الفتنة الطائفية في الكويت

نشر في 23-06-2009
آخر تحديث 23-06-2009 | 00:00
 د. صلاح الفضلي هناك العديد من المشاكل التي نعانيها في الكويت كما هي الحال في أي مجتمع، والتي يمكن التعايش معها، لكن في المقابل هناك مشاكل تشكل مخاطر حقيقية تهدد أمن المجتمع. أخطر هذه المخاطر هو تقسيم المجتمع على أساس عرقي إلى حضر وبدو، والذي شهدت الانتخابات الماضية عزفاً نشازاً على وتره، أما الأخطر من ذلك كله فهو تقسيم المجتمع طائفياً إلى سنة وشيعة.

في السابق كانت تصدر إشارات وتلميحات طائفية هنا وهناك، لكن في السنوات الثلاث الماضية بدأنا نشهد تناولاً صريحاً للقضايا الحساسة طائفياً، وتمثل بعض المقالات الصحافية أوضح صور الاستثارات الطائفية، التي تجاوز بعضها الخطوط الحمراء. وكمثال على هذه النوع من المقالات ما كتبه الأستاذ عدنان عبدالقادر بتاريخ 15/6/2009 بعنوان «هل نبيح الزنى واللواط والتعري»، وذلك رداً على مقالة للأستاذ علي المتروك الذي تناول فيها موضوع «زيارة القبور».

أنا أفهم أن من حق كل شخص أن يدافع عن وجهة النظر التي يتبناها، ولكن أيضاً بشرط ألا يسيء إلى معتقدات الآخرين أو أن يجرح مشاعرهم من خلال عناوين استفزازية، وهذا ما حواه مقال عدنان عبدالقادر.

الاستناد إلى روايات ضعيفة من كتب هذا الفريق أو ذاك لا يجوز أن يكون مدخلاً للقدح في عقائدهم أو التجني عليهم، وإذا كان كل شخص يريد أن يفتح كتب الطرف الآخر ليجد فيها سقطة هنا أو عثرة هناك كمدخل للهجوم عليهم، وتصوير ذلك على أنه رأي هذا الفريق فلن يصعب عليه ذلك، ولكن ليعلم أن الآخرين يمكنهم فعل ذلك أيضاً.

إذا كان الأستاذ عدنان يريد القول إن مسألة الإتيان من الدبر لواطاً فعليه أن يراجع البخاري في كتاب التفسير باب قوله تعالى «نساؤكم حرث لكم، فأتوا حرثكم أنى شئتم»، وليراجع قول ابن حجر في فتح الباري، وكذلك حديث ابن عمر في «إتيان المرأة...»، وليراجع رواية ابن عون التي أخرجها بن راهويه في مسنده، وليراجع قصة الإمام مالك مع من جاء يسأله عن حكم ذلك.

وإذا كان الأستاذ عدنان يعتبر أن رواية «عارية الفرج» التي أوردها عن الإمام الصادق تبيح الزنى والتعري فليرجع إلى قول الإمام مالك في «المدونة الكبرى» ج8، وفي «الذخيرة» ج11 إذا وطئ أحد الشريكين امرأة.

هناك الكثير من الأمور التي شذ فيها بعض فقهاء المسلمين عن بقية الفقهاء، وهناك ما هو أعظم عند جميع الفرق الإسلامية، وبعض الروايات والفتاوى التي نسبت إلى كبار الفقهاء أو أئمة المذاهب تحمل على غير الوجه المتبادر منه أو أنها تكون مسؤولية من أفتى بها، ولا يجوز تحميلها لطائفة أو فرقة بأكملها.

الأخطر من ذلك أن يتم الإساءة إلى أئمة المسلمين وثقاتهم من خلال نسب هذه الروايات الضعيفة إليهم، وكأنها تعبر عن آرائهم، وهذا ما يؤدي إلى استفزاز المشاعر واستثارة الحس الطائفي، وهو ما لا يتحمله مجتمعنا، وينذر بعواقب وخيمة.

تصاعد وتيرة ونغمة الحساسية الطائفية التي قد تقودنا رويداً رويدا إلى فتنة طائفية لا سمح الله، يفرض الابتعاد عن موارد الخلاف بين فرق المسلمين المختلفة واحترام كل طرف لعقائد وقناعات الطرف الآخر ومقدساته، وأن نحافظ على وحدة أبناء المجتمع وترابطهم بالتمسك بما ورد في الدستور من صون الدولة لحرية العبادة، وما نص عليه القانون من عدم جواز تحقير معتقدات الآخرين أو العيب فيها، بحيث يكون الجميع أحرارا فيما يعتقدون، ولهم الحق في ممارسة ذلك بالطريقة التي يرونها، وواجب الدولة أن تصون ذلك وتعطي كل ذي حق حقه، بحيث يكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات دون انتقاص أو تمييز.

ولا أريد أن يفهم أني أعيب في هذه المسألة طرفا دون آخر، إنما الجميع معنيون بهذا الأمر، وفي هذا المجال ندعو إلى الإسراع في إقرار الاقتراح المقدم من النواب مرزوق الغانم وعبدالله الرومي وصالح الملا وعلي الراشد الذي يجرم التحريض على الكراهية وازدراء وتحقير معتقدات الآخرين حتى يكون ذلك رادعا لمن يريد أن يشعل الفتنة.

تعليق: مواجهة الحكومة اليوم وطريقة تعاطيها مع استجواب وزير الداخلية تعتبران المحك الحقيقي للنهج الذي ستسير عليه في الفترة المقبلة، فإذا نجحت في التعامل مع الاستجواب وما يعقبه من احتمال طرح الثقة بالوزير- وهو الاحتمال الأرجح- فإنها تثبت أنها تعلمت من دروس الماضي، وأما إذا تعاملت مع الأمور بنفس العقلية السابقة، فمعناها «لا طبنا ولا غدا الشر».

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top