تحقيق الكبر والكبرياء... خيط رفيع يفصل صفات الملائكة عن الشياطين
المتكبر من أسماء الله الحسنى والله له مطلق الكبرياء ولكن يعتبر الكبر من أكثر الصفات التي ذمها الله في الإنسان، ويقول الإمام ابن القيم الجوزية إنه بسبب كبر إبليس وعدم خضوعه لأمر الله بأن يسجد لآدم لعنه الله، وبين الكبر والكبرياء اختلاف عظيم، وعلماء الدين يوضحون الفرق بينهما.يقول الشيخ محمد الشحات الجندي أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: هناك خيط رفيع يفصل بين الكبر والكبرياء بالنسبة للسلوك الآدمي، والفرق كبير بينهما في المعنى، فالكبر ممنوع شرعا وهو إظهار التعالي والتكبر على الآخرين والنظرة الدونية لهم والتقليل من شأنهم على حساب إظهار علو نفس المتكبر، فيلزمهم نتيجة لكبره بمعاملة خاصة تليق بمكانته الأعلى في نظره، ونهى الإسلام عن الكبر، وذلك ثابت بأكثر من دليل من القرآن الكريم والسنة منها قوله تعالى: «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ». (لقمان: 18).
أما الكبرياء فقد أكد الجندي أنها «نوع من إظهار العزة والتسامي والارتفاع عن الدنايا والأمور الصغيرة، وهي مشروعة لأن المؤمن ينبغي أن يتحلى بالعزة ويحافظ على الكرامة لنفسه ودينه ووطنه ومجتمعه، ويقول القرآن: «وَلِلهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ». (المنافقون: 8)، وهي أمر محمود.وأضاف الجندي: «الكبرياء إنما تكون في الحق وفي ما هو مشروع وفيما تتطلبه المصلحة الدينية والوطنية والمجتمعية، وقد يغالي البعض في إظهار الكبرياء إلى حد أنه يدخل في التكبر، ولذلك كانت المادة اللغوية قريبة بين الكلمتين، وغاية الأمر أن الكبرياء تفسر بأنها التسامي عن الصغائر والتحلي بالمروءة والتمسك بالشرف والفضيلة، وإنما الكبر هو الإظهار المفتعل والزائد عن الحد بالغرور والمباهاة والافتخار»، موضحاً «الله عنده الكبرياء بالمعنى المطلق، واسمه المتكبر وهو حقيقة له سبحانه لا يزاحمه فيه أحد من خلقه». يقول الشيخ مبروك عطية (أستاذ الفلسفة والشريعة بجامعة الأزهر) في توضيحه للمسألة: «أولاً الكبرياء رداء الرحمن تبارك وتعالى، لذلك قال العلماء إن من نازع الله رداءه لا يستحق رحمته، وقد ورد في الحديث الشهير قول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، فتبين أن الكبر والكبرياء بمعنى واحد إذا اتصف به أحدٌ غير الله، لأنه ورد في الحديث الشريف بلفظ الكبر، وورد في الحديث القدسي بلفظ الكبرياء، والجامع بينهما التكبر والتعالي، ويقابلهما التواضع الذي هو من شيم الصالحين. ومن قصص التراث أن رجلا حج البيت فشاهد أحد المتكبرين له حاشية تذود عنه الناس حتى يطوف بالبيت وحده، وبعد سنة وجده على جسر بغداد يمد يده سائلا الناس، فوقف متعجبا فسأله: ألم تكن الرجل الذي منعت حاشيته الناس الطواف حتى يطوف وحده؟ فقال له: نعم أنا لقد تكبرت في موضع يتواضع فيه الناس، فأذلني الله في موضع يتعالى فيه الناس.ويوضح عطية: «إذاً معناهما واحد بالنسبة للعامة، ولكن الله لا يوصف بالكبر وإنما له تعالى الكبرياء والعظمة، فهو الكبير المتعالي».وقال الشيخ عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية: «يبدو لي أن الكبرياء معناها العظمة التي لا تساويها عظمة ولا تتفوق عليها، أما الكبر فقد قال عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم: «بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ» والله منزه عن هذه الصفة، لكن الكبرياء هي العظمة الحقيقية فهي لله وحده، فقد ورد في القرآن على لسان قوم فرعون للنبي موسى وهم ينكرون دعوته لعبادة الإله الواحد: «أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء». (يونس: 78) أي العظمة والعلو».وأضاف بيومي: «إذاً الكبرياء صفة عظيمة، وادعاؤها في الإنسان لا يكون إلا الكبر، وهو صفة منقوصة حيث يغمط الناس حقوقهم ويجحدها ويجحد حق الله في انفراده بالكبرياء، فيسمى في هذه الحالة استكبارا، ولذلك سمى القرآن الكافرين مستكبرين والكفر استكبارا في الأرض، لأنّ الكافر لم يسلم بأن الكبرياء لله».