خذ وخل: كوابيس شمولية !

نشر في 22-12-2010
آخر تحديث 22-12-2010 | 00:01
 سليمان الفهد • هل يمكن للمرء أن يحلم مرات عدة بمضمون رواية ما، بحيث تستحوذ على أحلامه دون غيرها من مئات الروايات التي طالعها في سني حياته؟! آمل من المختصين في التحليل النفسي الإجابة عن هذا السؤال، لكونه يعني اختصاصهم.

• أما العبد لله فحسبه طرح السؤال ليس إلا... أما الرواية التي دأبت على تواتر الحضور في أحلامي فهي رواية (1984) للراوي «جورج أورويل» الذي كرّس مضمونها لتعرية الدكتاتورية، والأنظمة الشمولية المدججة بعدة وعتاد القمع، وتقنيات الرقابة والتلصص والتنصت على الشعوب المبتلاة بحضور «الأخ الكبير» المجسد للحزب الحاكم الواحد الأوحد، الذي لا شريك له في الحكم أبدا! الأمر الذي يفرض على القائد الدكتاتوري الأوحد «الأخ الكبير» بتعبير الراوئي «أورويل» سياسة تتكئ على إرهاب الشعب بأصناف التعذيب والقمع الشديدين، فضلا عن ممارسته لتزوير الأحداث والتاريخ بدعوى الدفاع عن الوطن والبروليتاريا المجسدين للناس «الغلابة» الذين يعيشون على الطوى وفتات المائدة، ولا يملكون شيئا البتة إلى حد تجدهم لا يملكون شروى «سندويش فول أو طعمية» مثلا! أو إن شئت ثمن «فيش وشبس» طعام العامة من ذوي الدخل المحدود، وربما المعدوم المهدود!

ومن هنا تتحول العلاقات في فضاء الدولة الشمولية الطاغية إلى صيغة تنفي إنسانية البشر، وتجردهم من صفاتهم الآدمية المتسمة بالتفرد ذي الفروق الفردية التي جبل عليها الناس، سعيا لإخضاعهم لقوالب النظام الواحد الأوحد، الذي ينأى بقوانينه وممارساته الطاغية عن القيمين على هذا الحزب الشمولي الذي ابتليت به أمم شتى في تاريخ الإنسانية!

• والذي يفلق كبدي و»يبطها» بشدة وضراوة في أحلامي الكابوسية هو: «صورة الوجه الضخم تحدق في وجه كل قادم، إنها واحدة من تلك الصور المرسومة على نحو يجعل المرء يعتقد أن العينين تلاحقانه أينما تحرك، وكان يوجد أسفل الصورة عبارة بارزة تقول: الأخ الأكبر يراقبك». كما ينوه «أورويل» في الفصل الأول من الرواية الفذة التي مابرحت محل استلهام من قبل المبدعين في كل مناحي الإبداع، وبخاصة في مجال الدراما الإذاعية والسينمائية والمسرحية، فضلا عن الفن التشكيلي، وأحسبها ستظل كذلك إلى حين غياب القائد الأوحد والحزب القائد، إلى آخر كل ما يحيل إلى الدولة الشمولية القمعية! والمحزن جداً أن صيغة النظام الشمولي البائس أصبحت في مزبلة التاريخ لدى دول العالم الأول، لكنه لايزال حاضرا بشدة في جغرافية العالم الثالث عشر! كما يعلم الخاصة النخبوية والعامة «البوليتارية» الأمر الذي سيثير حفيظة الروائي «أورويل» ويقلق مضجعه الأبدي دون شك!! كما هي حال العبد لله تجاه أحلامه الكابوسية السالف ذكرها!

ولأن دراستي الجامعية كانت في «قسم الدراسات النفسية» بكلية آداب جامعة عين شمس بقاهرة المعز، شرعت في محاولة سبر غور «كوابيس أورويل» التي تقلق منامي! فأصحو متوتراً متوجساً خشية عيون و»كلبشات» وأصفاد «بلطجية» سيئ الذكر «الأخ الأكبر» كما نعته الراوئي بسخرية لاذعة لا تخطئ قراءتها النقدية للقارئ المذعور، الذي كتب عليه العيش عنوة في العالم الثالث، العامر بنموذج «الأخ الأكبر» المتربع على كرسي حكم الدولة الشمولية القمعية! لكن محاولاتي الساعية إلى تشخيص الكوابيس، باءت بالفشل الذريع ولله الحمد! فلا مناص إذن من اللجوء إلى اختصاصي بارع في الطب النفسي كأستاذي الدكتور «أحمد عكاشة» علني أجد لديه الترياق النفسي الروحي الكفيل بعلاج الرهاب من حضور الدولة الشمولية، التي ذقت بعض ويلاتها إبان مصر الناصرية والساداتية سواء! ولله الحمد!!

من يومها تبت من قولة «لا» وبلعت لساني وصرت أسير بحذاء الجدار بسمت المواطن المدجن المرعوب من الحبس، وإن كان ينتمي إلى قبيلة «بني صامت» وعشيرة «إحنا بتوع الأتوبيس» إياهم، ورغم ذلك التحفظ المعجون بالذعر والتوجس؛ وكل مشاعر الخشية في فضاء شمولي، تم طرد العبد لله من مصر الناصرية، ومُنع من دخول مصر الساداتية مدة عشر سنوات.

ولعل العقاب الأخير أقسى عقاب كابدته في حياتي النزقة! وحين يتأمل المرء في ممارسات الحكام الشموليين الجدد «يترحّم» على شموليات «ناصر والسادات» رحمهما الله. ويبدو أني بحاجة إلى فقيه مغربي و»ملا» كويتي وشيخ مصري ليقرؤوا عليّ ما يعنّ لهم من الأدعية والأذكار علها تدرأ عني الكوابيس الخارجة من طيات أوراق ومضمون رواية «1984» والتي أحسب أن واقعنا العرباوي يبزّ خيال المؤلف المدهش!

back to top