرأه طفلاً ثم يافعاً وبالغاً ويؤثر فيه عميقاً وإليه يعود دائماً»، وهو يستعمله ذريعة للكتابة والقص والتأويل والسرد. يقول الراوي: «في داخل كل قارئ شهريار غافياً»، وفي هذا الإطار يقول المترجم على غلاف الرواية: «ألا يمكن القول كذلك: «في داخل كاتب شهرزاد غافية؟، فماذا لو كانت شهرزاد وشهريار، في الخيط الرفيع من الدم والقسوة والفن والخيال الذي يجمع بينهما، هما النموذج والنبض البعيد الحاضر في كل رواية وكل سرد؟ وماذا لو كانت ألف ليلة وليلة هي نغمة القرار في كل صوت من أصوات الرواة وهم ينغمون عالمهم الروائي؟ وماذا لو كان ما كتب من الروايات... ليس سوى تنويع على صوت شهرزاد الهامس بحكاياته في ليل بغداد؟». يضيف شرقاوي بأن «هذه الرواية يتشابك رواتها، وشخصياتها آتية إلينا من دائرة السحر التي خلقتها وتخلقها شهرزاد حتى لا ينقطع السرد ولا الكلام ولا الفن».يسعى كيليطو في روايته التأويلية إلى السفر بقرائه بين ثنايا الطرائف والنوادر المستلهمة من الحياة اليومية. في الفصل الثاني بعنوان «الجنون الثاني لشهريار»، يعود الكاتب إلى المغرب لنتعرّف إلى قصة طالب لامع يدعى إسماعيل كملو حضّر أطروحة حول خاتمة كتاب «ألف ليلة وليلة» تحت إشراف كيليطو، قلب فيها بلا رويّة، أسلوب العمل الجامعي المعهود، ذلك في الفترة التي كان كيليطو أصدر بحثه حول النوم، أو ليالي الأرق، في حكايات شهرزاد، ودخل في حالة اكتئابٍ تثبّت مقولةً أشار إليها في هذا البحث ومفادها أن هذه الحكايات قد تشكّل مصدر خطر أو ضرر لمَن يقرأها أو يصغي إليها حتى النهاية.في الفصل الثالث بعنوان «معادلة الصيني»، يعود كيليطو إلى الفترة التي سبقت سفره وهو شاب إلى أميركا، وهي فترة يقول إنه سكن خلالها في استوديو صغير (في فرنسا؟) ترك ساكنه السابق فيه كتاب رحلات ابن بطوطة ومقالات كثيرة مصوّرة، بينها مقالة لإسماعيل كملو حول حكاية مجهولة من كتاب «ألف ليلة وليلة». أما في الفصل الرابع والأخير بعنوان «رغبة تافهة في البقاء»، فينتقل كيليطو إلى الفترة التي كان يحضّر خلالها أطروحة الدكتوراه في المغرب حول كتاب «ألف ليلة وليلة»، ليروي قصّة (خيالية؟) مع صديقٍ يدعى عمر لوبارو لم يتردد في الافتراء عليه، بعدما نشر كيليطو ديوانه الشعري الأول باسمه، وفي الترويج لإشاعةٍ مفادها أن كيليطو هو الذي يعاني من حالة تعلّق مرضية به، ويحاول سرقة إنجازاته الشعرية. يمكن وصف رواية كيليطو بأنها رواية حول علاقة الكاتب بالرواية والكتب، أو أنها استمرار للقص الشهرزادي بطريقة الكتابة على نسق ماركيز الذي يقول «عشت» لأروي، فكيليطو يكتب ليحب الحكاية. من الروايةأحبّ القراءة في الفراش. عادة مكتسبة منذ الطفولة، لحظةَ اكتشاف «ألف ليلة وليلة».كنت أرقد في غرفة جدّتي، على أريكة موضوعة أسفل سريرها. أثناء مرض من أمراضي ـ لا بد أنه كان من الخطورة كي تتأبّد ذكراه عند الأسرة ـ كنت على الدوام غائصاً في رقادٍ سُباتيّ. وفي اللحظات القليلة التي أستردّ فيها وعيي، أسمع أصوات الزائرات المستخبرات عن حالي. ما إن أدرك أني موضوع همسهنّ حتى أغوص ثانية في النوم.عندما أخذت في التعافي، رفعن من صوتهنّ وتكلّمن عن هذا وذاك من الأشياء. لم أعد محور أحاديثهنّ. تكدّرتُ لذلك، فأخذت أتحسّر على المرض، لكن لا جدوى من التصنّع، كنت أعرف بالتجربة أن جدّتي لا تنخدع أبداً بأكاذيبي. وفي العمق، ما كنت بحاجة إلى المراوغة، فما زلت واهناً وانتكاسة قد تطرأ في كلّ لحظة.في هذا الظرف جذب انتباهي كتابٌ موضوع بالقرب منّي، «ألف ليلة وليلة»، في طبعة بيروت، المسمّاة أيضاً بالكاثوليكية. ماذا كان يصنع في بيت لا يهتمّ فيه أحد بالأدب؟ من الذي جعله قريباً من أريكتي، في متناول يدي؟ من الظاهر أن إحدى الزائرات قد نسيته ولم ترجع لاسترداده، لذا ظلّ قرب فراشي طوال نقاهتي. كنت أجهل ذاك الوقت أن الفقرات الجنسية قد استُبعدت منه بعناية، لكن لم ينل ذلك من قوّة الحكايات وظلّ جانبها الفاضح كاملاً. وإلاّ لماذا انتابني شعور مبهم بأنه لا ينبغي لي أن أقرأه؟ إذا ما دخل شخص إلى الغرفة، أخفيه تحت الأغطية، لا سيّما إذا كان والدي. هكذا كنت إذاً أتصدى للقراءة، للأدب، تحت شارة المرض والإثم. ذلك كان الكتاب الأوّل الذي حاولت قراءته، الكتاب العربيّ الأوّل، الكتاب الأوّل بلا زيادة.كنت أقرأ في الفراش، على ضوء النهار… نقيض شهرزاد التي تروي في الليل وتسكت في الصباح. كنت بقطعي القراءة في المساء، أخالف إشارتها الضمنية وأعكس نظام الأشياء.والحال أني بقدر ما كنت أقرأ ويمضي الوقت، تتحسّن حالي. وعندما بلغت الصفحة الأخيرة، شُفيت تماماً. وكأن للأدب فضيلة علاجية. فإن لم يكن يشفي أمراض البدن، فهو يسكّن آلام النفس، هذه إحدى ثيمات كتاب «الليالي». أميل إلى الظن أنني استعدت الصحة بفضل شفاعته؛ بفضلها هي أيضاً، الزائرة الغامضة التي نسيته عند رأس فراشي.