الفيلي: لدسترة حقوق الإنسان أسباب ونتائج وآثار على اختصاصات مجلس الأمة

نشر في 19-07-2010 | 00:01
آخر تحديث 19-07-2010 | 00:01
أكد د. محمد الفيلي عضو الهيئة الإدارية في الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان أن عرض التشريعات الكويتية على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وبحث تطابق أو تعارض محتوى كل تشريع منها مع مضمون هذه الاتفاقيات والعهود، منهج صعب التطبيق عملياً، كما أنه غير دقيق علميا، وهو قليل الجدوى من الناحية الفنية لعدد من الأسباب.

وذكر في الجزء الأول من دراسته، عن دور البرلمانات في مواءمة التشريعات الوطنية وفقا للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان (التجربة الكويتية)، أن تضمين قواعد حقوق الإنسان في الدستور يجعلها أحكاما دستورية صادرة عن السلطة التأسيسية المنشِئة وملزمة للسلطات المنشَأة، مشيرا الى أنه لم يرد ذكر موضوع حقوق الإنسان، كعنوان مستقل قائم بذاته، في قواعد الدستور العرفي الذي ظهر بعد نشأة الكيان السياسي.

وقال د. الفيلي إن لدسترة حقوق الإنسان أسبابا كما أن لها نتائج وآثارا على اختصاصات مجلس الأمة، وإن قانون إنشاء المحكمة الدستورية قرر الحق في الطعن عن طريق الدعوى المباشرة للحكومة ومجلس الأمة حصرا، أما الأفراد فجعل اتصالهم بالمحكمة عن طريق الدفع فقط، لافتا الى أن صفة القانون التي تثبت للاتفاقيات والمعاهدات بعد التصديق على إبرامها ونشرها في الجريدة الرسمية تجعلنا أمام استحقاقات جديدة... وإلى تفاصيل الدراسة:

إذا افترضنا ان المواءمة تعني اننا امام نصين متباينين احدهما اعلى في الدرجة من الآخر، فإن عرض تجربة مجلس الامة الكويتي في مواءمة التشريعات الوطنية وفقا للاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان، يمكن ان يتم من خلال عرض التشريعات الكويتية على الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان وبحث تطابق او تعارض محتوى كل تشريع منها مع مضمون هذه الاتفاقيات والعهود، ولكن هذا المنهج صعب التطبيق عمليا، كما انه غير دقيق علميا وهو قليل الجدوى من الناحية الفنية وذلك  لعدد من الاسباب:

- لا يأخذ الدستور الكويتي بمبدأ علوية الاتفاقيات الدولية على القانون الوطني، وحتى لو استندنا الى الإشارات الواردة في ديباجة الدستور للقول بغير ذلك فإننا سنكون امام اجتهاد لا يسنده ظاهر النص او احكام القضاء، فالمحكمة الدستورية في الكويت قد مارست رقابة على دستورية قوانين هي في الأصل اتفاقيات دولية قد تم التصديق عليها (الطعن 2/ 2005 وكان سبب الحكم بعدم الدستورية هو اهدار قرينة البراءة).

- وفق المادة 70 من الدستور الكويتي فإن الاتفاقيات الدولية المصدق عليها، بمرسوم او بقانون، تنشر في الجريدة الرسمية وتكون لها "قوة القانون". وصفة القانون التي تثبت للاتفاقيات والمعاهدات بعد التصديق على إبرامها ونشرها في الجريدة الرسمية تجعلنا امام استحقاقات جديدة، فهي من الناحية النظرية قانون لاحق يعدل القوانين السابقة، وهذا يعني تحقق "توائم" التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية بما فيها تلك الخاصة بحقوق الانسان، ولكننا نعلم ان الصياغة التوافقية للأحكام الواردة في الاتفاقيات الدولية وواقع تباين التقنيات القانونية في الدول الاطراف تجعل الاتفاقيات تحيل في بعض الاحيان الى الادوات التشريعية الوطنية، وهو ما يجعل موضوع "المواءمة" يطل برأسه من زاوية جديدة.

ولذلك فإننا نقترح بحث تجربة مجلس الامة الكويتي في مواءمة التشريعات الوطنية وفقا للاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان من خلال ثلاثة محاور:

• موقف الدستور الكويتي من حقوق الانسان.

• اثر الاتفاقيات الدولية على مضمون حقوق الانسان في التشريعات الوطنية.

• اثر حقوق الانسان على آليات عمل مجلس الامة.

 الدستور العرفي

أولا: موقف الدستور الكويتي من حقوق الانسان: لم يرد ذكر موضوع حقوق الانسان، كعنوان مستقل قائم بذاته، في قواعد الدستور العرفي الذي ظهر بعد نشأة الكيان السياسي في الكويت ابتداء من عام 1756 او في الوثيقة الدستورية الصادرة عام 1921 او في الدستور الموجز الصادر عام 1938، ولكن الدستور المؤقت (القانون 1/ 1962 بالنظام الاساسي للحكم في فترة الانتقال) خصص الباب الأول منه للحريات العامة، اما الدستور القائم والصادر في 11/11/1962 فقد خصص الباب الثالث منه لـ"الحقوق والواجبات العامة"، والأعم الأغلب من الحقوق والحريات المقررة فيه يدخل في اطار الحريات ذات الطابع الفردي (الجيل الأول لحقوق الإنسان). والباب الثاني من الدستور، وعنوانه "المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي"، يحتوي على عدد مهم من الحقوق ذات الطابع الاجتماعي والتي تفترض تدخل الدولة لتفعيلها (الجيل الثاني لحقوق الإنسان). ولدسترة حقوق الإنسان اسباب كما لها نتائج وآثار على اختصاصات مجلس الامة.

1- الأسباب: الدستور قانون ينظم ظاهرة السلطة في الدولة. وتقرير سموه الشكلي والموضوعي على بقية القوانين، جعل كثيرا من الدول تضيف إلى موضوعه الاساسي مواضيع اخرى، مثل تحديد الفلسفة الاقتصادية والاجتماعية للدولة وتحديد مركز الفرد في مواجهة الدولة (الحقوق والحريات العامة)، حتى يصبح للاحكام الخاصة بهذه المواضيع صفة الدستور وقيمته ما دامت قد وردت في صلبه. وفي الفترة التي وضع فيها الدستور الكويتي كان المنهج السابق شائعا، ولذلك فان اخذ المشرع الدستوري في الكويت به يغدو منطقيا. والى جوار هذا التفسير لوجود قواعد حقوق الانسان في صلب الدستور الكويتي فهناك تفسيران لطبيعة القواعد التي اخذ بها الدستور في مجال حقوق الانسان.

أ‌- الاعلان العالمي لحقوق الانسان: الغاء معاهدة الحماية البريطانية الصادرة عام 1899 يعني اعلان استقلال الدولة، ومن ضمن مقومات ميلاد الدولة الحديثة الانضمام إلى هيئة الامم المتحدة، وهو امر ارتبط بالنسبة إلى الكويتيين بتبني قواعد الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن هيئة الامم المتحدة ووضعها في صلب الدستور وتحديدا في الباب الثالث منه. ونلاحظ ان ممثل الحكومة كان يشدد على اهمية النقل الحرفي عن الاعلان، بينما الاغلبية من المنتخبين كانت مقتنعة بأن النقل يجب ان يتم بالمعنى لا بالحرف. وقد تم الحرص على تأكيد مواءمة هذه الاحكام مع الطبيعة الكويتية ومع احكام الدين الاسلامي. وتكشف المذكرة التفسيرية للدستور عن هذا النقاش عند عرضها للتفسير الخاص بالمادة 29 من الدستور.

ب‌- الحقوق الاجتماعية: لم يحتو المشروع الاول الذي تقدمت به الحكومة للمجلس التأسيسي على تقرير للحقوق ذات الطابع الاجتماعي، ولكن المجلس بعد ان تعاقد مع مستشار قانوني خاص به وهو الدكتور عثمان خليل عثمان انتبه لهذا الامر، وقرر تبني الجيل الثاني من حقوق الانسان، وضمن هذه الاحكام في الباب الثاني من الدستور الكويتي تحت عنوان المقومات الاساسية للمجتمع الكويتي.

وبعد ان عرضنا لأسباب دسترة حقوق الإنسان فمن المنطقي ان نعرض لنتائج هذه الدسترة.

 قليل الجدوى

2- النتائج: تضمين قواعد حقوق الانسان في الدستور يجعلها احكاما دستورية صادرة عن السلطة التأسيسية المنشِئة وبالتالي هي ملزمة للسلطات المنشَأة، وبالتالي يلزم ان تأتي أعمال السلطات العامة متوائمة مع احكام حقوق الانسان الواردة في الدستور، والسلطة التشريعية بطبيعة الحال واحدة من السلطات العامة المنشَأة. وتبني الدستور الكويتي لاحكام الاعلان العالمي لحقوق الانسان يغنينا في الكويت عن البحث في القيمة القانونية لهذا الإعلان، او بجعله عمليا قليل الجدوى إلا في حالة البحث في تعديل الدستور باعتبار ان الاحكام الواردة في الاعلان قد اصبحت من المبادئ العامة الملزمة في القانون، وهو ما يتسق مع موقف الدستور الكويتي الذي يقرر في المادة 175 ان "الاحكام الخاصة بالنظام الاميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن اقتراح التنقيح خاصا بلقب الامارة او بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة". ووجود رقابة على دستورية اعمال السلطات العامة يرتب آثارا عملية هامة على دسترة حقوق الانسان. وإذا كان الدستور الكويتي لا يمد الرقابة على الدستورية كي تشمل كل اعمال السلطات العامة لان المادة 173 تقرر للمحكمة الدستورية الاختصاص بممارسة رقابة الالغاء على القوانين واللوائح، فإن تقرير قانون انشائها اختصاصها أيضا بتفسير الدستور مجردا عن الطعن بدستورية التشريعات، واختصاصها بالحكم في الطعون الانتخابية لمجلس الامة وسع امامها الباب لفرض مواءمة اعمال السلطات العامة مع احكام حقوق الانسان الواردة في الدستور:

طريق الدفع فقط

أ‌- حقوق الانسان والاختصاص التشريعي: تقر المادة 173 من الدستور "ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح". ولكن قانون انشاء المحكمة الدستورية (14/1973) قرر الحق في الطعن عن طريق الدعوى المباشرة للحكومة ومجلس الامة حصرا، اما الافراد فجعل اتصالهم بالمحكمة عن طريق الدفع فقط. كما ان المحكمة في بداية عهدها كانت تتشدد في قبول الدعوى الى حد كبير، بما قلل عمليا من امكان وصول الافراد امامها، والاجتهاد الذي تسير عليه حاليا يقود الى زيادة امكان قبول دفوع الافراد. وقد صدر عن المحكمة عدد من الاحكام التي الغت بعض التشريعات المخالفة لضمانات حقوق الانسان ولعل اهمها حكمها في الدعوى 1/1995 بإلغاء قانون التجمعات الصادر عام 1979 لمخالفته حق الافراد في الاجتماع وحقهم في التعبير عن الرأي. وحكمها في الدعوى 56/2008 بعدم دستورية نص في قانون جوازات السفر، الذي يوجب موافقة الزوج لحصول الزوجة على جواز السفر، وهي لم تستند فيه فقط إلى احكام الدستور الكويتي التي تكفل للافراد المساواة في التمتع بحرية التنقل والحرية الشخصية، ولكنها اشارت بوضوح الى اصل هذه الحريات في الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

ب‌- حقوق الانسان والاختصاص الرقابي: يعقد القانون 14/1973 لاختصاص للمحكمة الدستورية بتفسير نصوص الدستور، بشكل مستقل عن الطعن بدستورية قانون او لائحة، ويقدم طلب التفسير من قبل مجلس الوزراء او مجلس الامة. وقد تقدمت الحكومة اكثر من مرة بطلبات لتفسير نصوص الدستور المقررة لادوات الرقابة البرلمانية كالسؤال وتشكيل لجان التحقيق البرلمانية والاستجواب. وقد ناقشت بعض قرارات التفسير الصادرة عن المحكمة اثر الحق في الخصوصية المقرر للإنسان على نطاق الادوات الرقابية التي يقررها الدستور لاعضاء مجلس الامة، وحاولت التوفيق بين الامرين من خلال قواعد التفسير (القرارات 3/1982، 1/1986، 2/ 1986) ونلاحظ ان المحكمة استنبطت الحق في الخصوصية من مبدأ كفالة الحرية الشخصية المقرر في المادة 30 من الدستور، وبالتالي قررت امكان استنباط مبادئ دستورية جديدة بناء على تلك المقررة في الدستور.

ت‌- حقوق الانسان والانتخاب: الانتخاب من حقوق الانسان، ولا تكتفي الفقرة ب من المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بتقرير ذلك، فهي تضع له شروطا واحكاما يلزم توافرها في الانتخاب. ووجوب إجراء الانتخابات تحت اشراف جهة محايدة وتمكين اطراف العملية الانتخابية من الطعن امام القضاء من المعايير المنطقية لامكان القول بوجود انتخابات نزيهة تعبر بشكل صادق عن ارادة الناخبين. ويعقد قانون انشاء المحكمة الدستورية لها الاختصاص بفحص الطعون الخاصة بسلامة انتخاب اعضاء مجلس الامة. واجتماع الصفتين للمحكمة (محكمة دستورية ومحكمة طعون انتخابية) يسمح لها ان تمارس الرقابة المباشرة او غير المباشرة على دستورية القواعد القانونية المنظمة للانتخابات، وقد مارست هذا النمط من الرقابة بمناسبة حكمها في الطعن الانتخابي 20/ 2009 ومحله طلب إبطال عضوية نائبتين في مجلس الامة لا ترتديان الحجاب بالمخالفة لحكم الفقرة الاخيرة من المادة الاولى من قانون الانتخاب والتي تقرر "ويشترط للمرأة في الترشيح والانتخاب الالتزام بالقواعد والاحكام المعتمدة في الشريعة الإسلامية". وقررت المحكمة رفض الطعن لان قواعد التفسير لا تسمح بتحديد معنى واضح للنص، كما ان تفسيره وفق طلبات الطاعن يجعله مخالفا لحكم الدستور الذي يكفل مبدأ المساواة والحرية الشخصية وحرية الاعتقاد.

back to top