المحادثات المباشرة ستفشل... فهل هذا ما تخطط له واشنطن؟

نشر في 01-09-2010 | 00:01
آخر تحديث 01-09-2010 | 00:01
قد تبدو محادثات أوباما المباشرة للوهلة الأولى خطوة «لتجميد» القضية الإسرائيلية - الفلسطينية: فقد عجز عن تأمين التقدم الذي وعد به، لذلك أصبح مرغماً على تقديم «عملية» صورية، تماماً كما حدث مع سلفه.
 Tony Karon يبدو ظهور أسلحة الدمار الشامل التي امتلكها صدام حسين في العراق فجأة أكثر احتمالاً من أن يتفق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس محمود عباس على شروط حل إقامة دولتين في واشنطن هذا الأسبوع، لكن هذا لا يعني أن المحادثات المباشرة التي ينظمها الرئيس باراك أوباما لا طائل فيها. على العكس، تشكّل هذه المحادثات لحظة الحقيقة، لا لإسرائيل أو الفلسطينيين، بل لأوباما الذي قد يولّد أزمة بإصراره على طرح نقاط اختلاف لا يمكن حلها بين الطرفين على الطاولة. ومن هنا ينشأ السؤال: كيف ستتصرف واشنطن عندما يعجز الإسرائيليون والفلسطينيون عن الاتفاق؟

لا شك في أن حل إقامة دولتين سيخفق، في حال تُرك مصيره معلقاً باتفاق طوعي بين قيادة فلسطينية لا تتمتع بنفوذ وقيادة إسرائيلية تنبع جذورها من معسكر الرفض التقليدي. تكشف استطلاعات الرأي أن الأغلبية من كلا الطرفين تدعم حل إقامة دولتين، إلا أن قليلين يظنون أنهم سيرون هذا الحل يتحول إلى حقيقة.

يذكر نتنياهو أنه لا نيته له في القبول بالحد الأدنى من شروط حل إقامة دولتين، كما حدده الإجماع الدولي (دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية تستند إلى حدود عام 1967، التي يمكن تعديلها بتبادل الأراضي). ومن المستبعد أن يبدل رأيه في واشنطن، خصوصاً أنه لا يتعرض لأي ضغوط في إسرائيل أو من الولايات المتحدة. ومن الضروري أن نتذكر في هذا الصدد أن المحادثات المباشرة لم تُعقد، لأن المحادثات غير المباشرة أدت إلى تقدم ملحوظ، بل ستُعقد لأن نتنياهو طالب بها.

يهدف القائد الإسرائيلي إلى المشاركة في عملية صنع السلام من دون أي قيد أو التزام. ولن يسهّل على عباس مواصلة المحادثات، فلن يحدّ مثلاً من عملية البناء الإسرائيلية في القدس الشرقية. فضلاً عن ذلك، لا يشكل اتفاق السلام هدفاً يقدره الإسرائيليون. فقد أوضح المسؤولون مراراً أنهم يعتقدون أن عباس أضعف من أن يضمن موافقة الفلسطينيين على أي صفقة. ويصب نتنياهو كل اهتمامه حالياً على إيران. ويعتبر تفاوضه مع عباس جزءاً من مناورة لإقناع واشنطن بمواجهة طهران، لا سبيلاً إلى عقد صفقة سلام.

أما عباس، فقد أوضح أنه سيذهب إلى واشنطن مخافة أن يخسر التمويل الأميركي الذي تحظى به إدارته. وهكذا أفهم الفلسطينيين بنجاح أن أي اتفاق سيُسفر عن هذه العملية (مع أن ذلك مستبعد) سيكون مفروضاً عليهم. حتى لو كان عباس نفسه ميالاً إلى القبول بكل ما يقدمه إليه نتنياهو (وهو ليس كذلك بالتأكيد)، يفتقر إلى السلطة السياسية لحمل الفلسطينيين على القبول به. فقد انتهت مدة ولايته كرئيس للسلطة الفلسطينية. وفي المرة الأخيرة التي شارك فيها الفلسطينيون في الانتخابات، فضلوا "حماس" على حركة "فتح". كذلك لا تحظى محادثات عباس مع نتنياهو إلا بدعم محدود داخل "فتح". وكي ينجح عباس في إنقاذ مسيرته السياسية، سيحاول البحث عن مخرج مبكر.

لا داعي لأن تحرك "حماس" ساكناً كي تقوّض هذه المحادثات. فهي واثقة من أن المحادثات ستفقد مصداقيتها في نظر الفلسطينيين، تماماً كما حدث مع جولات المحادثات السابقة.

صحيح أن إدارة أوباما أعربت عن قلة خبرة في تعاملها مع نتنياهو، ولكن لا يُعقل أن تكون ساذجة إلى حد التفكير في أن المحادثات المباشرة ستؤدي إلى اتفاق. لذلك ينشأ السؤال: كيف ستتصرف الولايات المتحدة إذا فشلت المحادثات (وهذا ما سيحدث على الأرجح)؟ كثر الحديث عن أن الولايات المتحدة ستطرح "اقتراحات لسد الفجوات" على الطاولة، في حال اقترب الطرفان من عقد اتفاق، إلا أنهما عجزا عن ردم الهوة التي تفصل بينهما. غير أن إنقاذ حل إقامة دولتين من الزوال يتطلب اليوم خطوات أكبر بكثير. فيجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لفرض صفقة ترتكز على الإجماع الدولي.

لم تتردد واشنطن يوماً في فرض طلبات مزعجة على الفلسطينيين، لكن فرض حل إقامة دولتين سيتطلب من أوباما تحمل العواقب السياسية المحلية للمواجهة مع إسرائيل... ويُظهر سجله حتى اليوم أن هذا مستبعد.

قد تبدو محادثات أوباما المباشرة للوهلة الأولى خطوة "لتجميد" القضية الإسرائيلية الفلسطينية: فقد عجز عن تأمين التقدم الذي وعد به، لذلك أصبح مرغماً على تقديم "عملية" صورية، تماماً كما حدث مع سلفه. لاشك في أن الديمقراطيين سيكونون قد تخطوا بعد سنة المعركة الانتخابية الصعبة في الكونغرس. لكن أوباما سيكون في خضم معركة إعادة انتخابه، ما يجعل تلك اللحظة غير ملائمة ألبتة لخوض صراع مع الإسرائيليين.

لكن الأهم يبقى أن الواقع قلما يلتزم شروط العملية الدبلوماسية وجداولها الزمنية. فيرتبط حل إقامة دولتين بقبول الفلسطينيين بتأسيس دولة في غزة والضفة الغربية بدلاً من العودة إلى الأراضي التي ضاعت في عام 1948. لكن إسرائيل تتحكم حالياً في 42 في المئة من أراضي الضفة الغربية، ويُقال إنها وطّنت قرابة النصف مليون مواطن هناك، فضلاً عن القدس الشرقية. وقد وُطّن نصف هذا العدد خلال سنوات أوسلو، حين كانت عملية السلام في أفضل مراحلها، بالإضافة إلى ذلك، لم تعد فكرة أن تُنهي إسرائيل احتلالها لتلك الأراضي كجزء من اتفاق سلام مقبولة في إسرائيل.

في الجانب الفلسطيني، لا تحمل محادثات عباس في واشنطن أي معنى لسكان السجن الضخم في غزة أو لأغلبية سكان الضفة الغربية. ومن المحتمل أن تشعل موجةً جديدةً من العنف في كلتا المنطقتين.

تكمن الأهمية الحقيقية لمحادثات هذا الأسبوع في مدلولها الرمزي: تبنّي الولايات المتحدة هذه القضية. غالباً ما تُردّد في واشنطن عبارة قديمة عن حل إقامة دولتين، عبارة يذكرها أحياناً مسؤولو إدارة أوباما، مفادها أن الولايات المتحدة "لا تستطيع أن ترغب في هذا الحل أكثر من الطرفين المعنيين". لكن هذه العملية التي ستنطلق هذا الأسبوع ستُثبت العكس، فإن لم تكن الولايات المتحدة مستعدة للانضمام إلى شركاء دوليين آخرين وفرض حل إقامة دولتين، فسيترأس أوباما مراسم دفنه، إذا جاز التعبير.

back to top