خذ وخل: حق القراءة المسلوب من أهل الدار!


نشر في 01-11-2009
آخر تحديث 01-11-2009 | 00:01
 سليمان الفهد واقعة مفجعة جداً قرأتها في مجلة «أخبار الأدب» القاهرية، في عددها 844 الصادر في 13 سبتمبر 2009 المنصرم، وكيف لا تكون كذلك حين يتعلق الأمر باضطرار ذوي مولي المكتبة الشخصية إلى إحراق مكتبة (قاسم مسعد عليوة) عام 1974 الذي اعتقله السادات آنذاك على خلفية ثقافية وسياسية، فاضطر أهله إلى ارتكاب هذه الفعلة خشية عليه من جريرة اقتناء مصنفات أدبية شتى ممنوعة في عرف حضرة «المكتوبجي» الرقيب العتيد! ذلك «أن العلاقة بين السلطة السياسية والثقافة هي دائما علاقة فيها قدر من التوتر تحت جميع الأنظمة السياسية، فالسلطة دائما تريد من يؤيد، أما المثقفون فهم ضمير الأمة» بحسب «نجيب محفوط»، في ندوة «سيدي جابر» الصيفية.

من هنا تبدو أهمية هتاف ونداء «القراءة حق» التي أطلقتها صحيفة «القبس» مع بداية افتتاح معرض الكتاب الذي اشتهر بكونه مقبرة للإبداع المستنير، ومعرضا تسرح فيه وتمرح كتب عذاب القبر، والطبخ والتدبير المنزلي، وخزعبلات رضاعة الكبير، والسحر والشعوذة، وما إلى ذلك من «مصنفات» نائية عن مقص الرقيب العتيد وعدته القمعية! والحق أن وجود الرقيب في الألفية الثالثة يعد سُبّة ووصمة عار في جبين أي دولة شمولية قمعية تلجأ إليه، وقد احتفل الرجل الذي أرسل أول رسالة عبر شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» عام 1969 بالذكرى الأربعين، وهو البروفيسور «ليونارد كلينروك» الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، وقال بهذه المناسبة: «إن الإنترنت يمثل عنصرا لتعزيز الديمقراطية، فالجميع سواسية في التعبير عن آرائهم، ولا يوجد تراجع عن هذه المرحلة»، كما ذكرت صحيفة «الشروق» في عددها الصادر أمس.

لكن، وآه من لكن، كما قال عمنا «توفيق الحكيم» ذات تصريح، لكن مؤسسات الرقابة العرباوية المغاربية والمشرقية ما برحت تظن- آثمة- بأن حق القراءة لابأس عليه من أن يكون مسلوبا من أهل الدار، رغم المسلّمة المتبدية في أن العالم صار قرية كونية عصية على الرقابة وترسانتها القمعية الخائبة. وأحسب أن الرقابة ليست بحاجة إلى مناسبة لطرح شؤونها وشجونها وتحدياتها الفاجعة المفجعة، لأنها، ولله الحمد، حاضرة في حياتنا الثقافية بصيغة متواترة، تكاد تكون يومية! حسبك دليلاً على ما ذهبت إليه: قراءة المجازر التي تتعرض لها الكتب في معارض الكتاب العربية كلها، فقد صارت المفاضلة بين معرض عربي للكتاب وآخر تكمن في كمية عدد المصنفات الإبداعية المصادرة.

ولأن المعارض تترى وتتواتر كل السنة، فإننا على موعد قسري مع ضيف ثقيل غير مرغوب يتمثل في حضرة الرقيب الحاضر أبدا طوال السنة، ومن هنا يستوجب أن تكون حملة «حق القراءة» حاضرة هي الأخرى طوال السنة، اللهم إلا إذا كان الهدف منها مجرد تسجيل موقف آني لتبرئة الذمة ليس إلا. وهو أمر لا أظنه واردا لدى إخوتنا في «القبس»، ولذا أتفق مع الناقد المعروف الدكتور جابر عصفور بضرورة «عقد مؤتمر قومي عن مراقبة الكتب في الأقطار العربية يدعى إليه كل من يقبل من المسؤولين، وعلى رأسهم وزراء الثقافة والإعلام والداخلية والأوقاف (التي فات صاحبنا ذكرها!) ومعهم عدد معقول من رجال القانون والمهتمين بحرية التعبير والعارفين بحقوق المؤلف، في ضوء المواثيق العالمية لحقوق الإنسان...». (مقالات غاضبة. دار ميريت2008- القاهرة).

والسؤال هنا من يعلق الجرس في أذني الثقافة المعادية لحقوق الإنسان بكل مناحيها، ومتى، وأين؟! ذلك هو السؤال كما قال «شكسبير» أو شيخ الزبير على ذمة أخينا الأديب العقيد القذافي!

back to top