المرحلة الثانية من انتفاضة يونيو

نشر في 31-07-2009 | 00:00
آخر تحديث 31-07-2009 | 00:00
 بدر عبدالملك في أوج غضب الشارع الإيراني حيال نتائج الانتخابات، وصفت المعارضة نفسها بأنها تعيش "حالة انتفاضة سياسية عارمة وعامة"، ولا يعرف أحد إلى أين تنتهي تلك الحالة من الغليان؟ ولم يكن في علم الطرفين، المحافظ ولا الإصلاحيين، المدى الذي سيمتد فيه الموج الإيراني أو يطل التنين برأسه بعد تاريخ مكبوت، فانفلات الشارع يفوق قدرة المعارضة أو المرشحين الخاسرين، والذين يتهمون أحمدي نجاد بالتزوير.

تلك الحالة السياسية أخرجت المكبوت الإيراني الطويل لدولة دخلت مأزقاً سياسياً في العمق، من حالة الدولة الدينية المتزمتة إلى دولة أمنية أو بوليسية في مجتمع مدني، حاول خلال الشهور الأولى من الحملة الانتخابية للرئاسة التعبير عن مكنوناته، من خلال الحملات التي كانت تنطلق بهدف انتخاب البرلمان أو نواب البلديات.

غير أن المسار اليومي للدولة في السنوات الأخيرة وفي تفاصيلها اليومية الملموسة، كشف أكثر فأكثر مدى تدخل أجهزة الإعلام والاستخبارات والقضاة في كل صغيرة وكبيرة في الحياة المدنية، بما فيها ملاحقة الجيل الشاب في مظهره الاجتماعي، وسلوكه المتعلق بحضارة الغرب والخارج، معتبرين- تيار التشدد من المحافظين- أن ذلك خروج عن خط الثورة واستنفارها الأول العظيم.

كانت إيران دائماً تحمل المخاضات التاريخية الكبرى مثل بقية الشعوب، وهذا المنطق التاريخي جعل المراقبين يفسرون الأحداث من منظورين؛ الأول، برؤية أن الانتفاضة استنفرت قواها واستنفذتها عند مرحلة الانتهاء من الانتخابات، بينما يرى المنظور الثاني أن الانتفاضة تتهيأ للدخول إلى مرحلة ثانية، وفي حاجة إلى التقاط الأنفاس كي تستأنف احتجاجاتها بعد إعادة قراءة ما حدث خلال الأسابيع اللاحقة لنتائج الانتخابات، وما تمخض عنها من قتل أبرياء واعتقال العشرات وجرح كثيرين، مما أدخل الحزن في البيت الإيراني وأفقده الثقة بالنظام والثورة، وبدأ يستعيد ذهنه مسترجعا أسئلة كثيرة.

وكان من خطأ ممارسة النظام دخوله بعنف مفرط في مواجهة حركة الشارع الغاضب، في زمن الإعلام والصورة والأخبار الطيارة، مما جعل النظام محاصراً من كل الجهات في الداخل والخارج، غير أن الداخل هو البالون الذي يتمدد بسرعة تفوق قدرة الدولة الأمنية التي حوّلت مناخ إيران فجأة إلى حالة طوارئ، مما يعني نقل مناخ الانتخابات الحرة إلى مناخ عكسي، فاجأت الناس بشكل مثير ومرعب، وكلما حاولت العائلات إقامة مجالس تأنيب وجدت نفسها معرَّضة للرفض والمراقبة، مما فرض نفسه على النخب والصفوة السياسية في القمة وعلى الشارع الواسع من الشعب الإيراني المختنق بأزمات معيشية كثيرة.

هذا التلاقي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والمتمظهر في قمة الهرم جاء واضحاً في الأيام الأخيرة، مما أدخل الرئيس نفسه في حالة ارتباك مع التيار المحافظ والمرجعية العليا ورجال الدين ومجلس تشخيص النظام، فأخذ يضرب بسيفه يميناً وشمالاً، فأقال ما يقرب من نصف حكومته، التي يبلغ عددها 21 وزيراً، مخالفاً المادة 136 من الدستور الإيراني الذي لا يجيز في حالة إقالة نصف الحكومة أن يكون وضعها شرعياً، مما يعني أن مجلس النواب يسحب منها ثقته ويعيد الانتخاب مرة أخرى.

حاول الرئيس استخدام شطرنج عجوز بتركه وزير الثقافة كرقم فقط للموازنة، ولكن الوزير رفض من تلقاء نفسه بعد أن وجد كرامته السياسية والشخصية لا تسمح له بالبقاء، وفي مناخ سياسي فقد احترامه في الشارع. ما قالته جريدة كيهان أعمق وأبعد من ذلك باتهام مشائي "بارتباطه بدولة أجنبية"، وانه يعد من العناصر الخطيرة جداً، لافتة إلى وجود اتصالات سرية بين جهات تدير مشائي والولايات المتحدة.

ومجرد التوغل في عمق تلك الخطابات، نرى مدى الصدع الناجم في جسد الهرم وقمته، بينما راحت أصوات المعارضة تدق في جسد الدولة الدينية ومؤسساتها لتطالب المرشد باتخاذ إجراء لإنهاء ما وصفوه بـ"دولة الأمن"، التي فرضت في أعقاب الانتخابات الرئاسية، في حين امتدت دعوتهم لرجال الدين في قم إلى وضع حد لـ"القمع" الذي تمارسه السلطات، والمناشدة بإطلاق سراح المعتقلين.

بين منطقي "دولة الأمن" و"القمع" تدخل المؤسسة الدينية ودولتها السياسية في قمة الأزمة باحثة عن مخرج جديد لديمقراطيتها المشوهة التي بدت برأس حاد وأظافر مخيفة إزاء معارضة سلمية ومدنية، قد تدخل في المرحلة الثانية إلى حالة أوسع من الخلاف قد لا تقبل بنصف الحلول، وإنما تنتظر من المؤسسة الدينية حلاً ناجعاً يرضيها، وإلا فإن الأمر يضعها في امتحان صعب للغاية أمام جمهورها الواسع، وسيكون إطلاق سراح المعتقلين من دون شرط أو قيد سؤال يثير أسئلة عديدة للانتفاضة في مرحلتها الثانية، وفي مناخات التأبين لقتلى كانوا يرددون بأصواتهم "يسقط الدكتاتور"... فهل بالفعل بعد إقالة الرئيس نصف وزرائه وتعيين "صهره" دخل تلك المنطقة الرمادية من حكمه؟

أمام انتفاضة يونيو فرصة تاريخية لن تتكرر، هو التفافها وراء متاريس الشارع المدنية وبناء جبهة عريضة، أعلنها الزعماء في الأيام الأخيرة، مما يعني أننا أمام اصطفاف إيراني جديد في الدولة الدينية السياسية المترهلة بعد أربعة عقود من هيمنتها دون أي تغيير أو تجديد.

* كاتب بحريني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top