ليالي الأوسكار العربية

نشر في 09-03-2011
آخر تحديث 09-03-2011 | 00:00
 بدرية البشر انضمت الدكتورة بدرية البشر إلى كوكبة كتاب «الجريدة»، وتطل على القراء الأعزاء في مقال أسبوعي على الصفحة الأخيرة ابتداءً من اليوم.

والدكتورة بدرية، التي تحمل درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة اللبنانية، من الأديبات والإعلاميات السعوديات، ولها مساهمات أدبية كثيرة في كتابة القصة القصيرة.

«الجريدة» ترحب بالدكتورة بدرية التي ستكون إضافة إلى الصحيفة، متمنية لها مزيداً من التميز.

كنت أشاهد حفل توزيع الأوسكار 83، إذ وزعت فيه الجوائز على الأفلام الأميركية والدنماركية والكندية والبريطانية، وفاز فيه فيلم «خطاب الملك» بجائزة أفضل فيلم، وهو يحكي قصة ملك عانى تأتأة وعجزاً في التحدث بطلاقة، أسفر عنها صعوبة قراءته للخطاب الملكي الذي يحتاج إليه الشعب في المناسبات الحاسمة، ويكشف الفيلم أن الملك مثل كل البشر عانى مشاكل نفسية تسبب فيها اضطهاد عاناه في صغره ممن حوله، فالاضطهاد لا يشوه المواطنين فقط بل الرؤساء أيضاً.

الحقيقة أن هذا الحفل الباذخ بعروضه وأزيائه وموسيقاه وموضوعاته وتعدد جنسياته ونجومه بدا لي شديد الرفاهية مقارنة بالليالي الأوسكارية التي نعيشها نحن العرب هذه الأيام، بل يجعلك تشعر أمام هذا العالم الأول المشغول بصناعة سينما باذخة منذ ما يقارب القرن، بأننا نحن العرب لسنا بحاجة إلى صناعة أفلام مثل أفلام الأوسكار هذه، فلدينا أفلام نعيشها، ومهما اجتهدت السينما في محاكاتها فلن تصل إلى حجم الصدمة ولا الدهشة في الواقع الأرضي، ولعل آخر هذه الأفلام فيلم القذافي وشعبه الليبي المسحوق.

الأفلام العربية الوثائقية التي ستوفرها لنا ثورات هذه الأيام فيها كل ما نحتاج إليه ويغنينا، بدءاً بالنكتة والغناء والرقص وانتهاء بقصف الطائرات وقنص الرصاص، وبكائيات الموت والشهادة، وتستطيع أن تختم بالفيديو كليب الشهير الذي لقي رواجاً كبيراً، وشاهده في أيام نصف مليون عربي يغني فيه القذافي أغنية «زنقة زنقة دار دار»، لكنني أؤكد لكم أنه بعد رحيل القذافي وآخرين طبعاً، سنضطر إلى ملء الفراغ السينمائي، ونفكر في صناعة سينما حقيقية.

الأهم من فيلم خطاب الملك هو فيلم الشبكة الاجتماعية «ذا سوشال نيت وورك» الذي نال أكثر من جائزة، ليس بسبب قوته الفنية بل بسبب قصته التي تمسنا، والتي أعادت صنعنا في الحياة بينما صنعتها السينما الأميركية في فيلم، الفيلم يصور قصة شاب جامعي عبقري لكنه يعاني مشكلة الاندماج الاجتماعي ويتوق إليه، فيخترع موقعاً على شبكة الاتصال الفضائي ليكون نادياً للتجمع الطلابي، ويسمي هذا الموقع «فيس بوك» ينضم إليه كل شباب الجامعة التي يدرس فيها، حتى أصبح اليوم أكبر دولة في العالم وعدد أعضائها 500 مليون إنسان. الفيلم الذي نال جائزة الأوسكار للسيناريو المقتبس والموسيقى والمونتاج من الأكاديمية الفنية، لابد أنه هذه الأيام مرشح للحصول على جوائز عديدة من الشعب العربي، فمخترع الـ»فيس بوك»، الذي لم يكن يطمح حين فكر في تأسيسه إلا إلى مواعدة فتيات الجامعة، لم يكن يعرف أن هذا الـ»فيس بوك» هو الذي سيقود الثورات العربية، ويغير وجه العالم العربي، وأن شبابه لن يكتفوا بالبحث في فضاء الإنترنت عن مواعدة الفتيات فقط، بل سيعثرون فيه على آلية للتحرر من مظالم السلطات المستبدة، فتوصلوا عبره إلى إنكار المظالم والسرقات وقمع الحريات وأشكال الفساد المتعددة التي لم يقو جيل آبائهم على إنكارها. اكتشف الشباب العرب أنهم مجتمع كبير من الثائرين والطامحين إلى التغيير، فنظموا مظاهر احتجاجاتهم المليونية، وأعلنوا مطالب التغيير.

ترى هل هي مجرد تقنية أو موقع اسمه الفيس بوك هو الذي خلق هذه الوحدة الوطنية التي فشلت مناهج التعليم ووسائل التثقيف والعمل المدني في خلقها؟ أم أنها ثورة جيل وعقول وثقافة جديدة؟ هل هي آلية أم وعي جديد وأخلاق جديدة صنعتها تلك المشاهدات المستمرة للحيوات المجاورة التي تصنع فيها حضارة حقوق الإنسان والشفافية واحترام الحريات، بينما يسقطون هم في التخلف؟ هل هو الـ»فيس بوك» أم وعي عصر الـ»فيس بوك» الذي أوجد روابط الوصل، ونظم الصفوف، وأسقط الطغاة، حتى شاعت نكتة تقول إن موت الرؤساء لم يعد بواسطة الرصاص ولا بالسم لكن بواسطة «فيس بوك».

back to top