خذ وخل: دمشق التي في خاطري (6) - الحلقة (6)

نشر في 21-07-2010
آخر تحديث 21-07-2010 | 00:01
 سليمان الفهد في اليوم الذي جددت حبي لحي الشعلان العريق من خلال تسكعي في شوارعه،لاحظت التطور الذي اقتحم نسيجه وعمارته، كوجود محل لبيع الأفلام وأغاني الـD.V.D العربية والأجنبية، في الحي الذي لم يكن فيه مرفق تجاري سوى السمّان (البقال) واللحام (الجزار). * طفت بأحياء دمشق القديمة بحثاً عن دار قديمة للكراء والسكن فلم أجد ضالتي لسوء حظي، فقنعت بمنزل عربي من الحجر الأبيض تطل من شبابيكه «الموزاييكية» البهية أزهار الفل والياسمين والعيون السود التي تنقض الوضوء، وتحرض على البوح بالغزل العذري العفيف لإنسان في أرذل العمر تنضح عفته بمنطق «مكره أخاك لا بطل»! وإن كان «بطل مفعوله» بامتياز ولله الحمد!

الشاهد أن المالك ظن أنني مليونيرا لا «مديونيراً»، فطالب برقم فلكي للإيجار السنوي ليس في مقدوري تأمينه، فقنعت من الغنيمة في البيات في «مضافة الشعلان» أمراء القبيلة العربية المعروفين، والذين يحمل الحي الشعبي لقبهم، لذا وجدتني أزور المضافة كل صباح، والتي ما برحت مشرعة الأبواب رغم خلوها من «الشيوخ» والضيوف!

* وحي الشعلان ساكن في الذاكرة يضع رجلا على رجل، ولن يبرحها أبداً، كما هي حال حي أبورمانة الأرستقراطي الأنيق، موطن «البورجوازية» الشامية الدمشقية في الخمسينيات، وما تلاها من عقود، ذلك أني قطنته إبان دراستنا هناك بمعية الصديقين «سيف عباس عبدالله دهراب» الدكتور سيف عباس لاحقاً، رحمه الله وغفر له، والصديق «عيسى راشد العيسى» أطال الله في عمره وقصر في شعره ولسانه!

وأعترف الآن بأني غبطت «الربع» ساكني حي الشعلان المترع بمشاعر وقيم التواصل بين الجيران، المتناغمة مع مزاجي الشعبي الذي لا يرفض مناقب الحياة «البورجوازية» الرغدة، والتي لا يعيبها سوى أنها للخاصة فقط لا غير!

وقد وجدت حلاً توفيقيا تلفيقياً لهذه الأزمة العاطفية للسكن، بالمبيت في «بورمانة» ومشاركة الأصدقاء الزملاء طعام الغداء بدعوة وبدونها! على طريقة أخينا العم «أبوالنور» المطرب الشعبي «محمد عبدالمطلب» القائل: «ساكن في السيدة وحبيبي ساكن في الحسين»!

* وفي اليوم الذي جددت به حبي لحي الشعلان العريق من خلال تسكعي في شوارعه، وملاحظة التطور الذي اقتحم نسيجه وعمارته، كوجود محل لبيع الأفلام وأغاني الـD.V.D العربية والأجنبية سواء، في الحي الذي لم يكن فيه مرفق تجاري سوى السمّان (البقال) واللحام (الجزار)، أما الباعة الجوالون فهم يملؤون شوارعه منذ الصباح الباكر، ويشنفون آذان سكانه بنداءاتهم الغزلية التي تتغنى بأنواع الخضار والفواكه وفق زمان حصادها وإطلالتها على الناس، وتمنيت لو كان بحوزتي المؤلف القيم «يامال الشام» للأديبة الصديقة السيدة «سهام ترجمان» لكونه قد وثّق ترنيمات الباعة البليغة المطربة الشجية، وكأن هناك شَرطِيَّة الحداثية لهذه الأزياء.

وقد صار معرض ودكان «قفطان» لمصممة الأزياء «عويشة السبتي» علامة تجارية تسويقية شهيرة، يتهافت على اقتناء إبداعها «القفاطيني» المغربي الخلاب، من كل صوب أوروبي، معني بالأزياء المتقنة التفصيل والخياطة، والعرض والتسويق، والترويج المتكئ على الثقة بالذات المبدعة، القادر على منافسة «العلوج» الفرنجة في عقر دارهم، بالإذن من أخينا «سعيد الصحاف» لسطونا على نعته للأجانب باللقب إياه!

back to top