«الدار أغلى شي... إلا بلا قوت»

نشر في 24-01-2010
آخر تحديث 24-01-2010 | 00:01
 سعد العجمي زبدة القول إن هناك نائبين شيعيين ومثلهما سُنيّين، مع نفر من خارج المجلس لا يتجاوز عددهم ثلاثة أشخاص من كل فريق، هم سبب تأجيج الوضع الداخلي وإثارة الفتنة والتمايز بين فئات المجتمع، فهل يعقل أن الوهن قد تمكن من هذا الوطن لتكون تصرفات أشخاص لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين هي التي تحدد مستقبلنا وتتحكم بتماسك جبهتنا الداخلية؟!

عودوا إلى كل طرح يثير الفتنة الطائفية بين السُنّة والشيعة، وكذلك الاجتماعية بين الحضر والبدو، ستجدوا وراءه أشخاصاً معروفة أسماؤهم وأهدافهم، ولكن لأننا وصلنا إلى مرحلة متدنية جداً من سوء الإدارة في الدولة، لم يعد بالإمكان السيطرة على أطروحاتهم، فبدا عملهم وكأنه عمل مؤسسات لا أفراد.

الكلام عن الوحدة الوطنية والتذكير بها أيام الغزو العراقي، وعزف تلك السيمفونية من الجميع، لم يعد أمراً ذا جدوى، بل أصبح مملاً لدرجة أنه ساد اعتقاد لدى الأغلبية بأن الحديث عن محنة الغزو باتت تندرج في إطار "كلمة حق يراد بها باطل"، فبعض الساسة والكتّاب يستهلون تصريحاتهم أو كتاباتهم بفترة الغزو والتذكير بالوحدة الوطنية التي تجلّت خلالها، ثم يبدؤون بسلخ بعضهم بعضا من خلال عبارات أشد على الوحدة الوطنية من غزو المقبور!

محزن جداً أن يأتي هذا اليوم الذي نستشهد فيه بالنائب حسن جوهر كمثال للبرلماني المتزن البعيد عن كل طرح طائفي، وكأن عقلانية "أبومهدي" أصبحت هي الاستثناء في زمن الشواذ، ولكن بعد أن اختطفت البلاد من متطرفي السُنّة والشيعة، وباتت كذلك مرتعاً للسفهاء ممن يصنفون المواطنة وفق أهوائهم، وكأنهم من يمتلك صكوك الولاء لتوزيعها على أهل الكويت، أصبح حسن جوهر نموذجاً يجب استنساخه.

في المقابل، فإن من المضحك إلى درجة البكاء أن يتنادى عدد من النواب إلى طلب عقد جلسة خاصة لمناقشة موضوع الوحدة الوطنية، وهم بطروحاتهم ومواقفهم وتصريحاتهم من مزقها وهتك سترها، في وقت أيضا استنفر فيه رؤساء تحرير الصحف وملاك القنوات الفضائية لمواجهة التعديلات المزمعة، وبعضهم من فتح أبواب وسائلهم على مصراعيها لكل طائفي لينفث سمومه دون مراعاة للمصلحة الوطنية.

قاتل الله السياسة وتحالفاتها، فهي لا تدخل في شيء إلا أفسدته، فإعادة أبوزيد من أرض المطار كانت صفقة سياسية، ومنع العريفي من دخول الكويت كان صفقة هو الآخر، والمشكلة أن تلك التسويات السياسية تمت مع من استمرؤوا التمادي في كل شيء لدرجة التطاول على هيبة الدولة وسيادة القانون، وهم معذورون في ذلك لأنهم أمام حكومة فقدت القدرة على حماية نفسها إلا بأسلوب الترضيات.

لم أعد أعوِّل كثيراً على دعوات العقلاء القلة من سُنّة وشيعة أو بدو وحضر، فقد تمت تغذية ثقافة كره الآخر لدرجة وصلت فيها الأمور إلى مرحلة العداء، وبما أنني غير مؤمن بأن لدينا سلطة تنفيذية قادرة على حماية البلد من الانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه، فإنني سأتوجه إلى القيادة السياسية العليا وأدعوها إلى التمعن في تصريح حسين القلاف عندما يقول "إن الشيعة لم يعودوا مواطنين من الدرجة الثانية"، وإلى ما قاله فيصل المسلم "الكويت دولة سُنيّة شاء من شاء وأبى مَن أبى" لعلها تدرك قبل فوات الأوان، أن النار توشك أن تأكل الأخضر واليابس.

* * *

في ظل هذه الأوضاع الكئيبة والحزينة، بل الخطيرة التي نعيشها جاء في بالي بيتان من الشعر ضمن قصيدة رائعة للمبدع محمد جارالله السهلي يقول فيها:

"الحب أحلى شي... إلا مع الذات   

والدار أغلى شي... إلا بلا قوت

يوم المشايخ قبل عصر الدويلات

تنقل كفن وسلاح ما تنقل بشوت".

back to top