ابناء السندباد

نشر في 02-02-2010
آخر تحديث 02-02-2010 | 00:00
 طالب الرفاعي الإخلاص والجدّ ومثابرة العلماء، إن هذه الأوصاف أصدق ما تقع على الجهد الجليل الذي ينهض به الأستاذ الدكتور عبدالله الغنيم، في إدارة عمل «مركز البحوث والدراسات الكويتية»، منارة العلم والثقافة الكويتية الأجمل، منذ تأسيس المركز عام 1992.

القول إن البحر كان على الدوام مقترناً بتاريخ وحياة الإنسان الكويتي، يتجلى كأوضح ما يكون من خلال كتاب «أبناء السندباد – Son Of Sindbad» الذي ألفه القبطان الأسترالي «ألن فاليرز – Alan Villiers» عام 1940، ويُعد بحق شهادة عالمية مهمة، تشيد بخبرة ومهارة النواخذة والبحارة الكويتيين، وحياة وأهوال البحر الصعبة التي كان يعيشها الشعب الكويتي، ممثلاً في عمل رجاله، في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

ترجم الكتاب وحققه الدكتور نايف خرما، رئيس قسم اللغة الإنكليزية في جامعة الكويت سابقاً، وراجعه الدكتور يعقوب يوسف الحجي. ويحمل الأمر دلالة مهمة، بأن يتصدى سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، بخطّ مقدمة للكتاب، وقت صدوره عن مطبعة الكويت عام 1982، وكان سموه حينذاك وزيراً للإعلام.

لقد شُغف ألن فاليرز (1903-1982) بعالم البحر منذ نعومة أظفاره، «بدأ بالإبحار على متن مركب شراعي مغادراً وطنه أستراليا منذ كان في الخامسة عشرة» ص13، لكنه ظل يحلم بركوب إحدى السفن الشراعية العربية، وأن يعيش ويعايش حياة ومغامرة بحارتها العرب، «للوقوف على الطرق الملاحية التي يتبعونها في رحلاتهم الموسمية في بحر العرب وغرب المحيط الهندي» ص22، وأسلوب قيادتهم لسفنهم، بعيداً عن عوالم وتقنيات قيادة السفن الغربية.

وصل فاليرز إلى عدن حاملاً توصية من «الجمعية الملكية الجغرافية البريطانية»، وهناك «لجأ إلى مكتب التاجر الكويتي خالد عبداللطيف الحمد واخوانه، حيث قدمه التاجر علي الحمد إلى النوخذة الكويتي علي بن ناصر النجدي (1915-1979)، قبطان السفينة الشراعية البوم بيان» ص22.

ألف فاليرز كتابه «أبناء السندباد»، متتبعاً أخبار وتفاصيل الرحلة التي قام بها على متن البوم بيان، وبمصاحبة النوخذة النجدي، لكن قراءة الكتاب تخرج به عن الكتابة التاريخية المحايدة، لتقدم مادة أقرب إلى السرد الروائي، عامرة بالأخبار والتشويق والإثارة، ومحاولة تقصي وفهم خلجات النفس البشرية، وبما يجعل من قراءة الكتاب سياحة حقيقية في عالم البحار، ومعرفة مهمة تخصّ جانبا من الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي كان يحياها المجتمع الكويتي، يوم اعتماده على التجارة البحرية والغوص على اللؤلؤ، ابان ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

يخوض ألن فاليرز مغامرة بحرية، متمثلة في ركوب سفينة شراعية عربية/كويتية، يقودها نوخذة شاب، هو علي النجدي، مصطحباً معه بحارته من أبناء جلدته، ومستعيناً ببعض المعدات البحرية اللازمة، لذا يبقى فاليرز متحفزاً للوقوف على سلوك النوخذة وبحارته عملياً وعلمياً، فهو قبطان غربي خبر البحر وشؤون الملاحة، وفق أحدث أساليب الملاحة الغربية. كاتماً في قلبه استعلاءه واستنكاره لما يدور حوله، وتشكيكه في قدرة النوخذة والبحارة على إكمال الرحلة. لكنه سرعان ما يقف مشدوها لمهارة هؤلاء البحارة وخفتهم، وقدرتهم البارعة على المناورة وركوب الأهوال، وشجاعتهم النادرة في مختلف المواقف الصعبة، وعملهم كفريق متكامل يعرف كل واحد فيه العمل المراد منه، وإصرارهم على أن يكون الغناء صديقهم في أحلك لحظات الرحلة.

إن إعادة تحقيق وطباعة وإصدار كتاب «أبناء السندباد» بحلة جديدة، في عام 2006، إنما هو إضافة مهمة إلى المكتبة الكويتية والعربية، ولا أكون مبالغاً إذا قلت العالمية، قياساً على ندرة الكتب التي تتبعت تفاصيل رحلة بحرية شراعية عربية، انطلقت في أواخر العقد الثالث من القرن الماضي، وتحديداً في شهر ديسمبر عام 1938. 

back to top