طوفان الرعب من الشرق: مسلمون أمام المغول 10 اجتياح أوروبا والصين

نشر في 08-09-2010 | 00:00
آخر تحديث 08-09-2010 | 00:00
مرّ عامان قبل أن يستفيق المغول من حزنهم على مؤسس إمبراطوريتهم، وفي ربيع 1229 انعقد المجلس الأعلى لأمراء المغول وتبادلوا وجهات النظر لاختيار زعيم جديد، وأجمعوا على أن يخلف أوكتاي والده جنكيز خان كما أوصى هذا الأخير قبل موته، وطبقاً لعادات المغول، أمر الخاقان الجديد بتقديم الأطعمة مدة ثلاثة أيام، ووزع الكنوز التي جمعها والده على إخوته وباقي الأمراء وكبار القادة، وما إن حلّ الصيف حتى زار الزعيم الجديد قبر والده وأقام هناك حفلا كبيراً، ذبح خلاله أربعين من أجمل الفتيات يرتدين أفخر الثياب المزينة بالجواهر وأربعين جواداً مطهماً قرباناً له.

تميز حكم أوكتاي، في بدايته، بشيء من الهدوء، وكان يثق بمستشار والده الحكيم بي لوتشوساي الذي نصحه بالتوقف عن إبادة البشر، واعترض على ما كان يقوم به سابوتاي وتولوي اللذان كانا يديران دفة الحرب ضد السونغ، وكان تولوي ينوي إبادة السكان البالغ عددهم قرابة المليونين.

لكن لم يدم هذا الهدوء طويلا، وعاد التأجج يشتعل في نفوس المغول بشكل حاد، فجهز أوكتاي جيشاً من 50 ألف مقاتل وأسند قيادته إلى جرماجون نويون (تذكره مصادر أخرى باسم شورماجون، أما كلمة نويون أو نوين فهي درجة عسكرية ينالها من يقود 100 ألف جندي فأكثر) للقضاء على ما تبقى من القوى الإسلامية، ولما وصل الجيش حدود خوارزم، طلب جرماجون المدد من أمراء المغول وحكامهم، فأمدوه بقوات تقدر بحوالى 100 ألف جندي، عبر هذا الجيش خراسان ومنها زحف نحو الأقاليم الغربية فاستعاد الري وهمدان وما بينهما وقصد أذربيجان.

العصيان على جلال الدين

بعد واقعة الغلام قلج، هجر جلال الدين المقرّبون منه، في مقدمهم وزيره وجمع من الحاشية السلطانية واتجهوا إلى حيزان، فأعاد الوزير إعمارها وجاهر بعصيان جلال الدين وراسل الملوك الذين نالهم من عداوات السلطان، مبدياً استعداده لخدمتهم وواصفاً مولاه بالظلم والخذلان، وقد تمادى الوزير إلى درجة أنه قبض على أتباع جلال الدين الذين عبروا حدود قلعته وسلب أموالهم، وراسل حسام الدين قلج أرسلان، أكبر أمراء التركمان، وطلب منه أن يستحوذ على ما عنده من حريم السلطان وخزائنه ولا يعيدها حتى لو حضر إليه السلطان بنفسه، ولما علم جلال الدين بما يفعله وزيره أرسل إليه الرسل وخدعه واحتال عليه حتى عاد إليه ثم قتله.

عندما علم جلال الدين بدخول المغول أذربيجان، شعر بالخطر الشديد والضعف فاستفاق من سباته وغفوته، لكن بعد فوات الأوان، وراسل إلى سلاطين المسلمين يطلب منهم الإمدادات ويدعوهم لنجدته والوقوف معه في وجه أعداء الإسلام، لكن لم يستجب له أحد وتركوه يواجه بمفرده مصيره المحتوم وكان البعض يتشفى فيه.

أما الأمير أوزبك بن البهلوان، حاكم أذربيجان، فكبلته عبوديته للشهوات وصرفته عن التفكير أصلاً في التصدي للمغول.

لما سقطت أذربيجان، تحرّك جلال الدين بجيشه وكان يناوش المغول مناوشات خفيفة، وعند موضع في أعالي نهر دجلة خاض جلال الدين معركته الأخيرة ضد المغول، انتهت بهزيمته هزيمة فادحة، على أثرها تشتت جيشه لكنه تمكن من الفرار من ساحة المعركة.

في اليوم التالي توجه جلال الدين إلى سهل موجان المجاور للساحل الغربي لبحر قزوين، وبعد خمسة أيام من إقامته هناك لحق به المغول، فترك المكان ورحل إلى منطقة أخرى، فعاد المغول إلى قائدهم جورماجون وكفوا عن مطاردته، لكن القائد المغولي عنفهم بشدة وكلّف مجموعة مؤلفة من الأمراء والأعيان وجماعة من الترك مع كتيبة عسكرية قوية لتقفي أثر جلال الدين أينما وجد، وشدد على ضرورة الوصول إليه وعدم الرجوع من دونه.

مقتل جلال الدين

قضى السلطان شتاء 1231 متنقلا في مناطق غرب بحر قزوين ومنها اتجه نحو آمد في أعالي نهر دجلة، فاستقبله واليها وأكرمه وأخفاه عنده، وبدلا من أن يتقرب السلطان إلى الله تعالى ويسأله النجاة والخروج مما هو فيه، بخاصة أن ثمة من يجدّ في البحث عنه لقتله، انغمس جلال الدين في الملذات، فكأنما كان فاقداً للإدراك لا يعي حقيقة ما يحيق به وبالأمة الإسلامية كلها.

ظل المغول يجدّون في أثره، حتى اهتدوا إلى مكانه ووصلوا إليه وهو نائم، وكادوا يمسكون به لولا أن أيقظه حرسه في الوقت المناسب، وتمكّن من الفرار هو ومن معه، ودارت معارك بين الطرفين انتهت بمقتل الكثير من رجال جلال الدين وتفرق الباقي في الأمصار، فمنهم من اتجه إلى حرّان ومنهم من قصد نصيبين ومنهم من دخل الموصل، واختار بعضهم العمل كجنود مرتزقة عند سلاجقة الروم.

أما جلال الدين فظلّ يتنقل متخفياً من مكان إلى آخر حتى دخل جبال الأكراد وكان عليه من الجواهر ما يلفت النظر، فاعترضه قطاع الطرق وسلبوا كل ما معه، وحين هموا بقتله صاح في كبيرهم أن ينتظر، وانتحى به جانباً وقال له بصوت خافت: «أنا السلطان جلال الدين، ولك الخيار في إحضاري عند الملك شهاب الدين فيغنيك، أو إيصالي إلى بعض بلادي فتصير ملكاً».

طمع الرجل في الملك وقرر إيصاله إلى بلاده ومشى به إلى عشيرته، وتركه عند زوجته ومضى إلى الجبل لإحضار خيله، في تلك الأثناء مرّ فلاح كردي وبيده حربة، فقال للمرأة: «ما هذا الخوارزمي وهلا تقتلونه؟» فقالت المرأة: «لا سبيل إلى ذلك وقد أمنه زوجي لأنه السلطان»، فقال للمرأة: «كيف تصدقون أنه السلطان؟» ثم ضربه بالحربة ضربة واحدة أردته قتيلا.

وفي رواية أخرى أن فلاحاً كردياً التقاه واندهش مما عليه من ذهب وجواهر، فقال له جلال الدين: «أنا السلطان جلال الدين»، وكان هذا الفلاح قد قتل له شقيق على يد الخوارزميين في خلاط ويدفن في نفسه كرهاً شديداً لسلطانهم لما سمعه عنهم، فدعاه إلى بيته وقدم له الطعام، وبعدما خلد السلطان إلى النوم قتله هذا الفلاح بواسطة فأس، وكان ذلك يوم الجمعة 15 شوال سنة 628 هـ، الموافق 15 أغسطس سنة 1231.

حكم الصليبيين

في تلك الحقبة الزمنية، كانت الأمّة الإسلامية تمرّ بمنعطف خطير يهدد وجودها، إذ تكالبت عليها القوى الأجنبية من كل جانب، فالمغول في المشرق يبيدون الملايين ويفنون مدن الإسلام وحضارته، والصليبيون في الأندلس يفعلون بالمسلمين الشيء نفسه الذي يفعله المغول، وبدأت دولتهم تتداعى، وفي قلب الأمة كانت مصر والشام تتعرضان للغزو الصليبي وتتداعى المدن الإسلامية أمامه.

كانت عكا تحت حكم الصليبيين ويجلس على عرشها، بالوراثة، الملكة ماريا وزوجها يوحنا برين الذي كان ملكاً على الصليبيين في فلسطين منذ العام 1210، فراسل برين البابا إنوسنت الثالث وطلب منه أن يدعو لحملة عسكرية جديدة على مصر، فلبى البابا طلبه ودعا الغرب الأوروبي لتجهيز حملة جديدة، لكن هذا الأخير توفي عام 1216 وخلفه على العرش البابوي هونريوس الثالث، الذي تابع الدعوة لتجهيز الحملة الصليبية الخامسة على مصر خصوصاً.

وصلت قوات الحملة بحراً إلى عكا في أوائل نوفمبر 1217، فشنّ الصليبيون هجوماً مباغتاً من عكا على مصر بجيش جرار لم تشهد بلاد الشام مثيلا له منذ الحملة الثالثة، إلا أن الفوضى التي عمّت قيادة الجيش الصليبي الضخم جعلته عاجزاً عن القيام بأي عمليات عسكرية حقيقية، فعاد إلى أسوار عكا وحصونها ليحتمي بها وظلّ ساكناً حتى أبريل (نيسان) 1218، حيث وفدت قيادات وحشود عسكرية جديدة من أوروبا، فقرر مجلس الحرب الصليبي الذي اجتمع في عكا مهاجمة دمياط.

سقوط دمياط

وصلت القوات الصليبية إلى سواحل دمياط في مايو (أيار) 1218، وكان قد جلس على عرش مصر والشام الملك الكامل محمد بن أحمد الأيوبي (1218 - 1238)، وهو أول من سكن القلعة التي شرع في بنائها صلاح الدين الأيوبي، وأقام الصليبيون معسكرهم في دمياط وأحاطوه بخندق يمنع المصريين من الوصول إليهم، وظلوا على هذه الحال أشهراً.

يقول ابن تغري بردي في الجزء السادس من النجوم الزاهرة:

«في شعبان سنة 616 هـ الموافق أكتوبر 1219م أخذ الفرنج دمياط، وكان المعظم (شقيق الملك الكامل واسمه عيسى بن أحمد وكان حاكماً على الشام) قد جهز إليها الناهض ابن الجرخي في خمسمائة رجل، فهجموا على الخنادق، فقتل ابن الجرخي ومن كان معه، وصفوا رؤوس القتلى على الخنادق، وضعف أهل دمياط وأكلوا الميتات، وعجز الملك الكامل عن نصرتهم، ووقع فيهم الوباء والفناء، فراسلوا الفرنج على أن يسلموا إليهم البلد ويخرجوا منه بأموالهم وأولادهم، واجتمعوا وحلفوهم على ذلك، فركبوا في المراكب وزحفوا في البر والبحر، وفتح لهم أهل دمياط الأبواب، فدخلوا ورفعوا أعلامهم على السور، وغدروا بأهل دمياط... وبكى الكامل والمعظم بكاء شديداً، ثم تأخر العساكر عن تلك المنزلة، ثم قال الكامل لأخيه المعظم: قد فات المطلوب، وجرى المقدر بما هو كائن، وما في مقامك ها هنا فائدة، والمصلحة أن تنزل إلى الشام، تستجلب العساكر من بلاد الشرق».

سقطت دمياط في يد الصليبيين وفعلوا بها كما فعل المغول ببلدان الإسلام في ما وراء النهر، وتركها الملك الكامل وعاد إلى القاهرة، ولم يجد هذا الأخير من حلّ لتخليص دمياط من أيدى الصليبيين سوى التفاوض معهم على أن يترك لهم بيت المقدس، التي حررها صلاح الدين وتمثل القبلة الأولى وثالث الحرمين.

أرسل الملك الكامل إلى الصليبيين يطلب منهم الجلاء عن دمياط، مقابل تنازله عن بيت المقدس ووسط فلسطين والجليل ودفع جزية لهم عن الحصون التي تبقى في أيدي المصريين.

كان العرض وما رافقه من عار وخذلان، يعدّ بكل المقاييس مغرياً للصليبيين، لذا لم يتوقع أحد أن يرفضه هؤلاء، كان مندوب البابا، الذي رافق الحملة، يرمي إلى القاهرة بعد دمياط، لأن سقوط مصر يعني بالنسبة إليهم سقوط الشرق الإسلامي كله، وقد أراد الأمراء الإيطاليون في الحملة والممولون لها السيطرة على دمياط ليحكموا قبضتهم على التجارة في البحر المتوسط، من هنا رُفض عرض الملك الكامل. ثم استدعى الصليبيون إمدادات من أوروبا ليتمكنوا من الاستيلاء على القاهرة.

في الوقت نفسه وصلت الإمدادات من الشام إلى جيش مصر فزحف لمحاصرة الصليبيين قرب بحيرة المنزلة، ثم فاض النيل بشدة، ففتح المصريون السدود، وحولوا مياه الفيضان نحو معسكرات الصليبيين، فتدفقت عليهم المياه كالطوفان وأغرقت طرقاتهم ومعسكراتهم، في وقت كان الأهالي يخربون سفنهم ويستولون عليها، فانقضوا على البقية الباقية منهم يقتلون ويأسرون ما لا حصر له، فتقهقر الصليبيون عن دمياط عائدين إلى عكا يجرّون أذيال الهزيمة.

المغول مجدداً

بعد موت جنكيز خان - كما سبق أن ذكرنا - هدأت الأمور لمدة عامين، نجحت خلالهما أسرة كين في استرداد جزء كبير من مملكتها التي فتتها جنكيز خان، فلما خرج أوكتاي من هدوئه ونهض من غفوته، أرسل الجيوش المغولية عام 1229، في ثلاثة اتجاهات: جيش إلى بلاد المسلمين وآخر إلى أوروبا وثالث بقيادة أوكتاي نفسه إلى بلاد الصين.

اصطحب أوكتاي أخويه جفتاي وتولوي في حملته الضخمة على الصين، فعبروا سهل هوانغ هو، ثم استولوا على المدن الواقعة على حوض نهر واي ثم زحفوا نحو العاصمة، واتبعوا تكتيكاً مختلفاً، فقسموا أنفسهم إلى جيشين ليتمكنوا من تنفيذ «التولوغما» التي اشتهروا بها في معاركهم وهي الالتفاف حول جيش العدو.

هكذا استقلّ أوكتاي بجيش ضم معظم العناصر المقاتلة، فاستولى على مدينة تشونغ، ثم اجتاز النهر الأصفر وأغار على إقليم هونان من ناحية الشمال في فبراير 1232، بينما قاد تولوي جيشاً من 30 ألف جندي واتجه نحو الجنوب وبلغ هونان من الجنوب.

التقى الجيشان بعد أداء مهامهما عند كيون تشو وسط هونان، وعُهد إلى القائد المغولي المغوار سابوتاي مهمة فتح كاي فونغ فو عاصمة أسرة شين (الصين الشمالية)، ذات الحصون المنيعة والحامية الضخمة، فحاصرها وقتاً طويلاً واستبسلت حاميتها في الدفاع عنها لكنها في النهاية سقطت، وأعمل المغول السيف في السكان وكادوا أن يفنوها عن آخرها، لولا نصيحة الحكيم بي لوتشوساي لأوكتاي بعدم تدمير المدينة.

استمرت حروب المغول مع الصينيين قرابة خمسين عاماً وانتهت في عهد قوبيلاي حفيد جنكيز خان وشقيق هولاكو (وهما من أبناء تولوي)، إذ تمكن المغول من تدمير أسرة سونغ تماماً (1279).

غزو أوروبا

في عام 1235، انعقد مجلس القوريلتاي في قراقورم وقدّم التهاني لأوكتاي العائد من الصين بعدما حقق انتصارات رائعة، وتقرر في الاجتماع غزو أوروبا وأعلن أوكتاي تجهيز جيش يساوي في عدده الجيش الذي زحف به والده على العالم الإسلامي.

أسند أوكتاي قيادة الحملة الى الأمير باتو ابن شقيقه جوجي، يساعده أمراء الجيل الثالث أحفاد جنكيز خان، وتولى قيادة العمليات العسكرية قائدهم المحنك سابوتاي وكان قد تجاوز الستين من عمره.

بدأ الغزو المغولي لأوروبا في أواخر عام 1236، فاجتاحوا بلاد القبجاق والبلغار لتأمين سلامة مواصلاتهم وظهرهم على طول نهر الفولغا، دمر سابواتي مملكة البلغار بينما تحرّك منكو (ابن تولوي) على رأس جيش لكسر شوكة القبجاق المنتشرين في براري روسيا الجنوبية، فأعلن بعضهم الخضوع للمغول بينما هاجر البعض الآخر نحو هنغاريا (المجر) واستقر فيها، بعد ذلك فُتحت الطريق أمام المغول نحو الإمارات الروسية وعبرت جحافلهم نهر الفولغا في شتاء 1237 باتجاه مدينة فلاديمير عاصمة إمارة ريهنان الروسية (تبعد عن موسكو حوالى 200 كيلومتر)، ذات التحصينات المنيعة والدفاعات القوية.

سقطت المدينة عنوة في أيدي المغول في 14 فبراير 1238، ودارت في شوارعها مذابح رهيبة طالت كنائسها ومعابدها. أما المعركة الفاصلة فجرت وقائعها في مارس من العام نفسه على شاطىء نهر السيت، وتعرف تاريخياً باسم «معركة نهر السيت»، التي انتهت بمقتل الأمير يوري تحت سنابك الخيل.

بعد ذلك زحف المغول نحو موسكو، ولم تكن ذات أهمية آنذاك، فدخلوها في 8 فبراير (شباط) 1238 ونهبوها ثم دمروها، بعد ذلك سقطت مدن: يورييف، جاليش، بريسلاف، روستوف، ياروسلاف، تورزوك، إلى أن احتلوا كل روسيا على رغم مساحتها الشاسعة.

مضى عام 1239 من دون تحرّكات ملحوظة للمغول، لكن وجودهم الكثيف في المنطقة وما أحدثوه من خراب للبلاد وقتل للعباد بغير تمييز، كل ذلك أحدث اضطراباً واسعاً بين الشعوب وأجبر كثراً على الهجرة الجماعية غرباً، طلباً للأمن وخوفاً من المجازر البشرية التي يقوم بها المغول.

بحلول عام 1240، استأنف المغول زحفهم، فشقوا طريقهم نحو أوكرانيا وبدأوا عملياتهم التخريبية في مدينة تشيرنيكون ومنها انحدروا نحو العاصمة كييف ودخلوها كالوحوش الضارية وانتشروا في شوارعها وطرقاتها يقتلون كل نفس فيها، حتى أن جثث القتلى لم تجد من يدفنها وظلت ست سنوات حتى تحللت تماماً، وخلت كييف من أي أثر للحياة بعدما ملأت الجماجم والعظام الآدمية شوارعها.

نحو هنغاريا

بعد ذلك انتقل المغول إلى هنغاريا (المجر) التي تمثل أراضيها، بسهولها المنبسطة، قاعدة مناسبة للهجوم على دول غرب أوروبا، فوضع داهية الحرب سابوتاي خطة محكمة للانقضاض على أوروبا.

كانت مملكة المجر، على غرار الممالك الأوروبية، إقطاعية يجلس على عرشها الملك بيلا، لكنها كانت تشهد خلافات بين ورثة العرش وبين الأسرة المالكة وأصحاب الإقطاعيات الكبرى، ما جعلها تتخبّط بالفوضى عندما بدأ المغول الزحف نحو أوروبا.

علم الهنغاريون بالتهديد المغولي منذ عام 1229، عندما منح الملك أندرو حق اللجوء للفارين الروس، فأرسل له المغول يطلبون منه تسليمهم لكن المجريون رفضوا، وفي رواية أنهم قتلوا رسل المغول الأمر الذي عجل بغزو بلادهم، فأرسل المغول جواسيسهم الذين توغلوا داخل المدن وقطعت فرق الكشافة لديهم الدروب والأخاديد بين المفازات لاكتشاف الطرق ووضع علامات مميزة، كانت غالبا قرون المواشي التي يذبحونها ويأكلونها أثناء رحلاتهم.

في 11 أبريل (نيسان) 1241، دارت معركة «موهي»، إحدى أشهر المعارك في التاريخ الأوروبي، على أراضي قرية مجرية تحمل الاسم نفسه، وتعرف بـ معركة «نهر ساجو» أيضاً.

طبقا لخطة سابوتاي، بدأ المغول هجومهم من جبهتين مختلفتين وسقط المئات تحت ضراوة القتال، فجاء سابوتاي على رأس جيشه من الجنوب وفاجأ المجريين فارتبك جيشهم، وبحلول منتصف النهار تحوّل الجيش المجري إلى أشلاء ممزقة وتكوّمت جثث القتلى على طول جبهة القتال وعرضها، حتى قال البعض لم تكن معركة بل مذبحة للمجريين ومن معهم من الألمان والكروات والفرنسيين، بالإضافة إلى فرسان المعبد.

وعلى أثر هذه المعركة دخل المغول بهمجيتهم إلى بلاد المجر، ومارسوا هوايتهم في القتل والتخريب والحرق، فقتلوا نصف سكانها ودمروا نصف عمائرها ومبانيها وكنائسها ومعابدها، وفر ملك البلاد وأسرته نحو كرواتيا ملتمساً النجاة.

بعد دخول المغول إلى المجر واستيلائهم عليها، أصبحت أوروبا في متناول يدهم ولم تعد أي مدينة أو قرية بعيدة عنهم، فدبّ الذعر في أنحاء القارة وملأ الخوف قلوب سكانها، ودقّت كنائسها الأجراس واقيمت الصلوات والقداديس ليلا ونهاراً، طلباً من الله أن يقي أهلها شرّ المغول الذي بات محدقاً بهم ويقف على أبوابهم.

back to top