رجاء بن سلامة: العلمانية أرضية صلبة لتعايش جميع المذاهب

نشر في 16-12-2010 | 00:01
آخر تحديث 16-12-2010 | 00:01
No Image Caption
حاضرت في مركز الحوار للثقافة (تنوير)
قدّمت الباحثة التونسية د. رجاء بن سلامة محاضرة في مركز الحوار الثقافي (تنوير)، إحياءً لذكرى التنوير السنوية التي يقيمها المركز كعادته في مجال نشر الوعي والثقافة في المجتمع، وقد أدار الندوة د. فيصل الصايغ.

في مستهل الأمسية قدم د. فيصل الصايغ نبذة مختصرة لمفهوم العلمانية للحضور، موضحاً أن المصطلح يرتبط في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بالكثير من التشويش واللغط وسوء الفهم لأسباب كثيرة، مستخلصاً تعريفاً مبسطاً للعلمانية بأنها فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة وعن الدولة وعن الحياة العامة، وعدم إجبار الأقليات في أي مجتمع على اعتناق رأي ودين أو اتباع موروث الأكثرية، كما أكد أن العلمانية تعطي تفسيرا ماديا للكون والحياة بعيداً عن الميتافيزيقيا.

العلمانية والسياسة

وفي إطار قريب إلى حدٍّ ما من عنوان الندوة "العلمانية خارج دائرة الشبهات"، أكدت الباحثة د. رجاء بن سلامة أنها تحب تجنب مفهوم السلطة الدينية، مشيرةً إلى أن العلمانية تندرج في المستوى السياسي وهي لا تعني تدبير الدولة بل استنتاجها، فالمثقف بدوره معني بالسياسة على نحو مخصوص رغم أنه لا يمارسها، لكن باستطاعته ان يتخذ قرار ممارسة السياسية لكنه بحسب ما جاءت به سيغادر إلى حين موقعه كمثقف، فهو معني بالسياسة لأنه مساهم في إعطاء محتوى اخلاقي للدولة والسياسة، وأن العلمانية تندرج في المستوى السياسي فهي لا تعني تدبير الدولة، بل تذهب إلى معنى أعمق وهو الرابط الاجتماعي والبعد الأساسي للواقع، فهي ليست إيديولوجيا بل هي إطار خاوٍ يسمح بتعايش كل الإيديولوجيات، فالعلمانية التي تريد فرض معتقد ما ليست بعلمانية كما ذكرت المحاضرة، مشددةً على ان العلمانية خلافاً لما يشاع لا يمكن أن تكون حليفةً للاستبداد، انطلاقاً من مثال عربي جزئي هو بعض الأنظمة البعثية في بدايتها، مؤكدةً أن الاستبداد السياسي ليس علمانياً في جوهره لأنه يفرض عقيدة ما وإيديولوجيا ما على الجميع ولا يقبل التعدد وبمبدأ صمت الدولة وحيادها من الناحية العقائدية.  

العلمانية والدين

وعن مبدأ العلمانية والدين، أكدت بن سلامة أن التخلي عن الحجج الدينية في المجمل يعني أننا نتكلم كبشر خطّائين، كلامنا قابل للنقد، مشيرة إلى ان هذا المنطلق يفتح باب الحوار، وتجنب كل ما يوقف الحوار باسم سلطة فوق كل حوار وفوق كل حوار بشري، ومنها تجنب الكلام باسم الإله او القول الإلهي في وضعية تلفظ هي بشرية في الضرورة ومنها التفريق بين القول والمقول ووضعية التلفظ، لأن هذه التميّزات التي نجدها في اللسانيات الحديثة تساعدنا في افتكاك الحقيقة ممّن يدعون امتلاكها، فبحسب ما جاءت به أن لا احد يمكن ان يمتلك القول الفصل او التأويل الوحيد والنهائي لكل قول إلهي.

سوء فهم

وأضافت الباحثة أن هناك سوء فهم للعلمانية سواء كان متعمداً أو غير متعمد، وهو المتمثل في إشاعة أنها مناهضة للدين، فالعلمانية والدين ليسا من نفس القبيل، فالعلمانية مبدأ لتنظيم حياة المجتمع فهو لا يلغي الدين باعتباره حياة روحية تخص الأفراد أو المجموعات، فالعلمانية ليست مذهباً بقدر ما هي فضاء يستوعب جميع المذاهب، وهي بذلك اطار فارغ بمنزلة ارضية صلبة وضرورية لتعايش كل المذاهب وكل الأديان والمعتقدات، فهذا هو تعريف العلمانية في النصف الثاني من القرن العشرين وفي بداية القرن الحادي والعشرين.

يُذكر أن د. رجاء بن سلامة متخصصة في العلمانية وباحثة تونسية مقيمة في القاهرة ولدت في تونس، وحصلت على شهادة استاذية اللغة والآداب والحضارة العربية في عام 1985 من دار المعلمين العليا في تونس، كما حصلت على شهادة اللغة والآداب للحضارة العربية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تونس عام 1988، من ثم على شهادة الدكتوراه في الدولة والحضارة العربية بأطروحة عنوانها "العشق والكتابة"، كما درست التحليل النفسي في تونس وفرنسا وهي احد الأعضاء المؤسسين لجمعية بيان الحريات في فرنسا والجمعية الثقافية التنوسية للدفاع عن العلمانية، وحالياً تعمل الدكتورة كمحللة نفسية ورئيسة تحرير لمجلة الأوان، لها الكثير من المؤلفات القيّمة أهمها "صمت البيان" و" العشق والكتابة"، وغيرها.

أقوال موجزة

- الفصل بين السياسة والدين لا يهدف إلى تجنب العنف والصراع الدامي بين المختلفين، بل إلى تجنب العنف الهادئ المرئي، فالعلمانية تحمي من العنف بين المختلفين.

- الإنسان لا يخلو من التوق والشوق إلى التغيير ومن الرهبة إلى التجاوز، فالإنسان حيوان يريد تجاوز ظروفه التاريخية، لكنه لا يستطيع القفز إلى هذه الظروف، فهو يشير إلى هذه الأفق انطلاقاً من الأرض وعيناه إلى السماء.

- العلمانية يمكن أن تساهم في الحماية من المقدس المتوحش، فماذا فعل المسلمون في الجزائر؟ ذبحوا الناس فهذا ما نسمية المقدس المتوحش.

- العلمانية ليست ضد الدين بل ضد الدين المتسلط، فهي بإيجاز تحمي البشر من التسلط الديني.

- الواقع متعلمن أساساً رغم الإنكار المتواصل لمبدأ العلمانية، فلولا العلمانية لما أمكننا التعايش، فالإنسان بطبعه ميال إلى العلمانية لأنه كائن يعيش في العالم.

- نقيض العلمنة أزمات تديّن إفراطي تظهر من حين إلى آخر،  لكنها استفحلت في عصرنا الحديث.

back to top