Up In the Air... جنة الشركات ونارها
إنه ملاك صغير مدمر... يجوب ريان بينغهام الأجواء الأميركية ولا يطأ الأرض إلا في مدن تعرضت للأزمة المالية. وهناك، بالنيابة عن مديري الموارد البشرية الذين يخشون مواجهة موظفيهم، يباشر بعقد اجتماعات صرف من العمل.صحيح أن هذه الوظيفة أفضل من العمل في تعذيب المساجين في أبو غريب، لكنها تبقى في أسفل سلّم الوظائف المحترمة. بيد أن نبوغ جايسون ريتمان، مخرج فيلم Up In the Air، يتجلى في إعطاء هذا الدور إلى النجم الأبرز في السينما المعاصرة، رجل جذاب يتميز بسحره وأناقته.
في المشاهد الأولى من Up In the Air، ينجح جورج كلوني في إقناعنا أن من النُبل تجميع الأموال من خلال «برنامج الوفاء لشركة الخطوط الجوية» التي يتعامل معها، معرفة السبيل الأفضل إلى الاحتفاظ بملابس رسمية في حقيبة السفر، وإقناع موظف للحظات بأننا نسدي إليه خدمة بحرمانه من لقمة عيشه. تكمن قوة جايسون ريتمان في تقبله الواقع. فالاستنكار أبعد ما يكون عن أعماله. إذ قدّم فيلماً عن أحد المنشقين عن قطاع التدخين (Thank You For Smoking) وآخر عن مراهقة لم تأخذ الاحتياطات اللازمة لمنع الحمل (Juno). هكذا تراه لا يراقب أهدافه (شخصياته)، يجعلها تتحرك، ويثير تفاعلات كيماوية بين وضعها الاجتماعي وحياتها العاطفية. وهذا ما يجعل من Up In the Air فيلماً كثير التقلبات. فنرى في مجموعة المشاهد المتتالية انتقالاً من المزاح الماكر إلى الوحشية الاجتماعية الأشد. أثناء تحضير الفيلم، قابل ريتمان ضحايا عدد من عمليات الصرف الجماعية. وأدرجت المقابلات التي أجريت مع هؤلاء في نسخة الفيلم النهائية. لا يمكن تمييزها دائماً عن الأجزاء المكتوبة والتي أداها الممثلون، لكن وجودها يبرز نوعاً من التباين يحول دون أن ينحصر Up In the Air بلطافة متكلفة لفارس يتنقل بلا هوادة بين الشركات المتعددة الجنسيات. إذا وضعنا جانباً مغامرات كلوني المتكررة مع براد بيت في سلسلة Ocean’s للمخرج ستيفن سودربيرغ، نجد أن سفير قهوةNespresso منسياً منذ دور البطولة الملتهب الذي أداه إلى جانب جنيفر لوبيز في Out of sight، وهو أيضاً من إخراج سودربيرغ. اليوم، وجد جورج كلوني نداً له. إنها الممثلة فيرا فارميغا التي تؤدي دور أليكس الرقيقة (تُنسب إليها أفضل الردود على الفيلم، وهذا ما يظهر من خلال التعليقات المقتضبة)، الجريئة، والتي تجسد ذروة الأناقة المؤسساتية، وهي نموذج غير تقليدي بين النساء تلقي أحداث الفيلم الضوء عليه بشكل مربك. عادات منفرةلا يكتفي جايسون ريتمان بنقل العادات والأخلاق المنفرة التي تطبع الولايات المتحدة في فترة الأزمة المالية، بل يروي أيضاً قصة سفر راي بينغهام باتجاه الجنس البشري. لا شيء يهيئه لذلك لأنه يكمّل الإيرادات التي يجنيها من خلال عمليات الصرف بإلقاء محاضرات تشجع جمهوره على التحرر من أي التزام، مالياً كان أو عائلياً أو عاطفياً. ويصادف دخول أليكس المفاجئ إلى حياته مع توظيف ناتالي (آنا كاندريك، وهي أيضاً لامعة) في الشركة حيث يعمل. فتقترح هذه الشابة، التي تخرّجت لتوها من الجامعة، على الإدارة استبدال مقابلات الصرف بمقابلات تُجرى عن بُعد وتسمح للشركة بخفض التكلفات التي تتكبدها.لكن بهذه الطريقة يبقى رايان بينغهام محتجزاً في مقر الشركة في أوماها بنيبراسكا، ويعجز عن تحقيق أهم أهدافه: تجميع 10 ملايين ميل على بطاقة الوفاء لشركة الخطوط الجوية American Airlines. يجسّد هذا المستطيل المصنوع من الغرافيت (أو تلك البطاقة البلاستيكية، حسبما يعرفها الناس) طموحات الولايات المتحدة الفاسدة في عصر الرهن العقاري. وللتصدي لها، ينصح جايسون ريتمان، الذي لا يُعتبر متمرداً، ببقاء الأسرة متضامنة في مواجهة الأزمات كافة. لهذا الغرض، يجبر بطله على حضور حفلة زفاف شقيقته في ثلوج ويسكنسن، مسقط رأسه. إنه أكثر مشهد لا يمكن توقعه في الفيلم.فربما نظن أن Up In the Air سينتهي بفورة من المشاعر الجيدة، كما هي الحال مع بعض أفلام المخرج فرانك كابرا. لكن من المؤسف بالنسبة إلى بينغهام، ومن الجيد بالنسبة إلينا، أن جايسون رايتمان أكثر شفافية من أن يسمح لنفسه بأن ينحى بهذا الاتجاه. لذلك تعتبر نهاية Up In the Air محيرة بشكل رائع. فستار التهكم بالكاد يسمح بتسرب بصيص أمل. فنترك بطلنا حيث وجدناه تقريباً، معلقاً بين جنة وهمية لمقرات الشركات وجحيم المكاتب الصغيرة التي تنهي مسيرة الموظفين المهنية.