الأسرى... حكاية لم تُروَ (2)

نشر في 09-08-2010 | 00:01
آخر تحديث 09-08-2010 | 00:01
الجريدة• تحاور الأسيرين المحررين نوري العلي ونادر فرس... وتنشر رسومات للمعتقلين الكويتيين في سجنهم
الأسير نوري العلي:

• ما رأيتموه بالصور لم يكُن سوى مساعدات جاءتنا من اللجان الخيرية الكويتية بعد أشهر من الأسر

• المعتقل كان عبارة عن معسكر بطول 200 متر وعرض 150 متراً وفيه ثماني قاعات كل واحدة تضم 70 أسيراً

• كان أكبر هواجسنا خلال الأسر ندرة الأخبار وصعوبة الحصول عليها وتنظيم أمورنا كان مثالاً يُحتذى به

الأسير نادر فرس:

• ظروف الأسر كانت قاسية من جهة المأكل وأبسط متطلبات الحياة

• جسَّدت من خلال رسوماتي كل المواقف والأحداث التي مررت بها خلال تجربة الأسر

• هناك العديد من الشخصيات التي كان لها عظيم الأثر لجهودها في تخفيف معاناة الأسرى وإيصال المساعدات إليهم

غاصت «الجريدة» في تجربتَي الأسيرين نوري العلي ونادر فرس منذ لحظة أسرهما حتى تحريرهما.

يقول نوري العلي: كنت أسكن في بيت والدي بضاحية عبدالله السالم، وفي أحد الأيام صحوت باكراً على صوت انفجار، وكنت قبلها بيوم قد تلقيت اتصالاً من مسؤول يطلب إليَّ الالتحاق بمكان عملي لأنه كان هناك استدعاء على وجه السرعة، وعندما استفسرت علمت أن الأحداث كانت حامية وقتها، وهناك حشود على حدود البصرة، مع أننا كنا نعلم أن الوضع متوتر، والموضوع أكبر ممّا كنا نتصوره، فما كان مني إلّا أن حزمت أغراضي وركبت سيارتي قاصداً المكان الذي حدده لي المسؤول، وفي الطريق كان الراديو يبث تحذيرات إلى الغزاة العراقيين ويأمرهم بالخروج من أرض الكويت، وصلت إلى قاعدة أحمد الجابر حيث مقر عملي، وفي برج المراقبة أخبروني أن هناك غارة جوية شُنَّت على مهبط الطائرات وألحقت به أضراراً جسيمة، وكان الهدف إعاقة الحركة، أي حركة طائراتنا العسكرية، مع الإشارة الى ان طيارينا كانوا أكفاء وفدائيين، لكن لم يكن في أيديهم أمر للرد أو المبادرة بالهجوم لأن ما حصل كان مفاجئاً، ورغم ذلك قمنا بما علينا ضمن الإمكانات الموجودة، وصمدنا في القاعدة يوماً كاملاً.

وفي فجر اليوم الثاني استنفدت إمكاناتنا وتعطلت الرادارات، وفجأة دخل علينا الجنود العراقيون وأسرونا، وكنا وقتها في غرفة العمليات.

وهناك أمر يجدر ذكره هنا، وهو أننا قبل أن نقع في الأسر، كنا قد ارسلنا الطائرات الى السعودية في منتصف الليل، في إطار خطة كانت معدة سلفا لهكذا حالات، قوامها الحفاظ على الطائرات والطيارين.

وبالعودة إلى عملية اسرنا، فقد أُسِرنا بالضبط في 3/8/1990 وكان الوقت عند الظهيرة، فتم اقتيادنا الى ساحة القاعدة التي كنت اعمل فيها، وخضعنا للتفتيش، ووقتها كان جنود الجيش العراقي وآلياته منتشرين بأعداد هائلة في كل أرجاء القاعدة (قاعدة أحمد الجابر)، ومنها اخذونا الى البصرة في العراق وسط جو حار وجاف، وكنا نطلب الماء ولكن ما من مجيب، وأثناء وجودنا في البصرة كنا نرى قوافل من السيارات الكويتية المسروقة وقد نُزِعت أرقامها، ومنها سيارات كثيرة محملة بالأدوات الصحية واثاث المنازل، متجهة الى مدن العراق.

وفي 4/8/1990 ارسلونا من البصرة الى بغداد بالقطار، وادخلونا معتقل الرشيد، وهو أشبه بالمدرسة وتحيط به منازل العراقيين الذين كانوا يشاهدون كل شيء من بيوتهم.

ومعتقل الرشيد في وسط بغداد عمره 150 عاما، بناه الإنكليز، وكان يوضع فيه ناشطون سياسيون واسرى ايرانيون، وهنا أذكر عندما التقينا الأسرى الايرانيين قالوا لنا: أنتم أدخلتمونا الى المعتقل والان نحن سنخرج وانتم ستدخلون مكاننا.

من جهته، يقول الأسير المحرر الفنان نادر الفرس: حتى هذه اللحظة، أي الاعتقال في معتقل الرشيد، كل ما حدث مع الأخ نوري العلي حدث معي، لاننا كنا معاً منذ لحظة الاسر في قاعدة جابر الأحمد حتى هذه اللحظة، اي وجودنا في معتقل الرشيد في 4-8-1990، ودعني أتشارك مع الأخ نادر في التذكر  وسرد الاحداث معاً.

أقول: ظللنا معتقلين في معتقل الرشيد من 4/8/1990 حتى 27/8/1990، وكانت ظروف الاعتقال قاسية جدا لجهة المأكل والمشرب والحمامات وابسط متطلبات الحياة، حتى الحد الادنى منها، كنا 650 أسيراً وفي المعتقل ستة حمامات فقط والماء قليل جداً، ولك ان تتخيل سوء الأوضاع في ظل هكذا ظروف. كنا ننام على الارض وكنا طعامنا مقتصرا على القليل من العدس في وعاء يُسمّى "القصعة"، كانت الفوضى العارمة سيدة الموقف، وكنا شبه منقطعين عن الاخبار، أي اخبار ما يحدث خارج المعتقل.

وفي 26/8/1990 ارسلونا بالقطارات الى معتقل الموصل، ووصلنا الى هناك في 27/8/1990، وفي الموصل فوجئنا بالأهالي يهللون لنا، والحقيقة انهم كانوا يظنون أننا اسرى عراقيون، لانه في ذلك الوقت كان هناك تبادل بين الاسرى العراقيين والايرانيين.

في الموصل حيث سيكون مكان اعتقالنا، كان هناك أربع قلاع كبيرة، وامامها تم فرز الافراد عن الضباط، وكنا نحن الاسرى الكويتيين افرادا وضباطا بالمئات، فأدخلوا الضباط من الملازم حتى العميد الى احدى القلاع.

هنا يتدخل الأسير المحرر نوري العلي فيقول: المعتقل عبارة عن معسكر على شكل مربع بطول نحو 200 متر وعرض نحو 150 مترا، وفيه ثماني قاعات، فأدخلوا الى كل قاعة نحو 70 أسيرا، وفي احدى القاعات كنت انا والأخ نادر معا وكان معنا الأخ خالد الملا من البحرية، وكانت الفوضى عارمة. وفي اليوم الثاني نظمنا انفسنا في ظل قيادة تسلمها العقيد قيس الصالح ومعه العقيد فريد العنزي، وكان التنظيم بحيث ان ضباط القوة الجوية يكونون معا في قاعة واحدة، والقوة البحرية في قاعة واحدة والبرية والحرس الوطني في قاعة ... وهكذا، وهنا بدأت عمليات التنظيم والتنسيق في كل قاعة، فتم تقسيم ساكني كل قاعة وعددهم سبعون إلى سبع مجموعات، كل مجموعة تضم عشرة اشخاص وبحيث ان كل مجموعة تتولى التنظيف يوما، تليها المجموعة الاخرى... وهكذا دواليك.

وكذا الحال بالنسبة الى تسلم الطعام وغسل الاواني وترتيب القاعة.

هنا يتسلم الأسير المحرر الفنان نادر الفرس ناصية الحديث، فيقول:

إضافة الى ما ذكره الاخ نوري، اذكر اننا تسلمنا المطبخ من العراقيين وكذلك العيادة الطبية، إذ كان معنا ضابط طبيب وهو المقدم رياض حسين.

بقينا في الموصل من 28/8 لغاية 7/11/1990، ومن يومياتنا هناك انه كان لدينا راديو أو اثنان، ومن خلالهما كنا نعرف اخبار الكويت، واخترنا مندوبين اعلاميين لينقلوا ما نسمعه من خلال الراديو الى بقية الاسرى في القاعات الاخرى.

وأيضا كان العراقيون يحصون عددنا ثلاث مرات يوميا، وايضا كان هناك حدث مميز تمثل في اننا شهدنا اول زيارة لنا من احد الاخوة الكويتيين، وقد اعطانا ما كان في جيبه من الدنانير (نحو 2000).

كان عددنا نحن الأسرى الكويتيين بالضبط 638 اسيرا، وفي كل اسبوع تقريبا يُضاف الينا اسيران او ثلاثة من اخواننا الكويتيين، خصوصا الضباط، واذا اكتشف العراقيون انهم كانوا مع المقاومة الكويتية كانوا يعدمونهم، أما من كان يثبت انه لم يشارك في المقاومة فكان يُضَم الينا، ولم يخلُ الامر من عمليات تعذيب تعرض لها بعض الإخوة الأسرى، لاسيما التعذيب بالكهرباء، وقد تم اعدام 604 أسرى كويتيين.

وبعد فترة أصبح عددنا 680 أسيرا، أي اضيف الينا 42 أسيرا ضابطا، وحقيقة فقد نقلوا الينا آخر الاخبار من داخل الكويت.

وهنا أذكر حادثة مهمة كانت بمنزلة الرسالة منا نحن الأسرى الى اهالينا، وتتلخص في انه تم اسر احد الإخوة من عائلة المشعان مع شقيقه الصغير (عمره 10 سنوات)، وعندما جاؤوا بهما الى الموصل قرر العراقيون اعادة الصغير الى الكويت، وقبل أن يعيدوه سجل الأسرى الكويتيون أرقام هواتف أسرهم على دشداشته من الداخل، وقيل له عندما تصل الى الكويت اتصل بكل رقم وقل للمجيب ان صاحب الرقم مازال موجودا على قيد الحياة في المعتقل، وكانت تلك وسيلتنا الوحيدة لإخبار اهلنا اننا مازلنا احياء، ومن الارقام تم تحديد الموجودين في المعتقل بالاسماء، أما عن القلم الذي استخدمناه في الكتابة فهو من مخلفات الأسرى الإيرانيين.

ومن الأمور الطريفة التي حدثت معنا، ان الأخ نوري العلي وجد حقيبة من مخلفات الأسرى الايرانيين، فقصها وحولها الى لعبة الدامة التي كنا نتسلى بها بشكل دائم.

ويتابع نوري العلي سرد الأحداث، فيقول: حديقة المعتقل كان يزرع فيها بعض الخضار وكان العراقيون يبيعونها لنا، مع ان الاسرى الايرانيين هم من زرعها، مع الاشارة الى ان الايرانيين أُخرِجوا من المعتقل في 22-8-1990، وقد عرفنا ذلك من خلال كتاباتهم التي وجدناها على الجدران.

عموماً، كانت تجربتنا هناك مريرة وقاسية مع انها تحمل في طياتها الكثير من العِبر ولحظات التشارك في الألم والأمل والحلم.

الفنان نادر الفرس يضيف: ظلننا معتقلين في الموصل شهرين وعشرة ايام، وبالتحديد من 27-8 الى 7/11/1990، مع عدم نسيان أننا اعتقلنا في بغداد نحو ثلاثة اسابيع، وفي 6/11/1990 ليلاً اخذونا الى محطة القطار ليرسلونا الى معتقل في بعقوبة، وكنا نرتدي بيجامات صنعها أسرى عراقيون ووصلنا الى بعقوبة في 7/11/1990 وكان المعتقل بمنزلة خرابة، وبقينا في هذا المعتقل حتى ما بعد التحرير بشهر أي حتى 27/3/1990.

وفي هذا المعتقل جرت معنا احداث كثيرة أترك للأخ نوري المجال لسردها، وسأساعده في ذلك.

يقول نوري العلي: ما تفضل به الأخ نادر هو المختصر المفيد، أما التفاصيل وما أدراك ما التفاصيل فهي كثيرة وتمس صميم معاناتنا لجهة النوم والمأكل والمشرب وطرق التعامل معنا.... إلخ.

وفي هذا المعتقل أيضا قسمنا العمل فيما بيننا، لنؤمن الحد الادنى من الراحة والسكينة بعيدا عن فوضى المعتقلات، فالطعام الموزع لـ680 اسيرا بالكاد يكفي 100، وكان علينا تقسيمه بشكل عادل، وهنا لا يفوتني ان اذكر حالة الايثار التي اتصف بها الاسرى الكويتيون، فمثلا من كان يتناول الطعام كان يكتفي بالقليل الذي يكاد يسد الرمق ويترك للآخرين، لاسيما ذوي الاجسام الضخمة الذين يحتاجون طعاما اكثر، وايضا تكرست لدينا حالة فريدة من اللحمة بعيدا عن الطائفية والقبلية وغيرها من الامور التي باتت تنخر في عضد مجتمعنا بالوقت الحالي.

من جهته يشدد الفنان نادر الفرس على هذه النقطة ويكمل ما جرى فيقول: التنظيم الذي خلقناه في معقتل الموصل، ظللنا عليه في معتقل بعقوبة، مع الاشارة الى انه لم يكن هناك فرق بين المعتقلين لجهة الطعام الموزع وكمية المياه المخصصة والحمامات... إلخ.

ومع مرور الايام نقصت أوزاننا وظهرت إمارات التعب والارهاق على محيا كل منا، وكان جل ما يشغلنا هو ما يحدث في الكويت، إذ تتقاطع في اذهاننا اسئلة واستفسارات كثيرة عن احوال البلد، والاهل وهل سيكون الفرج قريبا أم أن مصيرنا ومصير البلد سيبقيان مجهولين؟! وهنا اشير الى انني ومن خلال رسوماتي تطرقت الى كل هذه المواقف والاحداث التي مررنا بها.

نعود الى ما كنا عليه، فمع بدايات شهر 12-1990 باتت احوال الطقس باردة جداً، وكان معنا ضباط مهندسون وقد ابتدعوا طريقة لتسخين الماء عن طريق الكهرباء لبث الدفء في اماكن الاحتجاز، مع خطورة الامر، وكانت نوافذ الاحتجاز مكسورة او مخلوعة فتسمح للبرد بالتغلغل فيها وبالتالي التغلغل في اجسادنا، وكانت حالتنا حالة.

وفي 25/11/1990 كانت أول زيارة لنا من شخصين أحدهما من عائلة الحداد والآخر من عائلة قبازرد، وقد أحضرا معهما فواكه وأجباناً كثيرة، سررنا بها والأهم أننا أرسلنا معهما رسائل إلى الأهل في الكويت.

وبعد ذلك بأسبوع فُتِحت الزيارات وكان الأهل قد تسلموا رسائلنا، فجاء الكثير منهم لزيارتنا بتاريخ 2/12/1990 كانت الزيارات مرتين في الأسبوع من العاشرة صباحا حتى الرابعة عصرا وفي مكان خارج المعتقل، عبارة عن صالة رياضية، يأخذوننا إليها فنجد الأهل الزائرين هناك، ولك أن تتخيل الأشياء التي كان يحضرها الاهل معهم، خيرات كثيرة، طعام، ملابس، احذية، راديوهات، وكاميرات... إلخ.

وعند هذه النقطة يتدخل الأخ نوري العلي ليشير إلى نقطة مهمة، فيقول: كان إدخال الراديو أو الكاميرا إلى المعتقل مخاطرة كبرى تستوجب تحقيقا في حال تم كشفها، لأن ذلك يشكل خطرا على أمن المعتقل من وجهة نظر العراقيين.

يعود الفنان نادر إلى الحديث فيقول: ظلت الزيارات مفتوحة حتى تاريخ 15/1/1991، وفي 17/1 حدثت الضربة، انفجارات في كل مكان وطائرات تجوب عباب السماء وأصواتها تبث الرعب وتقصف هنا وهناك، وكانت تلك بداية حرب التحرير وضرب العراق، وهنا اختلطت لدينا مشاعر الفرح بقرب التحرير والخوف من أن يُقصَف معتقلنا.

يقاطعه نوري العلي فيقول: قبل هذا وذاك لا تفوتني الإشارة إلى جهود الأخ الدكتور غانم النجار الذي كانت له أيادٍ بيضاء على جميع الأسرى، من خلال جهوده التي بذلها لإيصال المساعدات اليهم ونقل اخبار الأهل، ودوره المميز في تشكيل لجان الزيارات وتمكينها من زيارة الاسرى في المعتقل.

فللدكتور غانم وجميع اعضاء اللجان كل الشكر والتقدير وفضلهم علينا لا يُنسى، فهم ضحوا بأنفسهم وعرضوا حياتهم للخطر من أجل إيصال المساعدات من طعام وشراب وملبس إلينا، ونقل الاخبار منا والينا، وايضا اشير إلى أن الأدوات والأشياء التي تظهرها الصور التي التقطناها في المعتقل هي من الأهل ولجان الزيارات، لا من العراقيين.

وأذكر اننا خصصنا إحدى الغرف في المعتقل لوضع الطعام الزائد، الذي أحضرته لجان الزيارات وكنا نوزعه على الجميع وظل الأمر كذلك حتى تم تحريرنا.

وفي الحقيقة استطعنا ان نخفف مرارة الأسر بفضل تكاتفنا ومحبتنا بعضنا لبعض، ساعدنا في ذلك بعد الله تعالى، لجان الزيارات التي تحدّت الموت لإيصال ما نحتاج إليه وفضلها لن ننساه أبدا، وايضا زيارات الاهل وما يحضرونه، أما العراقيون فلم نحصل منهم على شيء باستثناء الطعام القليل واللباس المشقوق، ناهيك عن المعاملة السيئة والتجاهل والحرمان.

ونقطة أخرى أود الإشارة اليها، وهي الدور الذي لعبه الأخ الفنان نادر الفرس من خلال رسوماته التي ابتدعها في المعتقل والتي تصور واقع الحال الذي عايشناه، مع أن أدواته كانت قلم رصاص وأوراقا خلّفها الأسرى الايرانيون، وهنا تخطر في بالي فكرة أتمنى عليك والدكتور غانم النجار تبنّيها، وهي إقامة معرض أو متحف يضم رسومات ومقتنيات الاسرى المحررين، وأتمنى تحقيقها.

وعن ذلك يقول الفنان نادر الفرس: بدأت رسوماتي في معتقل الموصل على ورق دفتر مخطط تركه أحد الأسرى الايرانيين، وكانت تلك المرة الأولى التي أرسم فيها لوحة عن الاسر، ثم رسمت لوحة ثانية وثالثة ورابعة... وتوالت رسوماتي، رغم ان الادوات الاساسية غير متوافرة ورغم اننا لا نعرف مصيرنا.

وفي بعقوبة اختلفت الامور معي إذ أحضر لي زائرنا من عائلة الصايغ أوراقا وأقلاما خاصة بالرسم، فوجدت ضالّتي ورحت أرسم قدر ما أستطيع وكل لوحة تحكي قصة من قصص الأسرى في المعتقل، وخطرت في بالي فكرة استوحيتها من زيارتي سابقا لمعرض ومتحف لينيغراد في موسكو، إذ شاهدت هناك رسومات للجنود الروس من أيام الحرب، فقلت في نفسي لماذا لا أرسم وجوه الأسرى هنا، وفعلاً بت أرسم كل يوم وجهين أو ثلاثة "بورتريهات" وأنجزت رسومات وجوه 93 اسيرا وكنت أتمنى رسم الجميع، لكن الوقت لم يسعفني إذ تم تحريرنا قبل أن أنهي رسم وجوه جميع الأسرى.

هنا قررت تصوير وجوه البقية لأرسمها فيما بعد، لكن لم يتوافر لي سوى ثلاثة افلام تصوير، فصورت 90 وجها ولسوء الاضاءة حصلت على نحو 30 أو أكثر من الصور الواضحة، فرسمتها عندما عدت فبات لدي نحو 135 "بورتريهاً" لوجوه ضباط كانوا اسرى معنا، وقدمت هذه اللوحات إلى اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى والمفقودين.

وعن أصعب الأمور التي واجهها ضيفا الحوار أفادا بأنها تتمثل في التفكير بالكويت والاهل والمصير المنتظر، ولكن بعد رؤية الأهل عرفت الراحة النفسية طريقها إلى ضيفينا وبقية الاسرى المحررين.

أما عن تحرير الاسرى ومنهم ضيفانا، فقد أفادا بأنه بعد تحرير الكويت قصدت لجنة من الأمم المتحدة المعتقل وكان معها قائمة بأسماء الاسرى، كان ذلك في 27/2/1991 أي بعد يوم من التحرير في 26/2/1991، وأبلغونا أننا سنُسلَّم إلى لجنة الصليب الأحمر الدولي وكان ذلك في 13/3/1991، وبقينا في عهدة الصليب الاحمر حتى 27/3/1991، ثم أحضرنا إلى الكويت في 28/3/1991 عن طريق السعودية-منطقة عرعر (برا)، ثم بالطائرات.

back to top