أكذوبة التعليم المجاني

نشر في 04-03-2010
آخر تحديث 04-03-2010 | 00:00
 حسن مصطفى الموسوي الحديث عن التعليم حديث ذو آهات وشجون لأن التردي في المجال مستمر دون توقف، وباعتقادي أن السبب الرئيس لذلك هو اهتمام المسؤولين بالشكليات والقشور، إضافة إلى عدم فهم بعضهم للأسباب الرئيسة الواضحة لتردي التعليم العام والسكوت عن التسيب واللامبالاة.

وأحد مظاهر السكوت عن التسيب هو تغيب الطلبة قبل العطل الرسمية، خصوصا أعياد الفطر والأضحى والاستقلال، حيث بات من الطبيعي جدا أن «يأكل» الطلبة يومين وثلاثة أيام إضافية قبل حلول هذه العطل وتحت نظر الوزارة التي من المفترض أن تمارس الحزم والعقاب بحق هؤلاء لا الاكتفاء بالتفرج والسكوت عليهم.

من ناحية أخرى، نجد أن بعض مسؤولي الوزارة يتحدثون وبكل بهرجة عن إدخال التكنولوجيا في التعليم وإدخال نظام المناهج الإلكترونية، وكيف أن ذلك سيطور من التعليم، فهؤلاء المسؤولون يتحدثون وكأن تحويل المناهج من الورق إلى الكمبيوتر هو الذي سيحدث نهضة في التعليم، متناسين أن المحتوى واحد في كلتا الحالتين. فكثير من المناهج متخلف إلى الآن ويحض على الحفظ لا الفهم والتفكير، وبعضها الآخر يحض على الكراهية والتكفير، ناهيك عن تعقيد بعضها. فهذا مثال واضح عن حب المسؤولين للبهرجة والتمسك بالقشور لا اللب والمحتوى.

ثم نأتي إلى المشكلة الكبرى وهي الدروس الخصوصية، فقد أضحكتني إحدى وكيلات الوزارة (وما أكثرهن هذه الأيام) عندما قالت أخيرا إن الوزارة ستتخذ إجراءات رادعة لمنع الدروس الخصوصية، وكان الأجدى لها البحث عن أسباب تفشي الدروس الخصوصية ومعالجتها، أي معالجة الفعل لا ردة الفعل التي لن تزول بعدم زوال الفعل، هذا إلا إذا كانت هذه الوكيلة لا تعرف شيئا عن قانون نيوتن الثالث.

فسبب تفشي الدروس الخصوصية هو الضعف الرهيب في رواتب المدرسين الوافدين الذين يمثلون السواد الأعظم من المدرسين، واللافت للنظر أن رواتب بعض المدرسين قبل الغزو كانت أعلى منها بعد التحرير، مع أن المنطق يفترض أن يحصل العكس. ولايزال بعض المدرسين القدماء يحتفظون بميزة الراتب العالي الذي كانوا يتقاضونه قبل الغزو فيما يتقاضى الجدد أقل من ذلك، وهذا يؤدي إلى عدم جذب المدرسين الأكفاء في أغلب الأحيان، وهذا الوضع هو الذي يدفع بهؤلاء للعمل من العصر إلى منتصف الليل أحيانا في مجال الدروس الخصوصية في محاولة لتأمين لقمة العيش الكريمة التي تغربوا من أجلها، وعندما يجد هذا المدرس أن الدروس الخصوصية أكثر إدرارا ماليا بكثير من العمل الرسمي فإنه سيضع جهده بهذا المجال، ولن يبذل جهدا في تعليم طلبته في المدرسة صباحا. أضف إلى ذلك أن هذا الوضع المالي اضطر الكثيرين منهم إلى أن يكونوا أسرى لخدمات بعض أولياء أمور الطلبة من تخليص معاملات وغيرها، وبذلك يكون مضطرا لمجاملة هؤلاء الطلبة وإعطائهم درجات لا يستحقونها.

وهذا الوضع ليس ظالما فقط للمدرسين بل لأولياء الأمور أيضا، فالميسورون منهم مضطرون لإنفاق المال على الدروس الخصوصية من أجل تعويض رداءة التدريس صباحا، وأما غير المستطيعين فيضطرون لتدريس أبنائهم ولمن لا يقدر على أي من هذين الخيارين فإنه يترك مصير أبنائه للقدر، فإما أن يعتمدوا على أنفسهم وإما أن يتركوا دون حسيب أو رقيب فيفشلوا كما فشل الكثيرون، وبعد كل هذا ندعي أن التعليم مجاني في الدولة!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top