المحكمة الدستورية تنتصر للمرأة وتمنحها حق استخراج جواز السفر من دون موافقة الزوج النص المطعون فيه يمثل إهداراً لإرادة المرأة وافتئاتاً على إنسانيتها المواطنة الحاصلة على الحكم لـ الجريدة : الحكم انتصار للمرأة وللدستور وشكراً للقضاء

نشر في 21-10-2009 | 00:00
آخر تحديث 21-10-2009 | 00:00
No Image Caption
في انتصار جديد للمرأة الكويتية قضت المحكمة الدستورية أمس برئاسة المستشار يوسف غنام الرشيد، وعضوية المستشارين فيصل المرشد وراشد الشراح وصالح الحريتي وخالد سالم، بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 15 من القانون رقم 11 لسنة 1962 والمعدل بالقانون رقم 105 لسنة 1994، بشأن الجنسية والجوازات والتي تنص على أنه لا يجوز منح الزوجة جواز السفر المستقل إلا بموافقة الزوج، ورأت المحكمة الدستورية في حكمها الذي يُعد سابقة طالما المرأة الكويتية قد طالبت به أن الفقرة الأولى من المادة 15 مخالفة للدستور.

ويأتي حكم المحكمة الدستورية بعدم الدستورية إلى دعوى أقامها المحامي عادل قربان لموكلته فاطمة البغلي، للقضاء بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون الجنسية بسبب امتناع زوجها استصدار جواز سفر لها.

انتصار للدستور 

وقالت المواطنة فاطمة البغلي في تصريح لـ»الجريدة»، إن هذا الحكم القضائي انتصار للدستور الكويتي وكذلك انتصار للمرأة الكويتية، التي بإمكانها الآن استخراج جواز سفر لها مستقل من دون موافقة زوجها.

وشكرت البغلي القضاء الكويتي على حكم المحكمة الدستورية الذي يرفع من رصيد الحريات في البلاد، في حين قال محامي المواطنة البغلي، عادل قربان لـ»الجريدة» إن حكم المحكمة الدستورية يُعد إنجازاً كبيراً للمرأة الكويتية، وشكر قربان المحكمة الدستورية على قضائها بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون الجنسية لمخالفتها نصوص الدستور، لافتاً إلى أننا عهدنا دائماً من المحكمة الدستورية القضاء بعدم دستورية القوانين المخالفة للدستور.

وقالت الدستورية في حكمها: «إن حرية التنقل –غدواً ورواحاً– بما تشتمل عليه من حق كل شخص في الانتقال من مكان إلى آخر والخروج من البلاد والعودة إليها تعتبر فرعاً من الحرية الشخصية، وحقاً أصيلاً مقرراً له حرصت معظم دساتير العالم على تأكيده، وضمنته المواثيق الدولية، التي انضمت إليها دولة الكويت».

الدساتير الوضعية 

وأضافت المحكمة قائلة: «إن الاسلام (ذلك الدين القيّم) سبق الدساتير الوضعية بأكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، فكفل حرية التنقل لكل فرد حسبما يريد، سواء كان ذلك داخل أرجاء بلده أو سفراً إلى خارجه، وأباح له التنقل من بلد إلى آخر طلباً لدين أو طلباً لأمر دنيوي، كما دعا الإسلام كل المسلمين إلى السير في الأرض والمشي في مناكبها والسياحة فيها، للتدبر والاعتبار والتعلم وكسب الرزق، وقد جعلت الشريعة الاسلامية الغراء من حرية التنقل قاعدة عامة، وتقييدها هو الاستثناء الذي لا يكون إلا لضرورة– تقدر بقدرها– ولمصلحة عامة، مردها إما حماية العقيدة الإسلامية أو المحافظة على الصحة العامة أو المحافظة على الأعراض والآداب الإسلامية.

ولفتت المحكمة إلى أنه «وكان لكل كويتي -ذكراً كان أو أنثى– الحق في استخراج جواز السفر وحمله باعتبار أن هذا الحق لا يعد فحسب عنواناً عن انتمائه إلى دولة الكويت الذي يعتز به ويفتخر سواء داخل وطنه أو خارجه، بل يعتبر فضلاً عن ذلك مظهراً من مظاهر الحرية الشخصية التي جعلها الدستور الكويتي حقاً طبيعياً يصونه بنصوصه ويحميه بمبادئه، فنص في المادة (30) منه على أن «الحرية الشخصية مكفولة»، ونص في المادة (31) على أنه «لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه... أو تحديد إقامته أو تقييد حريته في الإقامة أو التنقل إلا وفق أحكام القانون... «دالاً بذلك على اعتبار الحرية الشخصية أساساً للحريات العامة الأخرى وحقاً أصيلاً للإنسان. وقوامها الاستقلال الذاتي لكل فرد، وإرادة الاختيار تمثل نطاقاً لها لا تتكامل شخصيته بدونها، ومن دعائمها حرية التنقل وحق السفر المتفرع منها، وهي في مصاف الحريات العامة لا يجوز مصادرتها بغير علة، أو مناهضتها دون مسوغ، أو تقييدها بلا مقتض، وقد عهد الدستور طبقاً للنص سالف الذكر إلى السلطة التشريعية بتقدير هذا المقتضى، ولازم ذلك أن يكون تحديد شروط استخراج جواز السفر– وهو الوثيقة التي بمقتضاها يكون ممارسة الحق، وبدونها يزول هذا الحق ويصبح هباء منثوراً.

جواز سفر مستقل 

وبيّنت المحكمة أن النص المطعون فيه جعل الأصل هو عدم جواز منح الزوجة جواز سفر مستقلا، مشترطاً موافقة الزوج لها بذلك، منكراً النص على الزوجة البالغة الرشيدة، التي شملها النص بعموم عباراته، الحق في استخراج جواز سفر مستقل لها، على الرغم من استقلال شخصها، وبلوغ رشدها، واكتمال أهليتها، ووجوب تمتعها بالحقوق عينها التي كفلها الدستور، على نحو يمثل إهداراً لإرادتها وافتئاتاً على إنسانيتها، مقيداً بذلك حريتها وحقها في التنقل بغير مبرر، فاستقلال شخصها لا يعني بالضرورة خروجها على طاعة زوجها، ولا دليل على أن حصولها على جواز سفر مستقل في حد ذاته يجافي مصلحة أسرتها، أو يوهن علاقتها بزوجها، أو يقلص دوره، أو ينتقص من حقوقه الشرعية، مما يغدو معه النص المطعون فيه مخالفاً لأحكام الدستور المنصوص عليها في المواد (29) و(30) و(31)، ويتعين من ثم القضاء بعدم دستوريته.

وقالت المحكمة: «وفي هذا المقام ان إبطال النص المطعون فيه وإقصاءه عن مجال اعماله نزولاً على حكم الدستور، لا يخل بحق الزوج طبقاً للقواعد العامة في أن يمنع زوجته من السفر متى قام دليل معتبر على أن من شأن استعمالها لهذا الحق أن يلحق الضرر به أو بأسرتها، باعتبار أنه من غير الجائز أن يكون استخدام الحقوق بقصد الاضرار بالآخرين، كما أن إبطال النص لا يخل أيضاً بحق المشرع في أن يتولى تنظيم استخراج وتجديد جواز السفر للزوجة وسحبه، موازناً في ذلك بين حرية التنقل بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه، وبين ما تنص عليه المادة (9) من الدستور من كفالة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة بما يحفظ كيانها ويقوي أواصرها، ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات العامة على نحو ما تنص عليه المادة (29) من الدستور، ودون الإخلال بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء وما تقضي به المادة (2) من الدستور من أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع.

back to top