طرح إلغاء الطائفية السياسية في لبنان يُنذِر باشتعال المطالبات المذهبية
يحاول المعنيّون بالشأن السياسي في لبنان استطلاع الأسس التي يرتكز عليها رئيس الجمهورية ميشال سليمان للحديث عن أن إلغاء الطائفية السياسية لا يؤدي إلى إلغاء المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
وفي حين يعتبر أنصار إلغاء الطائفية السياسية أن طرح رئيس الجمهورية بالحفاظ على المناصفة، يتناقض مع مبدأ إلغاء الطائفية السياسية، الذي يقوم على قاعدة وجوب عدم التمييز بين المسلمين والمسيحيين في شغل المناصب العامة السياسية والإدارية والأمنية، تؤكد الأوساط القريبة من رئيس الجمهورية أنه يملك تصوراً متكاملاً لهذه المسألة خلافاً لما يعتقده البعض من أنه طرح متسرع يقارب الشعار السياسي أكثر من أنه يقوم على مشروع سياسي. ويصرّ القريبون من رئيس الجمهورية على عدم الغوص في التفاصيل، تاركين للرئيس نفسه وللأيام المقبلة الكشف عن التصور المتكامل، فهم يكتفون بالقول، على سبيل المثال، إن قانون الانتخاب الجديد وتقسيم الدوائر الانتخابية وتوزيع المقاعد النيابية على هذه الدوائر مع الأخذ في الاعتبار التوزيع الديموغرافي للبنانيين من شأنها أن تضمن مناصفةً واقعيةً مسيحيةً إسلاميةً في المجلس النيابي من دون أن تتضمن النصوص القانونية إلزاميةً لهذه المناصفة. ويذهب بعض أهل السياسة في لبنان في تفسير موقف رئيس الجمهورية على أنه رد غير مباشر على الذين يعتبرون أن رئاسة مجلسٍ للشيوخ، الذي ينص اتفاق الطائف على قيامه بعد أول مجلس نيابي منتخب على أساس غير طائفي، يُفترَض أن تؤول إلى الطائفة الدرزية. وفي رأي هؤلاء أن إصرار رئيس الجمهورية على ألا يكون إلغاء الطائفية السياسية مناسبة لإلغاء المناصفة بين المسيحيين والمسلمين سيعزز مقولة البعض، إن رئاسة مجلس الشيوخ يُفترَض أن يتولاها أحد أبناء الطوائف المسيحية، وتحديداً الطائفة الأرثوذكسية التي تعتبر الطائفة المسيحية الثانية من حيث العدد في لبنان. ويستند هؤلاء في وجهة نظرهم إلى أنه من غير الجائز في ظل الحفاظ على المناصفة أن تؤول ثلاث رئاسات إلى الطوائف الإسلامية (مجلس النواب للشيعة، ومجلس الوزراء للسنة، ومجلس الشيوخ للدروز) في حين يتولى رئاسة الجمهورية، التي حُجِّمت صلاحياتها في اتفاق الطائف، أحد أبناء الطائفة المارونية، وتبقى الطائفتان الأرثوذكسية والكاثوليكية من دون مواقع رئاسية علما أن عدد نواب الطائفة الكاثوليكية يوازي عدد نواب الطائفة الدرزية (8 نواب لكل منهما)، في حين أن عدد نواب الطائفة الأرثوذكسية يبلغ 14 نائباً. ويبدو أن هناك اتجاهاً أرثوذكسيا إلى إثارة هذه المسألة إلى العلن في حال المضي قدماً في إثارة هذه الملفات، كما أن الطائفة الكاثوليكية، التي تشكو عدمَ أخذها في الاعتبار في التعيينات الإدارية، ستبادر إلى إثارة استبعادها عن المواقع الرئاسية، وهي ستطالب، على الأقل، بتولي نيابة رئاسة مجلس النواب أو نيابة رئاسة مجلس الوزراء، خصوصاً إذا تولت الطائفة الدرزية موقعاً رئاسياً. ويخلص المتابعون إلى أن موضوع إلغاء الطائفية السياسية يتجه إلى أن يتحوّل إلى معركة سياسية وإعلامية سياسية - مسيحية من جهة، ومذهبية داخل كلٍّ من الطائفتين من جهة مقابلة، وهو ما قد يفرض على الجميع في مرحلةٍ من المراحل التراجع عن الطروحات المتقدمة التي وصلوا إليها في التمسك بمواقفهم.