وضحى المسجّن وجزيرة الشعر

نشر في 02-08-2009
آخر تحديث 02-08-2009 | 00:01
 آدم يوسف للشاعرة البحرينية وضحى المسجّن تجربتها الخاصة، وحضورها البهي اللافت أيضاً. أسئلة كثيرة انتابتني، حين كنت أستمع إلى نصوصها في ملتقى الثلاثاء الثقافي، حيث أحيت أمسية شعرية الأربعاء المنصرم.

أما ديوانها «كف الجنة»، فما أن تقرأ منه بضعة أسطر حتى تأخذك الخيالات، وتحاصرك الحالة الصوفية، بكل زخمها، وغموضها، وأسئلتها المواربة. هي حالة شعرية تستحضر «طوق الحمامة» وتركن إلى مقام العشق، ولذة العتاب، وما بينهما من قسوة، وتبتل، وبكاء، وهجر. الديوان مُقسَّم إلى سبعة مقامات: مقام الهجر، مقام المعاتبة، مقام الوفاء، مقام الجوى، مقام الكشف، مقام السلو، مقام التداخل. وهو كذلك معبأ بالمفردة/المصطلح الصوفي، مثل: مقام، السر، متاهة، انبلاج، الجوى، الكشف... إلخ.

لا تسلم قصائد الديوان من الغموض، الذي يلازم الحالة الصوفية، وهو غموض ينجم عن تكثيف العبارة، ويتولد عن الحالة الوجدانية، والتراكيب المجازية التي تعتمد على الصورة المركبة وتداعياتها، تقول:

«يبتهج الحلم

ينزلان في متاهة خضرة، أو مفاجأة جرح، يمران في لطف التداخل، ورقرقة الهذيان، يضيعان في الأجنحة ويرتفعان في الجمر، قلباهما جنة المعنى، وجسداهما نزهة الفوضى، يسيران في انسراب نورسة، ويهمسان انبلاج يمام». فالصوفية حالة غامضة، وسر مكنون يصعب كشفه إلا بالنسبة إلى المجرب/العارف.

قرأت الشاعرة في الأمسية بعص نصوصها الأخيرة، وهي مقاطع قصيرة مكتنزة، ليست غامضة، أو مكثفة عبر المجاز، إنما هي نصوص تأملية، تفتح المشهد على مصراعيه، وتترك للقارئ/المستمع فرصة التأمل. لم تشأ أن تدرج هذه النصوص في ديوانها المذكور، والسبب برأيي يعود إلى رغبتها في أن تترك هذا الديوان المنفرد وحدة قائمة بذاتها، منسجما بأبوابه ومقاماته، ومتوحدا كذلك بمضمونه، وصياغاته، ولغته. النصوص تكاد تكون دائرة واحدة تلتف حول ذاتها من مفتتح الديوان حتى منتهاه.

في مقاماتها السبعة تقلب المسجّن صفحات الولد الأسمر، والصبية العاشقة المجنحة، يالها من ثنائية محببة إلى القلب، وهي بين هذا وذاك تستحضر طوق الحمامة، وتحلق مع ابن حزم الأندلسي، بجناحين خاصين، «الولد الأسمر والصبية العاشقة» تقول في مقام الهجر:

«أول الصبية هاجس السر، أول الولد الأسمر فتنة الورد

مرّ بهما شجر القبيلة في التفاتة الماء، وشرر القوس، يربّيان الثغاء في حديث العيون، قال: إني مسر إليكما بسر اللبلابة، العاشقان تذاكرا السر، يلتفتان... يتراجعان تماماً كما ينبغي لريشة حب، كبر بينهما المعنى، يتكشف عن السر في هاجسه، عن الورد في الفتنة يأوي».

اللافت أن نبات اللبلابة الوارد ذكره في النصوص يتفق تماماً مع أجواء الديوان، فهو بحسب التعريف المعجمي، «نبات عشبي يلتف على المزروعات والشجر» تماماً كالعاشق الذي يلتف حول محبوبه، كـ»سر مخبأ» أو «طوق حمامة» تبحث عن من يفك أسرها.

جاءت أمسية وضحى المسجّن تتويجاً لأمسيات شعراء بحرينيين آخرين أضاؤوا سماء الكويت، نذكر منهم مهدي سلمان، وأحمد الستراوي اللذين أحيا أمسية شعرية ناجحة في جمعية الخريجين الكويتية قبل أشهر عديدة، وقرآ نصوصاً من ديوانيهما الأخيرين. كذلك أحيا الشاعر البحريني أحمد العجمي أمسية شعرية في الكويت، أوائل السنة الجارية، كانت مميزة، ومحملة بالنصوص الرؤيوية، المدهشة. وقّع للحضور ديوانيه «تفاحة أو قلب» و»عند حافة الفم».

الخلاصة التي نستكشفها من كل ما سبق تميز الحركة الشعرية الجديدة في البحرين، مع حراك ثقافي نتابعه عبر الصحافة، تولدت عنه أسماء مبدعة، يؤمل أن يكون لها حضورها ومستقبلها البهي.

الثابت أن هذه الجزيرة الصغيرة/الكبيرة، ليست فقط ملاذاً للؤلؤ، وجسراً للعبور، إنما هي منبع كذلك للشعر والإبداع.

back to top