خذ وخل: الوحشي في لبنان!

نشر في 05-01-2011
آخر تحديث 05-01-2011 | 00:01
 سليمان الفهد • بداية أشير إلى أن «الوحشي» هنا هو: الكاتب الصحفي والروائي الصديق الحميم جداً «حمدي أبوجليّل» الذي يزور لبنان للمرة الثانية لتوقيع عقد مع دار الساقي لطباعة روايته الشهيرة «الفاعل» التي ترجمت إلى عدة لغات حية ومختصرة سواء! في زيارته الأولى لم يتح له التسكع ببيروت والصعلكة فيها، ربما لأن «دار الجديد» مولاة الدعوة والاستضافة شاءت حصره واعتقاله في فضائها كالبغل «الكديش» الحرون لا يريم! مع الاعتذار الشديد... للبغل طبعا! من هنا حين تزامن وجودنا معاً، اهتبلنا الفرصة لممارسة البحلقة في عناوين الإصدارات وغزلان شارع الحمرا، مع الحرص الشديد على عدم تجاوز «النظرة الأولى» التي هي من حقنا المشروع! وليسمح لي قارئي بأن أفتح قوساً للنم- جهاراً- في عين أخينا وولدنا «الحارة» والعياذ بالله!

والبلية أنه يعرف هذه «المزية» في عينيه الجسورتين «المفنجلتين» دوما! ولا يجد غضاضة في هذه المثلبة الخلقية التي لم يخترها! لكنه ما إن هبط مدرج مطار «رفيق الحريري» الدولي ببيروت حتى وأدت عينه الحارة، وانقشع عنها الضرر إياه! كيف؟! من قال لا أعلم فقد أفتى أو.. أفسـ...» بالإذن من عمنا «أبو النجوم» «أحمد فؤاد نجم» طال عمره المديد! وأعترف بأن هذه الخاطرة تنطوي على وصلة... «ردح» بواح، تتناغم مع صحافة الردح إياها.

• ولحسن حظ أم البنين أنها غادرت قبل وصوله إلى لبنان! لأنها مصابة برهاب و»فوبيا» عينه الحارة، فما إن يدلف سكننا بالقاهرة حتى تشرع في البسملة والحوقلة، واجترار المعوذات، وكل الآيات القرآنية والأذكار والأدعية الطاردة للعين! وقبل مجيئه تبادر بتبخير الشقة والدور العاشر إلى حد يخشى معها المرء ممارسة زار على إيقاع موسيقى «ناي صوفي» التي عزفت وسوقت في ألفية مولانا «جلال الدين الرومي» وقد راعني توجس «أبوجليل» وارتيابه في لذائذ المطبخ اللبناني الشهي! فحين دعوته لتناول طعام الإفطار في الفندق الذي أقيم به بمعية مولاتي أم الذراري، لم يشم من الروائح الشهية العابقة من البوفيه سوى رائحة الفول بس! وكلما اقترح عليه النادل تذوق «الكرواسان والكورن فلكس» شوّح بذراعيه ظانا أنهما يحيلان إلى ماركة عربيات «سيارات» أو عطور فرنسية!

أما الطامة الكبرى فتكمن في رفضه العارم، لتناول الكنافة بالجبنة، المحشورة بكعكة مطرزة بالسمسم، ومعجونة بالبهارات، وطابت بوقود الخشب في التنور أو الصاج! دعك من تقززه من العبد لله، وهو يفترس الكبة النية، وتوأمها الكبدة، المنعوتة لبنانيا بـ»السودة» التي بلع منها عدة قطع دون مضغ! ربما لأن بدو الفيوم ألفوا أكلها نيئة، وقد أخفقت بجدارة في حثه على ارتكاب فعلة تناول الأطعمة اللبنانية طوال إقامته الخاطفة، حقا إن الإنسان عدو لما يجهل، فصاحبنا يعي- نظريا على الأقل- أن السياحة اكتشاف ومعرفة ومغامرة ومقامرة وصعلكة في الناس وعاداتهم وتقاليدهم ومرابعهم وما إلى ذلك، لاسيما أنه قاص وروائي حري به إثراء روحه بالمعرفة بتبدياتها كافة.

ومثلنا الشعبي يقول: «اللي يذوق يعرف» لكن الفول «كلبش» صعلكته السياحية التي تليق به كواحد من أساطين «الصياعة» في وسط البلد بالقاهرة ولا فخر! ولو أن «أبا هشام» اطلع على رحلات أستاذنا «أنيس منصور» طال عمره الزمني الإبداعي؛ لأدرك أنه جبان رعديد حين يضاهي خشيته السالفة الذكر تجاه إقدام وشجاعة عم «أنيس» التي لم توفر طعاما غريبا «شاذا» لم تطعمه دون تردد البتة! ولعل التباين في موقف الاثنين يكمن في أن الأستاذ «أنيس منصور» قادم من مدينة «المنصورة» ذات السمت والسلوك الليبرالي المنفتح، بينما «أبو جليل» هبط إلى العاصمة المصرية بتراثه البدوي الفيومي العصي على التغيير! ما علينا «يصطفل» هو وشهيته الأصولية الصارمة، التي حرمته من لذائذ المائدة اللبنانية.

وآمل- أخيرا- ألا تظن حرمه المصون بأني أجبرته على الصيام لأنها ستجده نحيلا كـ»مانيكان» يليق به الانضمام إلى حشد الموديل عند المصمم «هاني البحيري».

والحق أني من المؤمنين بمقولة «إكرام النفس هواها» ومن هنا تركته على هواه «رايح جاي كعب داير» حول قدرة الفول. والخواطر بشأن أخينا «المتدهول» بلبنان موصولة بإذن فرد صمد.

back to top