مضاعفات خطيرة تواجه الاقتصاد الأميركي

نشر في 05-11-2010 | 00:01
آخر تحديث 05-11-2010 | 00:01
الأشخاص الذين صمموا بعناية عملية تحري الرهن العقاري صنعوا دون قصد فخاً مكلفاً، وما لم توافق الصناعة المالية الخاصة بالرهن على طريقة معقولة من أجل الخروج من هذا الفخ فإن الاقتصاد بأسره سيكون الضحية.
 Yves Smith في جلسة الاستماع التي عقدها الكونغرس الأميركي في الأسبوع الماضي, اعترف مسؤولو إدارة أوباما بأن عدم اليقين بشأن عمليات حبس الرهن العقاري يمكن أن يفضي إلى تأخير التعافي في سوق المنازل والإسكان. وعليه فإن المضاعفات بالنسبة إلى الاقتصاد جدية وخطيرة. وعلى سبيل المثال فإن صندوق النقد الدولي وجد أن استمرار معدلات البطالة العالية في الولايات المتحدة هو إلى حد كبير نتيجة عمليات حبس الرهن العقاري والرهونات المتدنية, وليس حصيلة الأسباب التي طرحت على نطاق واسع مثل عدم التوافق بين متطلبات الوظائف ومهارة العمال.

هذا الفصل من الأزمة المالية هو جرح ذاتي، والبنوك الكبرى ووكلاؤها عمدوا طوال سنوات إلى اختصار إجراءات التحري والتدقيق إزاء وثائق الرهن، وليس نتيجة عدم الانتباه الآني, ولكن مثل جزء من أسلوب يهدف إلى توفير المال وزيادة الأرباح، ويمكن مشاهدة النتيجة من خلال مجموعة واسعة من التقارير بشأن أخطاء حبس الرهن الهائلة، كتكرار حبس الرهن من جانب البنوك للمقترض ذاته, وتحاول البنوك الاستيلاء على منازل لأشخاص لم يسبق لهم قط أخذ رهن أو أنهم شرعوا في برنامج إعادة تمويل.

وتزعم البنوك أن تلك كانت مجرد حوادث غير مقصودة، ولكن لنفترض انك قمت أثناء تسديد فاتورة ودون أن تنتبه بتحرير شيك من بنك كنت أغلقت حسابك فيه, فإن أحداً لن يتعاطف كثيراً معك أو أن يقبل عذرك في أنك كنت على عجلة من أمرك, وأنك لم تكن تقصد القيام بذلك العمل, وأن المسألة كانت تقنية صرفة.

إن أكثر أعراض التسرع ظهرت في عملية حبس الرهن, غير أن الجذور تمتد إلى ما هو أعمق كثيراً. وكما تم توثيقه على نطاق واسع خلال الأسابيع الأخيرة فإن بضعة بنوك – بغية تسريع عمليات حبس الرهن– عمدت إلى تشغيل عمال من مستويات متدنية، بمن فيهم الحلاق والمراهق لتوقيع أو ختم مستندات على شكل شهادات خطية.

لم تكن تلك الوثائق ملائمة, نظراً لأن الشخص الذي يوقع شهادة خطية يشهد بأنه على معرفة شخصية بالأمور المعنية, وهذا مستحيل بشكل واضح لأن الشخص كان يوقع مئات المستندات في اليوم الواحد. ونتيجة لذلك عمد العديد من المؤسسات المالية إلى تجميد عمليات حبس الرهن في الكثير من الولايات, وبدأت وزارة العدل في الولايات الخمسين تحقيقات في هذا الشأن.

وعلى أي حال, فإن المشاكل في سوق تمحيص الرهن العقاري مضت إلى ما هو أبعد وأعمق من الخطوات الشكلية, وبدأت قبل وقت أبكر من عملية حبس الرهن.

وعندما انطلقت عمليات التحري الخاصة بالرهن العقاري في الثمانينيات من القرن الماضي, كانت العقود التي تحكم تلك الصفقات قد كتبت بصورة متأنية وحذرة من أجل تلبية الاعتبارات الفدرالية والولائية، وليس مجرد القوانين العقارية في الولاية. وشمل ذلك قانون التوافق التجاري في كل ولاية, الذي كان يحكم الصفقات "المضمونة" التي كانت تشتمل على ممتلكات مع وجود رهونات مقابلة وقانون صندوق الولاية, نظراً لأن القروض كانت تودع في صناديق استثمارية من أجل حماية المستثمرين، وعلى الجانب الفدرالي كان يتعين أن ترضي تلك الصفقات وكالات الأسهم وهيئة الدخل.

وقد عملت تلك العملية بصورة جيدة حتى عام 2004 على وجه التقريب, عندما انفجر حجم تلك الصفقات، ثم حطمت البنوك المتعطشة للرسوم ذلك المسار، وكانت واحدة من المشاكل معروفة تماماً: لم يعد الكثير من مؤسسات الإقراض يشعر بقلق إزاء نوعية القروض التي تقدمها نظراً لأنها إذا غدت معدومة فإن المستثمر في الأسهم سوف يعاني.

ويتمثل الفشل الثاني في كيفية الاندفاع نحو عملية التحري التي سحقت حقوق حماية الممتلكات التقليدية في الرهونات العقارية، وكانت الإجراءات المعنية تشترط توقيع كل قرض عدة مرات، وأن تكتمل خلال 90 يوماً.

وتشير الأدلة إلى تجاهل هذه المتطلبات إلى حد كبير، وقد لاحظ القضاة أن البنوك لا تستطيع أن تثبت حقها في حبس الرهن العقاري بالنسبة إلى الممتلكات التي دخلت ضمن أسهم. وتواجه البنوك تحديات في قضايا عديدة ولا تعمد إلى استئناف عملية حبس الرهن، ما يشير إلى أن الخطأ الذي ارتكبته يمضي إلى ما هو أبعد من مجرد إجراء روتيني بسيط.

ويطالب أصحاب المنازل التي خضعت لحبس الرهن عن حق وبصورة متزايدة بأن تثبت جهات الإقراض حق الصندوق الذي يحاول حبس الرهن في هذه الخطوة، وقد ضاعف مشاكل سوء معالجة القروض ما يعرف باسم نظام التسجيل الإلكتروني للرهن العقاري الذي وضعته البنوك, وعلى الرغم من أنه كان جيداً من الوجهة النظرية إلا انه يواجه وبصورة متزايدة تحديات قانونية.

قلق المستثمرين

وكنتيجة لذلك يشعر المستثمرون بقلق إزاء احتمال تعرض قيمة أسهمهم للانخفاض إذا بات من الصعب والمكلف القيام بعملية حبس للرهن. وتضع حالة عدم اليقين بدورها سحابة فوق قيمة الأسهم المعززة برهن عقاري, وهي أكبر فئة أصول في العالم.

وتبرز إلى النور أيضاً إساءات خطيرة أخرى، وعلى سبيل المثال قامت شركة تدعى "لندر بروسيسنغ سيرفيسيز" التي تعمل مثل وسيط لخدمات الرهن العقاري وتقول إنها تشرف على أكثر من نصف عمليات الرهن العقاري في الولايات المتحدة بعرض خدماتها من أجل مساعدة شركات المحاماة في مجال حبس الرهن ضمن شبكتها، كما قامت شركة فرعية تابعة لها بتقديم قائمة بالخدمات التي توفرها نظير رسوم محددة.

واشتملت القائمة على أسعار في مقابل توفير مستندات متعددة كان يتعين أن يملكها الصندوق صاحب القرض، كما عرضت الشركة المذكورة تكوين "ملف تضامني" يحتوي على كل المستندات اللازمة من أجل إقامة ملكية لقرض عقاري محدد، وإذا كنت مزوداً بمثل ذلك الملف التضامني فقد يكون في وسعك إقناع المحكمة بأن من حقك حبس رهن منزل حتى إذا لم تكن ملكت القرض على الإطلاق.

مستندات مفبركة

إن وجود سوق لمثل هذه الوثائق المختلقة لدى شركات المحاماة العاملة في مجال حبس الرهن العقاري يظهر مدى صعوبة إصلاح المشاكل التي أفرزتها أخطاء فورة الرهونات العقارية، وما من أحد سيلجأ إلى مثل هذا التصرف المريب لو توافرت له طريقة علاج أكثر سهولة.

ويبدو الآن أن البنوك إضافة إلى اللاعبين الآخرين في عملية التحري والتمحيص يتطلعون إلى الكونغرس من أجل اتخاذ إجراء يضع حداً لهذه المشكلة برمتها, وربما من خلال قانون يبعد عنهم المسؤولية القانونية عن سوء تصرفهم، غير أن أي خطوة تشريعية من هذا النوع ستنسف الكثير من قوانين الولاية المتعلقة بالعقارات والصناديق، فضلاً عن قانون التطابق التجاري، وستكون التحديات المبنية على أسس دستورية محتمة.

وسيتطلب التوجه إلى الكونغرس من أجل المساعدة أن تعترف البنوك بصورة ضمنية أنها خرقت بشكل روتيني عقودها وغالطت في تقديمها لبيانات المستثمرين إلى لجنة الأسهم والمبادلات. والسؤال الآن هو هل سيتجرأ الكونغرس على حماية البنوك من المقاضاة التي تستحقها تماماً، بينما تعمد تلك البنوك إلى استخدام كل خروج طفيف من جانب العميل عن العقد بغية تحصيل رسوم منه؟

ثمة بدائل أخرى. ويتمثل أحد الإجراءات التي ربما تحظى بدعم من جانب أصحاب المنازل والمستثمرين في الأسهم المعززة برهن عقاري، في عملية تعديل رئيسية تتعلق بالمقترضين المقتدرين, وهي شطب جزء من ديونهم وخفض دفعاتهم الشهرية. ويمكن لهذا أن يتحقق من خلال إجراء ولائي منسق أو جهد ولائي- فدرالي.

ومما لاشك فيه، فإن البنوك الكبيرة ستعرض هذه الفكرة, لأنها ستضطر إلى شطب الانكشاف في الرهن العقاري المدون في سجلاتها، غير أن عملية التعديل ستوقف فيضان عمليات حبس الرهن وتخفض من حالة عدم اليقين بشأن سوق المنازل وأسهم الرهن.

والأشخاص الذين صمموا بعناية عملية تحري الرهن العقاري قد صنعوا دون قصد فخاً مكلفاً, وما لم توافق الصناعة المالية الخاصة بالرهن على طريقة معقولة من أجل الخروج من هذا الفخ فإن الاقتصاد بأسره سيكون الضحية.

back to top