الحمود لـ الجريدة.: مشروع قانون إدارة الفتوى والتشريع مخالف للدستور ويحمل تناقضاً غريباً! كيف تكون قضائية وتتبع مجلس الوزراء؟ الدستور قطعي في عدم إمكان وجود جهات قضائية سوى المحاكم... والنيابة جزء من القضاء
يقول أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. إبراهيم الحمود إن مشروع قانون إدارة الفتوى والتشريع المعروض على مجلس الأمة، الذي جعل من إدارة الفتوى والتشريع هيئة قضائية ومستقلة ملحقة بمجلس الوزراء، يعد تناقضا غريبا ومستقلا، لا يلحق أبدا في علم القانون إلا إذا كان استقلالا شكليا، في حين أن القضاء مستقل بنصوص الدستور.ويضيف الحمود في دراسة قانونية بعنوان «الفتوى والتشريع قضاء في مواجهة القضاء» أن اعتبار إدارة الفتوى والتشريع هيئة قضائية يخالف صريح نص المادة (53) من الدستور التي أناطت للمحاكم دون غيرها الاضطلاع بمهمة السلطة القضائية، وفي المادة (170) من الدستور عهد المشرع الدستوري إلى القانون ترتيب الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانوني للوزارات والإدارات الحكومية والمصالح العامة، وإمكان إنشاء هذه الهيئة التي لا يمكن أن تكون قضائية وإنما هيئة تمثل الدولة. وفي ما يلي نص الدراسة:
لقد تقدمت الحكومة بمشروع قانون لتعديل المرسوم رقم 12 لسنة 1960 بشأن الفتوى والتشريع، كما ان هناك اكثر من اقتراح نيابي بشأن تعديل هذا المرسوم، وجاءت الاقتراحات في محصلتها النهائية بمشروع صوتت عليه اللجنة التشريعية بمجلس الأمة، وحصل على موافقة الأغلبية، وقد انتهى الاقتراح الى وضع قانون جديد تحت مسمى قانون هيئة الفتوى والتشريع وقضايا الدولة.إن الباحث في الاقتراح بالقانون الجديد يرى لزاماً عليه أن يتجرد من العواطف التي تربطه بأفراد إدارة الفتوى والتشريع، فهؤلاء الأفراد هم رجال قانون متميزون، وهم أصدقاء وزملاء ومنهم الكثير من قمنا بتدريسه في كلية الحقوق بجامعة الكويت.إن التعليق على الاقتراح بقانون لا يعني البتة الانتقاص من شموخ إدارة الفتوى والتشريع وتاريخها في الدفاع عن قضايا الدولة وحقوقها، ولكن الاختلاف في الرأي هو شيمة العلماء ومنهج الفقهاء.إن الاقتراح بالقانون الجديد يتكون من اثنتين وخمسين مادة، والوقوف تفصيلا على كل مادة من مواده يحتاج إلى بحث يطول، ويكون موقعه المجلات العلمية المتخصصة، ولكن التعليق المختصر يكون حتما مفيدا ويصلح للنشر في الصحف اليومية حتى يستفيد الكافة.إن الاقتراح بالقانون الجديد جعل من إدارة الفتوى والتشريع هيئة قضائية، ووصفها بأنها مستقلة، ولكنها في ذات الوقت ملحقة في تناقض غريب، فالمستقل لا يلحق أبداً في علم القانون إلا إذا كان استقلاله شكليا، والقضاء مستقل بنص الدستور.إن بعض الملاحظات على الاقتراح بالقانون الجديد كفيلة ببيان حجم المخالفات ومداها وما يتعين تداركه منها.الملاحظة الأولى المادة الأولى نصت على أن هيئة الفتوى والتشريع وقضايا الدولة هيئة قضائية مستقلة، ولقد أتت هذه المادة بمصطلح هيئة قضائية، والحقيقة أن هذا المصطلح غير معروف في القانون الدستوري الكويتي، ولا يمكن إدراجه في النصوص التشريعية وإلا كانت هناك مخالفة صارخة لأحكام الدستور.إن الدستور الكويتي لم يتبين مفهوم الهيئات القضائية كما فعل الدستور المصري الذي يتحدث عن الهيئات القضائية، في حين أن الدستور الكويتي استخدم مصطلح السلطة القضائية، وبين أن من يتولاها المحاكم فقط باسم الأمير وفي حدود الدستور.إن اعتبار إدارة الفتوى والتشريع هيئة قضائية يخالف صريح نص المادة (53) من الدستور التي أناطت للمحاكم دون غيرها الاضطلاع بمهمة السلطة القضائية. وفي المادة (170) من الدستور عهد المشرع الدستوري إلى القانون ترتيب الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانوني للوزارات والإدارات الحكومية والمصالح العامة، وإمكان إنشاء هذه الهيئة التي لا يمكن أن تكون قضائية وإنما هيئة تمثل الدولة والأشخاص العامة المرفقية أمام القضاء.إن نص المادة (170) من الدستور قطعي الدلالة في عدم إمكان خلق هيئة قضائية غير المحاكم، وهذا النص قطعي الدلالة أيضا في أن الهيئة التي تتولى إبداء الرأي القانوني للوزارات والمصالح العامة هي من يمثل الدولة وسائر الهيئات العامة أمام القضاء، فهذه الهيئة هي هيئة محامي الدولة والمشورة ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون هيئة قضائية تتسم بصفة قضائية، ولكن يمكن للمشرع إذا أراد ذلك أن يفعل نص المادة (171) من الدستور، وينشئ مجلس الدولة يسند إليه وظائف القضاء الإداري والإفتاء والصياغة، ذلك أنه في دولة الكويت ووفقا للدستور من يتولى القضاء هي المحاكم فصلا في النزاعات وبصورة حيادية.الملاحظة الثانية جعل هذه الهيئة القضائية ملحقة بمجلس الوزراءإن الاستقلال يعني عدم الإلحاق وعدم التبعية، وهو يعني الاستقلال الإداري والمالي، وقبل كل ذلك الاستقلال الفني، ومن ثم فإن النص بإلحاق الفتوى والتشريع بمجلس الوزراء، أي بالسلطة التنفيذية، يهدم مفهوم الاستقلال، والقضاء يتميز باستقلاله ويحرص الدستور على ضمان استقلال القضاء، وفي ذلك تقضي المادة (163) من الدستور الكويتي بأنه «... ويكفل القانون استقلال القضاء...»، وإذا كان القضاء مستقلا فانه لا يخضع لسلطان.إن إلحاق الفتوى والتشريع بمجلس الوزراء يسقط عنها فكرة الاستقلال ويجعلها تخضع لإشرافه.ومن مظاهر الإلحاق التي تبين تبعية الفتوى والتشريع لمجلس الوزراء وما نصت عليه المادة (11) من الاقتراح بوجوب إبداء الفتوى والتشريع للرأي بناء على طلب مجلس الوزراء، وما جاء في المادة (7) بأنها تختص بإبداء الرأي القانوني في المسائل التي يستفتيها فيها مجلس الوزراء والأشخاص العامة المرفقية.كذلك من مظاهر التبعية للحكومة ما جاء في المادة (13) من اعتبارها محامي الحكومة وموطنها في الإجراءات القضائية.كذلك تظهر التبعية في المادة (17) التي تجيز لمجلس الوزراء بقرار منه تكليف الهيئة بمباشرة كل أو بعض اختصاصاتها لمصلحة الشركات التي تمتلك الدولة أو احد الأشخاص الاعتبارية العامة رأسمالها بالكامل، أي أن الفتوى والتشريع من الممكن بقرار من الحكومة أن تكون محاميا عن شخص خاص وليس عاما، ذلك أن الشركات المملوكة بالكامل للدولة هي أشخاص قانون خاص وتخضع لأحكام القانون الخاص كشركة مطاحن الدقيق الكويتية وشركة المشروعات السياحية. كذلك فإن التبعية لمجلس الوزراء تبين في المادة (18) التي تلزم الفتوى والتشريع بتقديم تقرير للوزير المختص عن الأحكام الصادرة بشأن قضايا الدولة والفتاوى والتشريعات والعقود.الملاحظة الثالثة جاء في المادة (36) من الاقتراح مساواة أعضاء الفتوى والتشريع بالنسبة إلى المرتبات والعلاوات والبدلات بما يتقاضاه رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة، كما تسري عليهم كل المزايا المقررة لرجال القضاء والنيابة العامة.وفي حقيقة الأمر والواقع ان هذا النص يقرر المساواة المالية بين طائفتين لا يتساويان في مراكزهم القانونية مما يعد إخلالاً بيناً بمبدأ المساواة.فالمساواة لا تكون إلا بين المتساوين في مراكزهم القانونية، ومن الواضح بحسب نصوص الدستور ان القضاء يضطلع به القضاة، والنيابة العامة جزء لا يتجزأ من القضاء بحسبانها تتبع المجلس الأعلى للقضاء، وان النيابة العامة تقوم بأعمال قضائية بحتة، وانها جزء من تشكيل المحاكم، والمحاكم هي المكونة للسلطة القضائية وفقا لنص المادة (35) من الدستور.إن قرارات المجلس الأعلى للقضاء تسري على أعضاء النيابة العامة، وهؤلاء يعملون كوكلاء نيابة، ومن الممكن بقرارات من المجلس الأعلى للقضاء أن يعملوا كقضاة وبالعكس، بل يشترط حتى يتم شغل وظيفة النائب العام ان يكون قد عمل مستشاراً في المحاكم، وهكذا فالنيابة العامة جزء من القضاء.إن أعضاء الفتوى والتشريع ليسوا قضاة ولا يقومون بأي عمل قضائي في حقيقة الأمر والواقع، فهم محامو الحكومة ومستشاروها وطبيعة عملهم لا تقر ذلك، ومن ثم فإن تقرير مساواتهم ماليا من حيث الأعباء الوظيفية بالقضاة وأعضاء النيابة العامة إنما هو تساو في النصوص دون المضمون، وهي مساواة بين غير المتماثلين في مراكزهم القانونية.إن المساواة بين غير المتماثلين في المراكز القانونية إخلال بمبدأ المساواة وبمفهوم العدالة التي هي أساس التكاليف العامة والمرتبات والبدلات والعلاوات وكل المزايا المالية مصروفات عامة لا تصرف إلا وفق مبادئ دستورية يقبع على رأسها مبدأ المساواة أمام التكاليف العامة.إن الطعن بعدم دستورية نص المادة (36) من الاقتراح يسير جدا، فيستطيع كل ذي مصلحة بالدعوى غير المباشرة التوصل إلى إلغاء هذا القانون.الملاحظة الرابعة لقد وهبت المادة (33) من الاقتراح لأعضاء الفتوى والتشريع الحصانة في الجلسات، وجعلتهم يتمتعون بما يتمتع به القاضي من حصانة وحماية، وجعلت التعدي عليهم بالإشارة أو القول أو التهديد جريمة من الجرائم المرتكبة ضد هيئة المحكمة.إن هذا النص يخل كذلك بمبدأ المساواة بين المتماثلين في مراكزهم القانونية، ذلك أن أعضاء الفتوى والتشريع يقفون أمام القضاء موقف المساواة مع غيرهم من المتقاضين، وإن كانوا يمثلون الحكومة فيجب أن يعاملوا في حالة الاعتداء عليهم معاملة الموظف الحكومي دونما زيادة.إن تقرير الضمانات لعضو الفتوى والتشريع كتلك المقررة للقاضي مستغربة في القانون، فهل يعني ذلك أن عضو سلطة قضائية يقف أمام عضو سلطة قضائية يمارس وظيفته القضائية؟، وهل يعني ذلك أن على القاضي أن يتعامل مع الخصوم بدرجة غير متساوية فهو أمام ند له وأمام شخص عادي؟إن القاضي وقبل أن يفصل في النزاع إن كان احد أطرافه الفتوى والتشريع عليه واجب قانوني، وفقا لهذا التعديل المقترح، يتمثل في اللجوء إلى المحكمة الدستورية لبيان الطبيعة القانونية لعضو الفتوى والتشريع، وهل هو من رجال القضاء أم لا؟إن تقرير امتياز خاص لأعضاء الفتوى ومساواتهم بالقضاء في الجلسات يخل بمبدأ المساواة في التقاضي والمساواة بين الخصوم، ويجعل القاضي في حرج غير مبرر بالإضافة إلى مخالفة ذلك لصريح مبدأ المساواة.الملاحظة الخامسة نص الاقتراح في المادة (4) منه على إنشاء مجلس أعلى للهيئة القضائية، وهذا النص مبتدع وهو يخالف بعنف نص المادة (168) من الدستور التي بينت أنه يكون للقضاء مجلس أعلى ينظمه القانون ويبين صلاحياته.والمجلس الأعلى للقضاء هو المهيمن على السلطة القضائية، وهو الذي يدير التنظيم الإداري والمالي والفني للقضاة وأعضاء النيابة العامة.إن خلق مجلس أعلى للهيئة القضائية الجديدة في غير محله، وهو بالإضافة إلى مخالفته الصريحة لنصوص الدستور، لاسيما المادة (168) والمادة (170)، فإنه سوف يؤول إلى خلط المصطلحات القانونية والمفاهيم الفقهية المستقرة في علم القانون.كما نصت المادة (49) من الاقتراح على إنشاء معهد للدراسات التشريعية والقانونية، والزم الاقتراح التدريس في المعهد وجعله واجبا أساسيا من واجبات الوظيفة.وفي حقيقة الأمر والواقع ان الدراسات التأصيلية والفقهية تكون في كليات الحقوق، ويضطلع الأكاديميون بمهنة التدريس بما يملكونه من أدوات فنية وإجازات في الفلسفة تمكنهم من القيام بهذه المهمة التي يتفق العالم كله على إسنادها إلى الجامعات دون غيرها.وإذا كان للقضاء معهد للدراسات فإنما يختص بإعطاء الدورات العلمية في فنون إصدار الأحكام والتسبيب والمهارات الفنية الأخرى التي يحتاج إليها القاضي، وتكون الاستعانة دائما وأبداً بأساتذة كليات الحقوق، بل ان عميد كلية الحقوق عضو في المعهد.ولا شك في أن ما نصت عليه المادة (49) من الاقتراح إنما هو خلق لاختصاص جديد للفتوى والتشريع بالمخالفة لنص المادة (170) من الدستور، ويمكن بدلاً من ذلك تكثيف الدورات التدريبية لأعضاء الفتوى والتشريع.كما ان إنشاء ناد خاص لأعضاء الهيئة وفقا لما جاء في المادة (50) من الاقتراح هو تزيد لا مبرر له، فأعضاء الفتوى غير محظور عليهم ما هو محظور على القاضي، ولهم أن يمارسوا أنشطتهم الرياضية والثقافية والاجتماعية في مختلف الأماكن العامة والخاصة والأندية الرياضية والمعاهد الصحية والصالونات الثقافية دون أي محاذير، ودونما حاجة إلى عزلهم عن العالم الخارجي لعدم الحاجة إلى هذا العزل.