الأديب السوداني أمير تاج السر: الطيّب صالح أكرمني وصائد اليرقات ليست أهم أعمالي

نشر في 10-04-2011 | 00:00
آخر تحديث 10-04-2011 | 00:00
يعتبر الأديب السوداني أمير تاج السر أن الثورات العربية نتاج تراكمات طويلة من البؤس والفقر والتخلّف، معرباً عن رفضه الفوضى التي تواكب تلك الثورات، وقائلاً إن وطنه السودان لا يمكن أن يعيش منقسماً رغم أنه بحاجة الى معجزة ليظل وطناً واحداً. كذلك يشير إلى أهمية الجوائز الأدبية، نافياً أن تكون معياراً لتقييم الأدب.

عن روايته الأخيرة «تعاطف» ومشواره الأدبي وعلاقته بخاله الأديب السوداني الأشهر الطيّب صالح، أجرت «الجريدة» الحوار التالي مع تاج السر.

حدّثنا عن آخر أعمالك الروائية «تعاطف» التي قلت عنها إنك أرّخت فيها لثورتي تونس ومصر، على رغم قصر الفترة الزمنية التي تفصلنا عن الحدثين الكبيرين؟

«تعاطف» كنت قد بدأت كتابتها قبل أحداث تونس، وتتحدث عن رجل متعاطف، يتورط في مواقف غير ضرورية كثيرة لا يتورط فيه أحد غيره. إنه حارس بوابة في فندق، ويهمل وظيفته كثيراً بسبب ذلك التعاطف الذي أسميته مرضاً، وفي الرواية يصحب نزيلة إفريقية طُردت من الفندق بسبب شح الموارد.

تحدّثت في الرواية عن متغيرات كثيرة في عالمنا العربي، وصادف أن اشتعلت ثورتا تونس ومصر، ومن دون وعي مني ظهرت شخصيات تتحدث عن هذين الحدثين الكبيرين. كذلك، كتبت في النص فقرات عن انفصال جنوب السودان، وهو حدث مهم جداً، بمقاييس الأحداث الكبيرة الأخيرة.

ليست الرواية تأريخاً لحدث محدّد، وإنما طواف في المتغيرات، ورثاء لمبدأ التعاطف الذي نفتقده كثيراً هذه الأيام، فبعض الذين قرأوا «تعاطف» متأثرين بقراءتهم لـ{صائد اليرقات» أو «مهر الصياح»، لم ترقه المعالجة، لكن أقول إن كل نص يشكّل أجواءه الخاصة ويحمل فكرته التي ربما تروق للبعض، فيما لا تروق للبعض الآخر.

إلى أي مدى أفاد الشاعر الروائي بداخلك في كتابة هذه الرواية؟

بدأت شاعراً كما يعرف الجميع، ومعظم كتاب الرواية في هذا الزمان بدأوا شعراء، وبعضهم مثل صديقنا إبراهيم نصر الله، ما زال يمسك بحبال الشعر ويجيد تضفيرها. بالنسبة إلي، انقطعت عن الشعر باكراً، أعني الشعر البعيد عن السرد، لكن مع ذلك استمرّيت في كتابته داخل النصوص السردية، فاللغة الساردة فيها كثير من الشعر، إذ تجد قصائد كاملة أو أغاني ترد داخل رواياتي حين تقتضي الضرورة، بمعنى أن نصي السردي يمكن إحالة الكثير من جزيئياته إلى الشعر.

أقول صراحة إنني أحس بارتياح بكوني كاتباً، على الأقل أحاول أن أبتكر في مساحة كبيرة لا يتّسع لها صدر الشعر، علماً ان صديقي الشاعر الكبير محمد سليمان عاتبني مراراً لتوقّفي المبكر عن الشعر، وكنت تلميذه، لكن لم تكن لي يد في شيء.

يبرز في تاريخ الأدب العربي احتراف كثير من الأطباء الأدب، فما العلاقة التي تجمع بين الأمرين برأيك وأنت أحد الأطباء الأدباء؟

نظرياً، لا علاقة قريبة أو بعيدة بين الأدب والطب، فالأدب موهبة وثقافة، بينما الطب دراسة عادية كما الدراسات كافة، تحتاج إلى صبر وجهد.

لو حاولنا الربط لوجدنا عالماً غنياً ومتعدداً يمكن أن توفّره مهنة الطب للطبيب الموهوب أدبياً فحسب، لذلك تجد معظم الذين كانوا موهوبين وسط الأطباء، خصوصاً في الغرب، حيث تتوافر حياة سلسة للكاتب، قد ألقوا ممارسة الطب وراء ظهورهم وتفرّغوا للكتابة الأدبية.

شخصياً، لو كانت الكتابة في العالم العربي تمنحني حياة سلسة لما تردّدت في الالتفات أكثر إلى كتابتي وتطويرها، لكن ثمة زملاء أطباء - كتاب عرب، تركوا الطب نهائياً.

لا يختلف أحد على تأثر أدباء السودان بالطيب صالح، والذي تربطك به صلة قرابة، فكيف كانت طبيعة العلاقة بينكما وإلى أي مدى بلغ تأثّرك به؟

العلاقة بيني وبين الطيّب كانت علاقة قرابة خالصة، ونمت إلى صداقة حين اقتربت منه كثيراً. كان خالي مثل أبي، إذ ساعدني كثيراً في أموري الشخصية، لكني لم أتأثر به إطلاقاً وكتبت عن بيئة شرق السودان وعن المدن التي لم يكتب عنها الطيب.

كذلك لم يقدمني الطيب لا إلى القارئ ولا إلى الناشر، وأنا لم أطلب منه ذلك، بل كنت أفكر في مستقبل كتابتي وحدي، وأعي تماماً أن أي ورود لإسم الطيب على غلاف أحد كتبي، سيجعل الربط المخل الذي حدده أشخاص لم يقرأوني وربما لم يقرأوا الطيب أصلاً يزداد، لذلك والآن في هذه المرحلة التي أملك فيها طريقتي وقرائي، أستطيع أن أقول إن الطيب أكرمني كثيراً حين لم يذكرني لأحد.

وصلت روايتك «صائد اليرقات» إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» في آخر دورة لها، وهذا ما اعتبرته دليل نجاح للرواية، فهل يمكن اعتماد حصول الأعمال الإبداعية على الجوائز أو الترشّح لها معياراً لجودة الأدب؟ 

أبداً، وأنا قلت وما زلت أقول إن الحصول على جائزة لا يرفع كتاباً متهالكاً، وعدم الحصول عليها، لا يقمع نصاً ناجحاً، فـ{صائد اليرقات» استفادت من «البوكر» إعلامياً، وأصبحت بفضل ذلك أشهر أعمالي على رغم وجود أعمال أخرى مثل «مهر الصياح» و{توترات القبطي» و{زحف النمل»، أهم منها. هنا أقول إنه الحظ الذي يؤدي دوره أحياناً ليخدم نصاً ما.

محلّلون كثر اعتبروا انفصال الجنوب السوداني عن الشمال أمراً حتمياً، فهل تراه كذلك ولماذا؟

لماذا هو أمر حتمي؟ وهؤلاء الناس يعيشون منذ زمن في بلد واحد، يقتسمون خيره وشرّه، الأمر كلّه كان تشنّجاً من زعماء لم يقدّروا مصلحة الوطن، وسعوا إلى تفتيته، وكأني أرى صعاباً بلا حصر تواجه دولة الجنوب قبل تأسيسها الحقيقي، وكأني أرى عودة الوطن واحداً مجدداً.

وإلى أي مدى يمكننا القول إن مشكلات السودان الشقيق انتهت بهذا الانفصال بعد عقود من التناحر والحروب؟

من قال إن انفصال الجنوب قد حلّ معضلة السودان؟ السودان يحتاج إلى جهد كبير من أبنائه كي يحلّ جزءاً من مشاكله، فنحن بلد مترامي الأطراف، ومتعدّد الإثنيات، ونحتاج فعلاً إلى معجزة لنظل وطناً.

ماذا عن رؤيتك إلى مستقبل الأمة العربية في ضوء الثورات الشعبية التي شهدتها، ولا تزال، أكثر من دولة عربية؟

الثورات أو الاحتجاجات التي تسود عالمنا العربي، كانت بلا شك نتاج تراكمات طويلة من البؤس والفقر والتخلّف لدى تلك الشعوب. أرى أن الشعوب قد استيقظت لتطالب بحياتها، لكن في المقابل لا أؤيد الفوضى التي تواكب ذلك، المفترض أن يحافظ الناس على بلادهم، ويتمسكوا بالحقوق التي يحصلون عليها، ولا يسعون إلى التمزق.

القارئ لخارطة الإبداع العربي يلحظ غياباً أو تغييباً للمنتج الأدبي السوداني، فما تفسيرك لذلك؟

كان ذلك في الماضي، الآن ثمة إشعاع قوي للثقافة السودانية عربياً وعالمياً، والكتاب السوداني بات متوافراً في المعارض جنباً إلى جنب مع نظيره العربي الآخر، أصبحنا نُدعى إلى ملتقيات الكتابة وندلي بآرائنا.

ماذا عن عملك المقبل؟ 

أحرص دائماً على الكتابة حين أعثر على فكرة وبداية، ولديَّ أعمال متراكمة منها سيرة اسمها «قلم زينب» تكرّمت وزارة الثقافة والفنون في دولة قطر العظيمة بإصدارها، وتصدر قريباً. ولديَّ رواية «رعشات الجنوب» وتتحدث عن الشأن الجنوبي وعلاقة الشماليين الذين يعيشون في الجنوب بالناس هناك، وكنت أنوي إصدارها العام المقبل، لكن يبدو أنها صدرت فعلاً.

back to top