خذ وخل: دمشق التي في خاطري (3) - الحلقة (3)

نشر في 12-07-2010
آخر تحديث 12-07-2010 | 00:01
 سليمان الفهد * مقهى «الهافانا» بمنزلة ناد للأدباء والساسة والصحافيين والفنانين منذ عقود عدة، وهو مشرع الأبواب على مدار أربع وعشرين ساعة، ولذا اعتدت التردد عليه في الصباح الباكر ليس من أجل المذكورين أعلاه، ولكن كرمى لحضرة الأستاذ «سلوم» المعسل المصري المعروف، بالإذن من أخينا النائب «الطبطبائي»! فأنا من «بني شيشة» ولا فخر!

وهذا المقهى الشهير لا يرتاده الكويتيون، لأن مقهاهم المفضل هو: «مقهى علي باشا» في ساحة «المرجة» بوسط دمشق، فضلا عن أنه قريب جدا من الأسواق التقليدية كـ»الحميدية، ومدحت باشا، والبزورية» وغيرها، وربما لقربه من هذه الأسواق اختاره الكويتيون وفضلوه عما عداه.

وكان المقهى إبان عز تثمين الحكومة الريعية الرشيدة لبيوت المواطنين بمنزلة «بازار» للخطوبة وتزويج الشباب- أمثالي- من صبايا الشام! حسب المواطن الراغب في الزواج «على سنة الله ورسوله» أن يتربع فيه ليجد السماسرة والدلالين، والوسطاء أمامه، يتحلقون به من كل صوب! زد على ذلك وجود الخاطبات اللواتي تخبرهن في بلادنا حاليا.

*وأرجو ألا يظن ظان بأني ضد زواج المواطنين من العربيات، لا سمح الله، ولعلي أرحب به بشدة، لاسيما أنه يساعد على تحسين النسل والسمت والخلقة، وينفي «الجكر» ويشيع البياض، ويثري وينوع ألوان العيون، وما إلى ذلك من مناقب اجتماعية وغيرها تتسم بها البعلة السورية!

ومن نافل القول: الإشارة إلى أن العديد من رواد المقهى يقصدونه بقصد الترويح، والرغبة في احتساء المشاريب الحلال، فضلا عن التندر و»الحش» والنميمة في حمى زواج «التثمين» السالف الذكر إياه!

ولا يمكن لي نسيان سلوك مالكي المقهى في يوم انفصام عرى الوحدة، إذ كانت صورة الرئيس «عبدالناصر» تتصدر واجهته، وبجوارها صورة «شكري القوتلي» باعتباره «المواطن العربي الأول»، وهو اللقب الذي حظي به، إثر تنحيه عن رئاسة الجمهورية السورية، وربما اعتذاره عن قبول نائب رئيس جمهورية دولة الوحدة.

وحين حدث الانفصال بادر مولى المقهى بإنزال الصورتين، وتعليق صورة قائد الانقلاب الانفصالي، ولما شعر بأن الرئيس عبدالناصر ينوي الإطاحة بالانفصاليين عبر استخدامه قوة السلاح، عاود تعليق صورته!

الشاهد أنه ظل «يشيل ويحط» في صور الرؤساء والقادة إلى حين تأكيد حدوث الانفصال! وأحسب أن أصحاب المقهى قد ارتاحوا من عناء تبديل صور الرؤساء والقادة الانقلابيين بعد أن ودعت سورية مسلسل الانقلابات التي كانت تحدث «بالقرعة» بين ضباط الجيش!

* في مدينة مراكش، عاصمة الجنوب المغربي، عمد بعض المستثمرين المغاربة والأجانب إلى تحويل المنازل الكبيرة الرحبة، في المدينة القديمة، إلى نُزل ومطاعم تحافظ على هويتها المعمارية، بحيث يتم ترميمها وتحديثها بمنأى عن أي تغريب يخاصم روحها الوطنية التقليدية.

وقد شهدت دمشق، في السنوات الأخيرة التقليد نفسه، حيث تم تحويل بعض منازلها التراثية إلى مطاعم وفضاءات سياحية ترويحية، لقيت رواجا من عامة السياح وخاصتهم، بدليل تنامي أعدادها بتقادم السنوات، لكن يظل مطعم «أبوكمال» الأثير إلى السياح الكويتيين لتميزه بتقديم لذائذ المطبخ الشامي، ولأسعاره المناسبة، فضلا عن أنه مشرع الأبواب ليلا ونهارا، على مدار أربع وعشرين ساعة، ولعل جماعتنا السياح يحبونه متأسين بقول الشاعر:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ** ما الحب إلا «للمطعم الأول»!

back to top